الأحزاب المسلّحة والفساد وتبييض الأموال: مؤشرات تقرّب لبنان من التصنيف «الرمادي». ماذا يعني ذلك؟
الأحزاب المسلّحة والفساد وتبييض الأموال: مؤشرات تقرّب لبنان من التصنيف «الرمادي». ماذا يعني ذلك؟
غياب التّشريعات المناهضة للجرائم المالية، وتنامي الاقتصاد «الكاش»، والمنظمات المسلحة غير الشرعية، قدتُخرج لبنان من النظام المالي العالمي
يحمل نهاية الشهر الحالي، حدثاً مهماً على صعيد المكانة الماليّة للدولة اللبنانيّة على مستوى العالم. لكن هذه المرّة ومن جديد، يُبنى التقييم والاستنتاج على مدى التزام لبنان بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحة الفساد، والى أي مدى يلتزم لبنان في مكافحة الجرائم المالية. ولبنان الغارق في أزمة أضعفت إقتصاده الشرعي وغذّت أقنية الإقتصاد الأسود، لينفلش الاقتصاد النّقدي، الذي يُعرف بـ «الكاش إيكونومي» وحدوده حوالى 10 مليار دولاراً بحسب البنك الدولي، فيما يقدّر القيّمون على الشأن المالي أنَّ حجم «الكاش إيكونومي» في لبنان قد تجاوز الـ30 مليار دولاراً.
في كانون الأول من العام الماضي، تلقّت هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، تقريراً صادراً عن منظمة «فاتف»، المعنيّة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. يُلخّص ما جاء في التقرير، مشهديّة تعرفها السلطة، في أدق تفاصيلها، وهي أنَّ البلاد تغرق في إقتصاد «الكاش»، وتغيّب المعالجة الملموسة ضمن الإطار المؤسساتي لهذه المشكلة، ناهيك عن عدم متابعة المنظمات الحزبية العسكرية الكبرى ( والمقصود هنا على وجه الخصوص حزب الله)، وغياب الرقابة، وتغلغل الفساد في الدوائر الحكوميّة.
هذا التقرير صيغ بعد الزيارة الميدانيّة لفريق تابع للمنظمة في صيف العام 2022، حيث لمس الأخير في لبنان، تقدماً في تقييم المخاطر بإطار حديث، في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. تقييم، يُتيح للمؤسسات المعنية بتصنيف الجرائم الأكثر خطورة والقطاعات الماليّة وغير الماليّة والتي تعتبر أكثر عرضة لمخاطر عمليّات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
إلا أنَّه وبحسب الوفد الذي أعدّ التقرير، لا يزال مستوى إدراك مدى خطورة علميات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب لدى القطاعات المالية غير المنظمة، دون المستوى المطلوب. فضلا، عن مشكلة نشاطات المنظمات شبه العسكريّة والفساد المتغلغل في الإدارات والمؤسّسات العامة، والتهرّب الجمركي والضريبي وجرائم الإتجار بالبشر وتجارة المخدرات غير الشرعية.
وبالمحصّلة، منح التقرير لبنان درجة«ملتزم وملتزم إلى حدّ كبير» في الـ 34 توصية. غير أنَّ التقرير أوصى بوجوب إجراء تحسينات في التوصيات الست الباقية منه. وهي تتعلّق بالملاحظات التي ذكرناها سابقاً. وقد صنّف الوفد لبنان في هذا السياق، بإطار الملتزم جزئياً. وهذا يعني، أنَّه من الضروري القيام بالمعالجة، لاسيّما عبر إقرار ما هو مطلوب من قوانين وتشريعات وإلّا، ننزلق إلى اللائحة الرّمادية.
إذاً، في نهاية الشهر الحالي، ستجري منظمة «فاتف» تقييماً لما نفّذه لبنان من التوصيات السابقة، وأي تأخر بإقرار ما هو مطلوب، قد يدفع المنظمة إلى وضع لبنان على اللائحة الرمادية، حيث يصدر التقرير بين شهري تموز وآب 2024.
وكالعادة، نحن أعلم بأنَّ السلطة التّشريعيّة والتّنفيذيّة وحتى القضائيّة، لم تقُم بما هو مطلوب منها على هذا الصعيد.
واذا ما استبعدنا دقّة وحساسيّة تعاطي السلطات مع ملف «حزب الله»، فإنَّ الأطر القانونية المتعلّقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والفساد على حالها، بل على العكس، نشهد طفرة في التهريب الجمركي والضريبي وزيادة في معدلات الفساد. كما نشهد، غياب الأطر الصحيحة للتعاطي مع هوية صاحب الحقّ الإقتصادي. ما يعني أنَّ الجرائم المالية على حالها، وأنَّ إقتصاد «الكاش» ماضٍ في التوسّع، والإقتصاد الأسود ماضٍ في الإزدهار. وقد أكَّد هذا الأمر، إستياء وفد وزارة الخزانة الأميركية الأخير من أداء السلطة. إلا أنَّه أثنى على ما قامت به الحاكميّة في المصرف المركزي من معالجة داخليّة لأوضاع المصرف المركزي، ومن بعض الاجراءات المتخذة ضمن إطار صلاحيات المصرف المركزي لمعالجة آفة الإقتصاد النقدي.
ويتواجد في واشنطن اليوم، حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ونائب الحاكم بشير يقظان، وقد علمت «بيروت تايم» أنَّ منصوري سيتطرّق إلى ملف تصنيف لبنان من قبل منظمة «فاتف»، لا سيّما وأنَّ الأخير تمكَّن من إعادة علاقات لبنان مع الدول العربية والأجنبيّة، بعد قطيعة استمرت سنتين نتيجة أداء الحاكم السابق رياض سلامة. إلا أنَّ خطوة منصوري لن تكون كافية وحدها طالما أنّ الحكومة ومعها مجلس النواب تتنصل من دورها باقرار القوانين المطلوبة لا سيما قانون تحديد الفجوة المالية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان. إذ إنّ لا خلاص من آفة الإقتصاد النقدي دون عودة دور القطاع المصرفي الذي يقونن ويؤطر أي تداولات ماليّة في إطار مؤسساتي خاضع للرقابة المحليّة والعالميّة.
«MENAFTAF»، أو مجموعة العمل المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا
تأسست هذه المجموعة بحسب عضو منظمة «ريفورم»، المحامي رفيق غريزي، بموجب إجتماع وزاري عقد في البحرين، في العام 2004. حيث اتفقت حكومات 14 دولة عربية على إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويدخل في صلب هذه المجموعة العمل على ما يلي:
1- تدارك عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
2- الحرص على التعاون بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
3- نشر التوصيات والإجراءات التي وضعتها الأمم المتحدة في شأن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
4- تبني التوصيات الأربعين لمجموعة العمل المالي وكذلك معاهدات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، والعمل على فرض الإلتزام بهذه المعايير.
5- العمل المشترك لتحديد الموضوعات المرتبطة بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب ذات الطبيعة الإقليمية.
6- تبادل الخبرات في ما بين الدول الأعضاء وتطوير الحلول للتعامل مع غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح.
والدول الأعضاء في هذه المجموعة كالتالي:
1- المملكة الأردنية الهاشمية
2- الإمارات العربية المتحدة
3- مملكة البحرين
4- الجمهورية التونسية
5- الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
6- جمهورية جيبوتي
7- المملكة العربية السعودية
8- جمهورية السودان
9- الجمهورية العربية السورية
10- جمهورية الصومال الفيدرالية
11- جمهورية العراق
12- سلطنة عمان
13- دولة فلسطين
14- دولة قطر
15- دولة الكويت
16- الجمهورية اللبنانية
17- دولة ليبيا
18- جمهورية مصر العربية
19- المملكة المغربية
20- الجمهورية الإسلامية الموريتانية
21- الجمهورية اليمنية
و المراقبون هي الدول والمنظمات التالية:
- الجمهورية الفرنسية
- المملكة المتحدة (بريطانيا وايرلندا الشمالية)
- الولايات المتحدة الأميركية
- مملكة أسبانيا
- أستراليا
- جمهورية ألمانيا الاتحادية
- صندوق النقد الدولي
- البنك الدولي
- مجلس التعاون لدول الخليج العربية
- مجموعة العمل المالي FATF
- مجموعة إجمونت
- مجموعة آسيا والمحيط الهادي
- منظمة الجمارك العالمية
- صندوق النقد العربي
- مجموعة العمل الأورآسيوية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب
- هيئة الأمم المتحدة
- المفوضية الأوروبية
- جمهورية روسيا الاتحادية
والمتمعن في الدول الأعضاء والمراقبين يمكنه ملاحظة أهمية مجموعة العمل المالي. فمن ناحية دول الأعضاء تشمل دول الخليج ودول الشرق الأوسط ومصر والمغرب العربي.
أما الدول المراقبة والمنظمات المراقبة فهي الدول العظمى والمنظمات الدولية الأساسية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية، وغيرها. ويعني ذلك، أنَّه في حال عدم الإلتزام بالتعاون وتنفيذ المقررات والتوصيات، فإنَّ من شأن ذلك أن يأتي بنتائج سلبية.
ويرى غريزي، أنَّ النتائج القانونية، تنبثق من طبيعة المجموعة المنصوص عليها في المادة 2 من مذكرة التفاهم والتي تنصّ على أنَّ:
«المجموعة ذات طبيعة طوعية وتعاونية مستقلة عن أي هيئة أو منظمة دولية أخرى، تأسست بالإتفاق بين حكومات أعضائها، ولم تنشأ بناء على معاهدة دولية. وهي التي تُحدّد عملها ونظامها وقواعدها وإجراءاتها، وتتعاون مع الهيئات الدولية الأخرى وخصوصا مجموعة العمل المالي لتحقيق أهدافها».
ماذا تعني اللائحة الرمادية؟
ووفقا لغريزي، وضعت «فاتف»، قائمة تضم فئة من الدول باسم «القائمة الرمادية الصادرة عن فاتف» وأنّ هذه الدول المدرجة على القائمة تخضع لمراقبة مشدّدة مع مجموعة العمل المالي. والسبب في ذلك يكمن في وجوب معالجة أوجه الضعف الاستراتيجية في أنظمتها الخاصّة بمواجهة تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، وتمويل إنتشار التسلح.
وإنَّ وضع «فاتف» أي دولة تحت المراقبة المشددة يعني أنّ الدولة المذكورة قد التزمت القيام بسرعة بحل ومعالجة أوجه الضعف الاستراتجية التي تمّ التعرّف اليها، ضمن فترة زمنية متفق عليها، وأنّها تخضع لمراقبة زائدة.
أمثلة على دول وضعت تحت المراقبة المشدّدة أو اللائحة الرمادية:
بحسب آخر نشر بتاريخ 23 شباط 2024، فإنَّ الدول التي وضعت تحت الرقابة المشدّدة هي:
بلغاريا، بوركينا فاسو، كاميرون، كونغو الديموقراطية، كرواتيا، هايتي، جامايكا، كينيا، مالي موزمبيق، نامبيا، نيجيريا، الفيليبين، سينيغال، جنوب افريقيا، جنوب السودان، سوريا، تانزانيا، تركيا، فييتنام، اليمن.
أما الدول التي لم تعُد مدرجة ضمن اللائحة الرمادية فهي، بربادوس وأوغندا، والإمارات العربية المتحدة، وغيبرالتار.
وعليه، فإنَّ إدراج دولة ما على القائمة الرمادية يعني أنّ هذه الدولة لم تكن تمتثل للمعايير الدولية والتوصيات التي وضعت بشأن التعاون في مكافحة غسيل الأموال والتسلح ومكافحة الإرهاب، وبالتالي من المفترض أن تخضع لرقابة مشدّدة إلى أن تصبح ممتثلة لهذه المعايير والتوصيات، عندها يعاد إخراجها من القائمة الرمادية.
نتائج وانعكاسات إدراج دولة ما على القائمة الرمادية:
- يؤدي إلى تعطيل تدفقات رأس المال بمعنى عرقلة التحويلات من الخارج وتعرضها للمساءلة والاستفسار والتدقيق.
- إحتمال إنسحاب البنوك من التعاملات مع العملاء الموجودين في البلدان العالية المخاطر لتقليل تكاليف الامتثال.
- إلحاق الضرر بسمعة البلد.
- تعديلات التصنيف الإئتماني
- صعوبة الحصول على تمويل دولي
- إرتفاع تكاليف المعاملات
أما الأخطر، فيلوح في الأفق، إدراج لبنان على اللائحة السوداء في حال عدم العمل على الإمتثال وتحسين وضعه وصورته. وهذا يعني العزلة عن النظام المالي العالمي.