عن الحزب والحياة التي تريد إسرائيل قتلهما.. أسرارهم في صُحُفهم

طال أمد الحرب، وإمتدت خارج حدود فلسطين. وقد وصل تأثيرها إلى الصين التي أرسلت 46 مدمّرة صواريخ موجّهة إلى المنطقة، لوقف هجمات جماعة الحوثي على سفن البحر الأحمر. تل أبيب ذهبت بعيداً جدًّا، حدَّ البعد الذي سلكته واشنطن بعد أقل من أسبوع على 7 أكتوبر، يوم إستنفرت أضخم مقاتلاتها وأرسلتها إلى المنطقة. «حزب الله» أيضاً، ذهب بعيداً، يقول مراقبون إنَّ «جبهة الإسناد» التي أطلقها الأمين العام للحزب حسن نصرالله في 8 أكتوبر، ستمتد لتصبح المواجهة الأطول بين البلدين. لربما وحدهم، يحيى السنوار ومحمد السنوار ومحمد الضيف وروحي مشتهى ومروان عيسى (الأحياء منهم والذين قضوا)، أدركوا أنَّ عملية طوفان الأقصى ستذهب إلى هذا الحدّ. 

كشفت هيئةُ البثّ الإسرائيليّة، نقلاً عن مسؤول عسكري، أنَّ الجيش الإسرائيلي يعتزم الدخول البرّي إلى لبنان بعد اتمام عملية رفح، آخر قلاع الفلسطينين في القطاع المُدمّر. ترى إسرائيل أنَّ مبرّراتها لفتح الجبهة اللبنانية على مصراعيها وتكرار سيناريوهات (1978 و1982 و2006) مقبولة لأنَّها المسلك الوحيد لعودة الثمانين ألف مستوطن إلى «أراضيهم».

تسعى تل أبيب لإبعاد «حزب الله» عن حدودها، قدر الإمكان، قبل الغزو أو التفاوض. تنتهج الـ«maximalist approach»، لتحقيق أقصى ما تستطيع تحقيقه بالقوة، كي تحصل على أكثر من ذلك على طاولة المفاوضات. ومجزرة الهبّارية (التي تبعد 6 كيلومترات عن مرتفعات الجولان) تشرح هذا النهج. لم تدمّر إسرائيل غرفة عمليات عسكرية أو مركز قيادة، بل دمّرت مركزا إغاثياً. بعثت رسالة بذلك إلى الجماعة الإسلامية، وخطت خطوة باتجاه حجب الحزب والحياة عن القرى الحدودية التي تريدها خالية.

تأمل إسرائيل أن تنجح بسواعدها، إبَّان غزو رفح وقبل المفاوضات الجدّية حول لبنان، بإبعاد «حزب الله» 12 كيلومتراً عن حدودها، وهو حدّ أدنى إسرائيلي، توصّل إليه «آموس هوكشتاين» في تل أبيب، وناقشه في لبنان شباط الماضي، بحسب المعلومات. تسعى إسرائيل، أن تكون القرى الواقعة ضمن تلك المسافة منكوبةً تماماً. لا قوة عسكرية فيها، ولا نبض حيّ. وترى في ذلك، حسب ما تنقله «أبواق نتنياهو» في الإعلام الإسرائيلي، مدخلاً لدفع «حزب الله» إلى ما بعد الليطاني، أي تطبيق الـ1701. مطلب يعقد نتنياهو العزم لتحقيقه مهما كان الثمن، بالتفاوض أو بالقوّة. 

الناس هم «حزب الله»  

رفضُ إسرائيل لوجود نبض حيّ في القرى اللبنانية المتاخمة لها، قضية تشرحها «ساريت تزيحافي»، مؤسسة معهد «ألما» الإسرائيلي للأبحاث العسكرية. تقول «تزيحافي»، «إنَّ حزب الله هو منظمة لبنانية تتبنى أيديولوجيا نظام آيات الله المتطرّف في إيران، هو ليس جيشاً أجنبياً مسيطراً على جنوب لبنان، بل ميليشيا محلية». 

وتُضيف «تزيحافي» في مقابلة لها على القناة الرابعة الإسرائيليّة، «لهذا لا ينبغي أن ندعو حزب الله للتراجع، بل يجب أن نعمل على نزع سلاحه، ونطالبه بنزع سلاحه، وسحب كل الصواريخ الموجودة في منازل اللبنانيين والتخلص تماماً من القدرات العسكرية داخل البلدات». 

يعتبر العقل الإسرائيلي أنَّ الحرب في الجبهة الشمالية هي حرب بالوكالة يقودها «حزب الله» نيابةً عن إيران. وقد نشر مركز «إنتل» الإسرائيلي الإستخباراتي مقالة قال فيها أنَّ للمركز معلومات إستخباراتية تؤكد تزويد إيران لحزب الله بالأسلحة اليوم على ثلاثة خطوت: برًّا عبر سوريا، وجوَّا وبحراً. والهجوم الإسرائيلي على حلب كان هدفه قطع التمويل الإيراني وإستهداف القيادات التي تنشط على هذا الخط». 

وفي السياق، كان وزير الدفاع الإسرائيلي «يوآف غالانت» حاضراً على الجبهة الشمالية، ومشرفاً بحسب «وول ستريت جورنال» على استهداف غارة اسرائيلية لسيارة نائب قائد وحدة الصواريخ في «حزب الله» علي نعيم، في بلدة البازروية قضاء صور. 

تعتبر إسرائيل نعيم، من قادة الحزب الأقرب إلى إيران. وتقول أنَّه عمل على خط تأمين القذائف الثقيلة للحزب من إيران، وهو من الرعيل الأول في «حزب الله». ومن الجبهة الشمالية، أكَّد «غالانت» خلال إشرافه على الغارة التي اغتالت نعيم، أنَّ الجيش الإسرائيلي سيزيد من وتيرة إستهدافاته وعملياته في الجنوب وفي سوريا ضد أهداف «حزب الله». 

تقول مصادر أميركية مطّلعة على علاقة «الغرام والإنتقام» بين واشنطن وتل أبيب، «إنَّ إسرائيل تنجح بأخذ ما تريد من الإدارة الأميركية، بعد الهيجان الإسرائيلي المعارض على إدارة بايدن التي اختارت تمرير مشروع القرار الأممي الرامي لوقف فوري لإطلاق النار خلال رمضان».

إنّ نهج رفع السقف، لأخذ أكبر قدر من المكاسب، طبَّقه نتنياهو مع الأميركيين أيضاً، كما يطبّقه على الجبهة اللبنانية. ألغى نتنياهو زيارة الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن، بعد القرار الأممي، وكأولي ردّ فعل. حرَّك اللوبي الصهيوني الأميركي ضدّ بايدن. وأفلت وزير الأمن القومي في حكومته «إيتمار بن غفير» على بايدن. بن غفير، اتهم بايدن من على منبر «نيويورك تايمز الأميركية»، بأنَّه يُفضّل يحيى السنوار والنائبة الأميركية من أصول فلسطينية رشيدة طليب عليه وعلى نتنياهو. معتبرا أنَّه يتبنى الموقف الفلسطيني منذ 7 أكتوبر. وهنا تجوز الإشارة إلى أنَّ «نيويورك تايمز»، هي جريدة الليبراليين الأولى، وبالتالي معظم القرّاء من الديمقراطيين. ليصبح كلام «إيتمار بن غفير» العالي السقف تجاه بايدن عبر تلك الجريدة، مُضرّاَ ضمن الحسابات الانتخابيّة.