خلف متاريس 7 أيار.. تحالف المال والسلاح
خلف متاريس 7 أيار.. تحالف المال والسلاح
ما قبل القتل والموت، وما قبل التخوين والعداء الداخلي. كان للسابع من أيار 2008، هدفٌ آخر. كان الخطاب المطلبي هو الأساس.
يومها دعا الإتحاد العماليّ العام إلى إضراب عام، عقب قرار الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور إلى 500 ألف ليرة، بما كان يعادل 330 دولار، وإعفاء واردات السلع الغذائية من الرسوم الجمركية.
الخطوة لم ترضِ النقابات، وأعلن الإتحاد العمالي العام يوم 7 أيار 2008 يوم للإضراب والتظاهر، مطالباً برفع الحد الأدنى الى 960 ألف ليرة، على أن يكون تصحيح الأجور بنسبة 63.3 في المئة، وتثبيت سعر صفيحة البنزين على مبلغ 20.000 ل.ل. وصفيحة المازوت بـ 15.000 ل.ل. وقارورة الغاز المنزلي بـ 15.000 ل.ل. وإلغاء الإشتراك من فاتورة الهاتف الخلوي الثابت، وإصدار البطاقة المدفوعة سلفاً لمدّة سنة للخطوط الخليوية غير الثابتة، والتخفيف عن الأجور بإزالة أعباء الضرائب غير المباشرة.
إعتبر الإتحاد العمالي العام أنّ 7 ايار هو محطة مفصلية في تاريخ الحركة العمالية، لأنّ الأزمة بلغت حدوداً لا تطاق، داعياً كافة النقابات والإتحادات وروابط المعلمين ونقابات المعلمين في القطاع الخاص، والطلاب والأساتذة، وكافة الهيئات النسائية والشبابية، والجمعيات الوطنية، ونقابات المهن الحرّة للمشاركة في هذا الإضراب لمواجهة سياسات هذه الحكومة التجويعية والتهجيرية.
كان من المفترض أن يترافق الإضراب مع تظاهرة، تنطلق من البربير مروراً بالمزرعة ومار الياس، وصولاً الى الحمرا لتنتهي في وسط بيروت. لكنها علّقت لعدم قدرة الحكومة على حمايتها، ودار نقاش بين محافظ مدينة بيروت ناصيف قالوش ورئيس الإتحاد غسان غصن بشأن الترخيص، وطلب من الإتحاد تحمّل مسؤولية حصول فوضى وشغب أثناء التظاهرة، وهو ما لا يطلب عادةً.
وكان أيضاً من المفترض يومها بمن كانوا معارضة، حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ، المشاركة في التحركات، لكن تواجدهم كان خجولاً، كما كانوا مياّلين لتعليق الإضراب. ليل الثلثاء – الأربعاء، وصل خبر إلى الإتحاد العمالي العام بانتشار القناصة على أسطح الأبنية ، وهناك إحتمال أن تشتعل التظاهرة، مما أدى بالمعارضة الطلب من محازبيها الرّد على كل ضربة. على إثر هذه المعطيات، قرّر الإتحاد تأجيل التظاهرة.
وشهدت بيروت صباح السابع من أيار مواجهات بين حزب الله وحركة أمل من جهة، وتيار المستقبل والحزب الإشتراكي من جهةٍ أخرى، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة وبعض قذائف الاربي جي، وعمل الجيش على الإنتشار بين الطرفين للحؤول دون تفاقم الوضع.
كما شهدت العاصمة قطع للطرقات الرئيسية، وتعطلت حركة المطار بشكلٍ تام، بين الساعة التاسعة صباحاً وحتى الساعة الثالثة بعد الظهر. وعلى خلفية قرار الإتحاد تعليق التظاهرة، أعلنت هيئة التنسيق النقابية الإنشقاق عن الإتحاد، وهي تضم روابط الأساتذة وموظفي القطاع العام والسلك العسكري.
لم يحصل تصحيح الأجور يومها، وتأجّل حتى عام 2011، وكان التصحيح خجولاً لم يراعٍ يومها غلاء المعيشة، الذي كان يبلغ 121 في المئة، وبات الحد الأدنى 675 الف ليرة. ونجحت قوة السلاح في طمس الواقع المعيشي والأجور المتدنية. وبسبب مخاوف الناس من العودة إلى الحرب الاهلية، تغاضوا عن تصحيح الأجر مقابل السلم الأهلي، وهذه هي الآلية المتبعة منذ ما بعد الحرب، «شراء السلم الأهلي» كما كان يردد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.
لم تكن المرة الأولى ولا الأخيرة التي تطمس فيها المطالب المعيشية أمام الأحداث الأمنية، خلال تحركات هيئة التنسيق النقابية بين عاميّ 2012 و2015، كان التغطية الإعلامية موزعة بين تحركات الأساتذة، والأحداث الأمنية في صيدا بين أحمد الأسير وجماعته ضدّ الجيش اللبناني. وفي 17 تشرين، أخمدت التظاهرات بقوة السلاح، والخوف من فلتان أمني، يهدّد بالعودة إلى زمن الحرب.
العلاقة البنيوية بين المال والسلاح تعود لفترات ظهور المال والسلاح، فلا بدّ من تأمين المال بوساطة الإنتاج الإقتصادي، بحيث أنّ القوة مشروطة بالوضع الإقتصادي الذي يؤمن الوسائل اللازمة من اجل تجهيز أدوات العنف والحفاظ عليها. ولأنّ طبيعة النظام اللبناني إنتاج الأزمات، فهناك آلية جاهزة لقتل أي موجة إعتراضية في مهدها.
إنّ تنظيم وقوة الأحزاب الطائفية، يقابله ضعف وتراجع الحركة النقابية، بفعل التدمير الممنهج لها منذ تسعينيات القرن الماضي، وتخبط القوى البديلة فيما بينها، وفي تعريفها لنفسها وفي غياب برامجها الواضحة. لتصبح أي حركة إحتجاجية مجرد «التظاهر للتظاهر»، كما يعرفها الإقتصادي الأميركي «دايفيد هارفي». والإحتجاج الذي لا يقمع مباشرةً بأرضه، لغياب عنصر العنف والشغف فيه من قبل المتظاهرين، يخلق أمامه مظاهر عنفية، بقصد أو بفعل التجييش، لقتله.