«بيروت تايم» تنشر ردَّ الأستاذ الجامعي بشار حيدر بعد امتناع «ميغافون» عن نشره

«بيروت تايم» تنشر ردَّ الأستاذ الجامعي بشار حيدر بعد امتناع «ميغافون» عن نشره

  • ٠٧ أيار ٢٠٢٤
  • بشار حيدر

رفضت «ميغافون» نشر مقالة لأستاذ الفلسفة ورئيس كرسي "محمد عطا الله" للفلسفة الأخلاقية في الجامعة الأمريكية في بيروت د. بشار حيدر، الذي كان قد طلب نشرها ردًّا على مقالة تناولته في المنصَّة ، أتت بعد أن بحث جدوى عملية «طوفان الأقصى»، في مادة سابقة له.

نشرت ميغافون عدة مقالات رأي تعترض على أي نقد يوجّه لـ«حركة حماس» بعد ٧ أكتوبر. وللمساهمة في النقاش، أرسل الصحافي بشار حيدر، مقالاً لا يتناول مقالات ميغافون مباشرة، لكنّه يدافع عن مشروعية نقد هجوم ٧ اكتوبر. وكان عنوانه، «في نقد حماس: مقارنة مع الثورة السوريّة»، بتاريخ ٢٤ نيسان ٢٠٢٤. قبلت ميغافون المقال بعد الإصرار على إدخال بعض التعديلات، ثم قامت بنشره بعد فترة مصحوباً بردّ مباشر وتفصيلي، من سامر فرنجية، مُحرّر قسم الرأي في ميغافون. وكانت المقالة بعنوان «ما مغزى النقد؟»، ونُشرت في اليوم نفسه. 

لإعتقاده أنَّ ردّ فرنجية كان مُجحفاً ومُحرّفاً لمقاله، طلب حيدر أن يُسمح له بردّ، فرفض فرنجية قائلا، إنَّه «لا يريد أن يحتكر هذا الجدل، موقع ميغافون»، مع العلم أنَّ كل مساهمة حيدر في هذا «الجدل» اقتصرت على مقالة واحدة لا غير. 

فيما يلي ننشر ردّ حيدر على فرنجية والذي رفضت «ميغافون» نشره:

في مقالته «ما مغزى النقد؟» يردّ سامر فرنجية على مقالتي «في نقد حماس - مقارنة مع الثورة السورية» الذي نشرته ميغافون مشكورة. 

أولاً: في ردّه، ينسب لي فرنجية إنحيازي إلى القضايا الرابحة إنطلاقاً من أنَّ النجاح هو شرطي لدعم أية قضية. ويقول إنَّه من هذا المنظار، يجب ألا نعترض إذاً على، «سطوة الأسد أو حزب الله أو حتى الاحتباس الحراري كونها كلها قضايا خاسرة». 
لكنَّ مشروعية دعم القضايا العادلة، خاسرةً كانت أم رابحة، ليست موضع النقاش أو الخلاف هنا. ولا أعتقد أنَّني انحزت إلى القضايا الرابحة في ما كتبت. إنّما المسألة هي: هل يجب أن ندعم أي فعل يحصل باسم القضية العادلة بغض النظر عن طبيعة هذا الفعل وعن تداعياته السلبية والإيجابية على القضية وأصحابها؟ لا اعتقد أنَّ الإجابة بـ «لا» عن هذا السؤال تعني انحيازاً إلى القضايا الرابحة، بل إنحيازاً ضدّ الأفعال التي لا تخدم القضايا العادلة وأصحابها. 

وفي نفس السياق، وبالمقارنة مع الثورة السورية، يقول فرنجية: «ربّما كان من الجدير بحيدر الإعتراف أنَّ خصومه كانوا على حقّ، عندما حذَّروا من تبعات ثورة كهذه، إن كان هذا هو معيار النقد فعليًا». لكن هذا هو تحديداً ما أقرّرت به. فقد كتبت «ولو سلمنا جدلاً… أنَّ الأمل بانتصار الثورة السورية كان ضئيلاً جداً أو معدوماً منذ البداية، فيما نتائجها الكارثية مضمونة، فعندها سيكون نقد الثورة السورية كذلك نقداً مشروعاً، كما هو الحال في نقد حماس».

ثانياً، يُرجح فرنجية أنّ موقفي نابع من أنّ المسألة الفلسطينية منتهية بالنسبة لي وأمثالي «وليس هناك ما يمكن فعله لإعادة إحيائها». 
لكن ليس في ما كتبتُه ما يُشير إلى ذلك التفسير. فكل ما قلته في هذا الشأن هو أنّ البعض يحاجج بأنّ الحلول السلمية قد فشلت ولذا لم يبقَ للفلسطينيين غير استعمال العنف. وردّي على هذا هو أنّ «فشل الحلول السلمية لا يعطي تبريرا مطلقاً ودائما لأي عمل عسكري، خصوصاً وأنّ الحلول العسكرية الفاشلة عادة ما تجلب خراباً وويلات أكبر بكثير من تلك التي تجلبها الحلول السلمية الفاشلة». ليس في هذا رفض مطلق لأي عمل عسكري وتحت أي ظرف كان، ناهيك أنّه لا يتبنى فكرة انتهاء القضية الفلسطينية. 

ثالثا، يضيف فرنجية، «هل يريد حيدر أن يقنعنا بأنّ كلّ القضايا التي دعمها كانت خالية من أي عنف؟ لنرَ كيف يقارب فرضية عنف ارتُكِب في الثورة السورية. يكتب «لا أعتقد أنّ الكثير منهم كان ليتردد في القيام بنقد هجوم من هذا النوع واعتباره تشويهاً للثورة ومطالبها». أي أنّ هذا العنف، إن ارتُكِب، كان ليكون تشويهاً للثورة، لا يمس جوهر ما هي عليه، خطأ ارتكبه دخلاء على الثورة. لكن، في المقابل، يبدو أنّ عنف «حماس» هو من طبيعة هذا الحراك وجوهره، ولا يمكن فصله عن الفلسطينيين أجمعين. أليس من السهل كتابة «القضية الفلسطينية عادلة، وإن ارتُكبت إنتهاكات، فهذا تشويه للقضية».
لا ادري من أين أتى فرنجية بقوله إنّي أرفض العنف بشكل مطلق أو إنّي أعتقد  أنّ عنف حماس في ٧ أكتوبر هو في طبيعة الحراك الفلسطيني وجوهره ولا يمكن فصله عن الفلسطينيين أجمعين، فأنا لم آتِ أبدا على التلويح بهذه الفكرة لا من بعيد ولا من قريب. إنّما تناولت نقد طوفان الأقصى، ولم أتناول حتى طبيعة وجوهر حماس نفسها، ناهيك عن جوهر وطبيعة النضال الفلسطيني. ربما كان فرنجية يرد على مقال آخر لم أكتبه. 
أما وقد قبل فرنجية بفكرة «القضية العادلة التي قد  ترتكب إنتهاكات»، فهو بذلك عبَّر تماماً عن وجهة نظري في مشروعية نقد حماس. 

رابعاً، يتابع فرنجية، «هذا التشردق بنقد حماس وكأنّ الصراع الحالي هو بين طرفين متساويين، غريب بعض الشيء. لا يكفي كتابة «لكن الإقرار بمسؤولية حماس لا يخفّف أبداً من مسؤولية إسرائيل. بل يعني فقط أنّ هناك نقداً مشروعاً لحماس»، لطيّ صفحة إسرائيل في هذا النقاش».
لا أرى أين طالبت في المقال بطي صفحة نقد إسرائيل. كل ما طالبت به هو مشروعية فتح صفحة نقد حماس. والمطالبة الأولى لا تنبع من الثانية بأي شكل من الأشكال. كذلك فإنّ نقد حماس لا يفترض على الإطلاق أنّ الطرفين متساويان. 

خامساً، يعترض فرنجية على المقارنة مع الثورة السورية لأنّ حماس حركة واضحة المعالم، فيما الثورة السورية «تجميع لفظيّ لعدد من الأفعال والممارسات والحركات والميليشيات». 
لا أدري كيف يضعف من مشروعية نقد حماس كونها «حركة واضحة المعالم». ربما العكس هو الصحيح. فلو كانت حماس «تجميعا لفظيّا لعدد من الأفعال والممارسات والحركات والميليشيات» لكان توجيه النقد لها أصعب إذ لا عنوان واضح لذلك النقد. 
في نفس السياق يضيف فرنجية، «لو كانت المقارنة بين الشعب الفلسطيني والشعب السوري، لكان حيدر قد فهم لماذا عندما ننظر إلى فلسطين اليوم، فإنّ ما نراه هو «إبادة» تقوم بها دولة مع كل مؤسساتها، في ظلّ أسوأ حكومة في تاريخ إسرائيل، ضمن تحالف عربي وغربي. ولكان فهم أيضًا أنّنا مدركون كل الإدراك فشل حماس وعنفها، لكنّ الموضوع في مكان آخر».
اذا كان فرنجية يدرك فشل حماس وعنفها، فما الذي يعترض عليه إذاً. هل يعترض على الإفصاح عن هذا الفشل؟ أين المشكل في الافصاح عما نعتقد أنّه صحيح؟ وماذا يستفيد الفلسطينيون وأصحاب القضايا العادلة كلها من طمس النقاش حول هذا الفشل؟ 

سادساً، في رأي فرنجية، «هناك من يختبئ وراء «حرية النقد» لكي يتهرّب من مواجهة ما يقال له، وهو أنّ هذا النقد بات مضجرًا، يكرّر الموقف ذاته وكأنّ شيئاً لم يحدث، ممّا يتطلّب إعادة النظر ببعض الفرضيات السياسية. في الواقع، لا يبدو قلق النقّاد اليوم مِن منْع النقد، بقدر ما هو قلق من أنّ هناك حدثاً جديداً، قد يتطلّب الخروج من الإصطفافات الماضية». 
أولاً، لا أرى أنّنا محاصرون، على الاقل في المجال العربي بنقد حماس إلى حد الضجر. فهذه الأصوات الناقدة قليلة جدا. ثانياً، من غير الواضح ماذا يعني فرنجية بالإصطفافات التي يريد منتقدو حماس الحفاظ عليها فيما يريد هو «خربطتها»؟ هل تشمل هذه الإصطفافات مثلاً ، الإصطفاف ضدّ ايران وروسيا وحزب الله؟ وهل يدعونا فرنجية لإعادة النظر بهذا الأمر في ظل الإبادة الاسرائيلية؟ 

ويختم فرنجية، «إنّ النقد، مهما كان مفعوله ضئيلاً، يشكّل سلاحًا علينا معرفة لماذا ومتى نستعمله. ففي وجه إبادة كالتي نعيشها، هل الضرورة السياسية اليوم تكمن فعليًا في نقد حماس؟ ولنقول ماذا في السياسة؟ المشكلة مع هذا النقد أنّه، إمّا يبدو وكأنّه تحايل أخلاقي وإمّا أنّه لا يهدف إلّا إلى التأكّد من أن صفاوة الاصطفاف السياسي ما زالت صلبة». 
لماذا يفترض فرنجية أنّ الدوافع وراء نقد حماس هو تحايل لحماية إصطفافات سياسية بالية. ألا يمكن أن يكون لهذا النقد دوافع اكثر نبلاً تنبع من تعاطف حقيقي مع  محنة الشعب الفلسطيني؟ ألا يمكن للنقد أن يرى أنّ الكثير من خيارات القوى التي تناضل باسم الشعب الفلسطيني لم تجرّ عليه إلا الويلات، وأنّها كانت، في كثير من الأحيان، تخدم أنظمة وقوى تسعى إلى استغلال القضية الفلسطينية لتحقيق مآربها في الاستمرار والسطوة، غير آبهة بمآلات هذه القضية وشعبها.