منصوري يهرب من اللائحة الرمادية بالبطاقة المصرفية

منصوري يهرب من اللائحة الرمادية بالبطاقة المصرفية

  • ٣٠ نيسان ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

إن غاب رياض سلامة عن المصرف المركزي، بقي نهجه مكرساً. بين 19 و23 أيار، ستجتمع مجموعة العمل الماليّة «فاتف» في البحرين، ومن المتوقّع إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، بفعل إنتشار الإقتصاد النقدي (الكاش)، الذي يشكل بيئة مثالية لتبييض الأموال.

اليوم، بات إقتصاد «الكاش» يعادل نصف الناتج، بعد أن كانت نسبته 10 في المئة قبل الأزمة، وهذا يفتح الباب لكل أشكال التعاملات المالية غير القانونية، ويهدّد ما تبقى من الثقة بالمصارف اللبنانية أمام المصارف المراسلة والنظام المصرفي العالمي. 

إستباقاً لهذا التصنيف، أصدر مصرف لبنان بياناً شجع فيه المواطنين على استخدام «وسائل الدفع الالكترونية، وتخفيف إستعمال الدفع النقدي (الكاش) في السوق اللبناني، وذلك بالتوافق مع المعايير الدولية لا سيما تلك المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب». ويضيف البيان «يتابع المصرف العمل بالتنسيق مع شركتي ماستركارد (MasterCard) وفيزا (VISA)، إلى جانب المصارف والمؤسسات المالية المعنية بادارة وإصدار البطاقات».

وكان المصرف المركزي قد أصدر التعميم 165 في نيسان 2023 المتعلق بمقاصة وتسوية الشيكات والتحاويل النقدية بالدولار «الفريش» والليرة اللبنانية عبر مصرف لبنان. وقد بدأ استعمال التحاويل والشيكات «الفريش» بالإرتفاع وأصبحت الشيكات «الفريش» وسيلة تسديد المدفوعات الأساسية والآمنة والبديلة عن الدفع النقدي (الكاش).

 يهدف المصرف المركزي من هذا الإجراء إلى تخفيف التعامل النقدي في السوق اللبناني بشكل تدريجي، بحسب كبير الإقتصاديين في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل، ويضيف في حديث لـ «بيروت تايم»، أنّ الحسابات المصرفية المعنية في هذا القرار لا تتعلق فقط بحسابات «الفريش»، إذ أنّ جزءًا منها حسابات بالليرة اللبنانية، وهناك حالياً مليوني بطاقة دفع بين الليرة والدولار تابعة لحسابات في المصارف اللبنانية، تتراوح بين البطاقات الإئتمانية وبطاقات السحب، فيما تشير الأرقام الرسمية إلى وجود 3 مليارات دولار «فريش» في حسابات الشركات والأفراد في القطاع المصرفي.

إلّا أنّ المشكلة بحسب غبريل، تكمن في أنّ التجار يضعون أرباحاً تختلف عما كانت تفرضه شركتي «فيزا وماستركارد»، فتصل أحياناً إلى 4 في المئة، ويحملون الزبائن الكلفة التي كانوا يتحملونها قبل الأزمة، ويتابع «ما يحاول مصرف لبنان القيام به هو، أولاً إعادة العمل بالبطاقات المصرفية، وتشجيع الناس على إعادة إستخدام البطاقات وتخفيف التعامل بالنقد، واقتصاد الكاش». 

ما حثّ المصرف المركزي على هذه الخطوة هو خطر إدراج لبنان على اللائحة السوداء، وهذا ما يفسّر غياب الخطوات الأساسية لمحاربة الإقتصاد «الكاش»، التي تبدأ بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة الثقة فيه، لتُستأنف العمليات المالية من خلاله. وكان حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري قد شدّد في لقاء مع الصحافيين على ضرورة إعادة هيكلة المصارف، في الوقت الذي لا تلاقي هذه الخطوة الجدية المطلوبة، خاصة مع إسقاط مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، بعد الضغط الذي مارسته جمعية المصارف.

يصف الكاتب الإقتصادي علي نور الدين بيان المصرف المركزي بالمناورة ولا جديد فيه، ويؤكد لـ «بيروت تايم» أنّ إرتباط البطاقات المصرفية بالـ «فريش» دولار وليس باللولار بدأ منذ عام ونصف، وقيام المصارف بالتقاص من خلال مصرف لبنان وبالدولار «الفريش»، بين مصرف وآخر دون الحاجة إلى تحويلها إلى المصارف المراسلة عبر فتح حساب «فريش» في مصرف لبنان، بدأ في الصيف الماضي، وهذا يساعد من لديه حسابات بتحرير شيكات «فريش» والعمل بالبطاقات المصرفية، ويضيف «للتعميم هدف واحد وهو الإنطباع بأنّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري قام بواجباته عبر إصدار تعاميم لمحاربة الإقتصاد الكاش، قبل وضع لبنان على اللائحة الرمادية».

يؤكد نور الدين أنّ مجموعة العمل الدولية لن تتأثر ببيان منصوري، «فهم أتوا إلى لبنان وشاهدوا كيف يعمل السوق وكيف تعمل الإدارات الرسمية وتيقنوا من مستوى الضوابط على تبييض الأموال». ويشير إلى أنّه عند إدراج لبنان على اللائحة الرمادية سيخرج منصوري ليقول إنّ القطاع المصرفي محصّن وقمنا بواجباتنا في هذا الإطار، وإنّ المسؤولية تقع على الدولة التي لم تبادر الى القيام بالإصلاحات المترتبة عليها، معتبراً أنّ «منصوري يتحايل على الواقع باعتبار أنّ محاربة إقتصاد «الكاش»، تتطلّب إتخاذ الإجراءات السريعة لإيجاد حلّ للأزمة المصرفية، إذ طالما هناك مصارف «زومبي»، سيبقى إقتصاد «الكاش»، لأنّ لا أحد يثق بالمصرف لإيداع دولارته فيه». وعليه، العنوان الوحيد لمحاربة إقتصاد «الكاش» هو إعادة هيكلة القطاع المصرفي ومعالجة وضع المصارف، و يحمّل نور الدين الحاكم وعدد من الوزراء المسؤولية في إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، كما أنّ مهلة الثمانية أشهر كافية لمنصوري، «وهو من المساهمين في إسقاط قانون إعادة هيكلة المصارف، بعد أن شارك في كتابته، لأنّ جمعية المصارف رفضت القانون، التي هي في الأساس لا تريد إعادة هيكلة القطاع، وتضغط باتجاه بيع أملاك الدولة».

عندما زار وفد الخزانة الأميركية لبنان، واطلع عما يقوم به مصرف لبنان، أبلغ منصوري أنّه غير راضٍ عن فكرة حسابات «الفريش» لأنهّا وسيلة تشوبها علامات استفهام، بحسب نور الدين، فهي حسابات وسيطة، أما لجنة العمل المالي، لديها لائحة مخاوف أكبر تتعلق بالإدارات الضريبية والجمارك والقيود على آلية بيع وشراء الذهب والفضة في السوق، ويطالبون بتغيير النموذج كلّه، لأنّهم يعتبرون  أنّ البلد متجه نحو الإقتصاد النقدي، ما يؤكد أنّه بيئة حاضنة لتبييض الأموال، والطريقة الوحيدة للخروج منه هي عبر إدارات الدولة، أو معالجة المصارف لوقف إقتصاد «الكاش»، وفي الخلاصة، أنّ الظاهر للعيان ليست هناك خطوات أو نية جديّة لاتخاذ مثل  هذه الإجراءات.