النازحون السوريون.. مصدر «شحادة» الدولارات للدولة اللبنانية

النازحون السوريون.. مصدر «شحادة» الدولارات للدولة اللبنانية

  • ١٢ نيسان ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

التسليم بالمشكلة، يضع الحكومات أمام مسؤولية حلّها جذرياً، لا إعتبار النازحين كبش محرقة، لاثارة حملات تحريض بحقهم، وتهديد حياتهم بالخطر، بهدف الحصول على المزيد من المساعدات، لتهدأ بعدها الحملة. هذا النمط بات روتينياً في المشهد السياسي اللبناني في السنوات الأخيرة.

بعد أكثر من 4 سنوات على بدء الإنهيار الإقتصادي، لم تؤخذ أي خطوة جديّة لإيجاد حلّ، وللخروج منها، بل مجرد تدابير شراء الوقت، لعل يداً خفية تعمل على حل سحريّ لإجرام السلطة والمصارف، بحق المواطنين وودائعهم.

ليس عبثياً إفتعال هجوم ممنهج على النازحين كل فترة، لتخمد الحملة بعد أن تستجيب الجهات المانحة بعدم التوقّف عن دعم لبنان، أو زيادته. الأموال التي دخلت لبنان بسبب النزوح ليست واضحة، شأنها شأن عدد النازحين، وهذه العشوائية والفوضى، مردها إلى كيفية تعامل الحكومات المتعاقبة مع الملف منذ بداية الثورة السورية وبدء عملية النزوح.

نجحت الأحزاب المشاركة في الحكومات باعتبار النازحين «كبش محرقة»، تبريراً لتقاعسهم، في أفضل الأحوال، إن لم نقل تواطؤهم، تجاه البلد واقتصاده. وعند الحديث عن إقتصاد مهترئ، نتحدث عن بنى تحتية مهملة، وتراجع للقطاعات المنتجة لصالح السياحة والخدمات والقطاع المصرفي، وما بقيّ اليوم من شكل الدولة، هي بقايا دولة فؤاد شهاب. أن يدخل مليوني شخص إلى هذا الاقتصاد، سيسرع حكماً من إنهياره، لكن لا يسببه. بوادر الأزمة كانت ظاهرة، والنية بتجنبها كانت أوضح، حيث وصل الدين العام عام 2010 إلى 131 في المئة، وتراجع النموّ في الناتج المحلي إلى 1 في المئة.

ترافق النزوح السوري إلى لبنان مع الإشارات الأولى للإنهيار. بدأ ميزان المدفوعات يسجل إنخفاضه منذ عام 2011، وحافظ على تراجعه حتى الإنهيار عام 2019، وبلغ عام 2023، 3.2 مليار دولاراً، وكان المصرف يستنزف مخزونه حفاظاً على سعر صرفٍ وهميّ. وإن سجل الميزان فائضاً موخراً، فهذا يعود إلى إرتفاع معدلات الفائدة عالمياً، وبقاء الفيدرالي الأميركي على قراره برفع أسعار الفائدة، وبما أنّ المصارف لا تزال تمتلك قرابة 4.3 مليار دولار مستثمرة في الخارج، ومصرف لبنان يمتلك 7 مليارات دولار، ومع سعر فائدة وصلت إلى 5.5 في الولايات المتحدة و4.5 في أوروبا، يمكن فهم تحسّن ميزان المدفوعات.

وتاريخياً، إعتمد لبنان على التحويلات من الخارج، من أموال المغتربين أو دعم من الدول العربية والأوروبية، وعلى سبيل المثال، قدمت السعودية وحدها، بين عاميّ 1990 و2015، أكثر من 70 مليار دولار، على شكل إستثمارات ومساعدات ومنح وهبات، وقروض ميسّرة وودائع في البنوك والمصارف. كما حوّلت وديعة مالية بقيمة مليار دولار خلال حرب 2006، كما بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في لبنان بين عامي 2004 و2015 نحو 6 مليارات دولار، ووصلت الصادرات السعودية إلى لبنان عام 2014 نحو 415.4 مليون دولار.

تنظر الحكومة إلى النازحين كفرصة للمزيد من الدولارات، ويراهم الغرب الخطر الذي يحاولون إبعاده عن دولهم. ومع رفع الصوت لإيجاد حلّ لأزمة النزوح، يتجاوب المجتمع الغربيّ، خوفاً من إنتقال النازحين إلى دوله. عام 2017 بدأت خطة «الإستجابة للأزمة»، دعماً للنازحين السوريين، وعبرها يعطى للنازح 10 دولارات يومياً، ما يعادل 300 دولار شهرياً، يستفيد منها حوالي 900 الف نازح مسجلين لدى مفوضية اللاجئين، وتبلغ القيمة السنوية لدعم النازحين المسجلين 3 مليار و240 ألف دولار.

وفي وقت يقدر العدد الإجمالي للنازحين السوريين بنحو 2 مليون نازح سوري، ومن هو غير مسجل، يدفع رسم إقامة سنويّ بقيمة 200 دولار، أي بمعدل 240 مليون دولار لمليون و200 الف نازح. في أيار الفائت قال وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار أنّ «أعباء النزوح السوري تكلف الدولة اللبنانية 3 مليارات دولار سنوياً»، في المقابل حصل لبنان من مؤتمرات بروكسل الأربعة السابقة على 8.7 مليارات دولار.

وفي عام 2023 حصل على 60 مليون دولار من الإتحاد الأوروبي كمساعدات إنسانية، وبين عاميّ 2015 و2022 حصل لبنان على 9 مليار دولار، وأطلق رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022-2023، للحصول على 3.2 مليار دولار أمريكي، وهي نفس القيمة التي كان سيحصل عليها لبنان لو حصل على دعم صندوق النقد الدولي.

عام 2021 قدم حوالي 2.3 مليون إستشارة صحية مدعومة من خلال مراكز الرعاية الصحية الأولية، واحتل لبنان يومها المركز الثالث عالمياً لجهة التمويل الإنساني بعد سوريا واليمن، بحسب «مرصد الأزمة»، وضخ أكثر من 375 مليون دولار أمريكي في الإقتصاد اللبناني، كمساعدات نقدية لدعم الأسر السورية واللبنانية والفلسطينية الأكثر حاجة. وفي عام 2020 حصل على 1.6 مليار دولار على شكل منح، ممولة من ثلاث جهات، الولايات المتحدة الأميركية والمفوضية الأوروبية وألمانيا، ووُجِّهت أكثرية المساعدات إلى برنامج الإستجابة لأزمة اللجوء السوري في لبنان، يليها خطة الاستجابة لأزمة الكورونا والمساعدة الطارئة التي بُذِلَت إثر تفجير مرفأ بيروت.

وحصلت ثلاث منظمات دولية في لبنان على 66 في المئة من حجم هذا التمويل، وهي برنامج الغذاء العالمي بنسبة 29.8 في المئة، ومفوضية اللاجئين بنسبة 25.2 في المئة، ومنظمة اليونيسف بنسبة 10.9 في المئة.

واستفادت المصارف من هذه الأموال، حيث من ربع إلى ثلث هذا المبلغ تقتطعه المصارف، التي تسلم المستفيدين من المساعدات بالليرة اللبنانية وليس بالدولار، وعلى سعر صرف أقل بكثير من السعر المتداول في السوق السوداء.

يسكن 87 في المئة من السوريين الفقراء في 251 بلدة ومحلة هي الأفقر في لبنان، تضم 67 في المئة من اللبنانيين الأكثر عوزاً. 251 بلدة ومحلة باتت تشكل «جغرافية فقر شديد»، يعيش فيها حوالي 850 ألف لاجئ سوري الأكثرية الساحقة منهم في فقر معدم، إلى جانب حوالي 850 الف من الفقراء المدقعين اللبنانيين. هذا الواقع الإقتصادي والإجتماعي موّلد للتوترات والصدامات والعنف، ومنه تستغل حاجة الناس، لخلق مجموعات قتالية، أو سارقين، أو عصابات، وفي جوّ الشحن القائم، تتحوّل هذه الفئات إلى شيطان بالنسبة للمجتمع. ولطالما كان خلق عدوّ وهمي بمثابة ركيزة لأي سلطة لبقائها، التخويف من الآخر المختلف دينياً أو اثنياً، أو حربٍ أهليةٍ محتملة، ليبقى الناس في حالة تأهب لأي خطر قادم، ولا يسأل أحدهم مقابل الأرقام التي تخرج عن عدد النازحين، كم بلغت أرباحهم من حفلة «الشحادة» المستمرة، باسم الفقراء من النازحين واللبنانيين.