«عيتا الشعب».. هل تعود إليها الحياة ؟

«عيتا الشعب».. هل تعود إليها الحياة ؟

  • ٠٤ حزيران ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

في محافظة النبطية جنوب لبنان، بلدة عيتا الشعب على الحدود مع إسرائيل، حوّلها الدمار من أرض بشرية إلى أرض مهجورة تعبت من شعارات الحرب، فسُويت البيوت والمحلات التجارية بالأرض، بينما يسير عدد قليل من الناس، وسط أكوام الدمار لجمع ما تبقى من أمتعتهم، ويسألون: هل تعود عيتا الشعب يوماً إلى لون الحياة فيها، أم ذكريات الحرب أعظم؟!

 
فقد شاء القدر أن تكون بلدة عيتا الشعب، منبراً يحاكي كلّ شعارات الحرب، التي حفرت آثارها على أعلى التلال في قرية عيتا الشعب، وطُبعت في ذاكرة أهل المنطقة، الذين أنستهم أصوات القذائف، ألحان أجمل  القصائد:
«يا عيتا يا بلدة الإيمان
يا بلدة المجد الله يحميكي
فيك الكرم والجود عنوان
فيك الشجاعة طالعة من مبانيكي»

 

قصيدة سعيد جميل «أبو بهيج»، تغنّت بقرية عيتا الشعب، التي تحوّلت اليوم إلى مدينة أشباح، ليكمل أبو بهيج:

 «بالحرب ما بيقدر حدا يباريكي
رجال الجنوب كلهم فرسان
مشهودلن من عهد ماضيك»

منذ الماضي، وكانت عيتا الشعب مسرح الحروب كما حال القرى الجنوبية الحدودية، وبدأت أولى المحطات التاريخية لهذه المنطقة، 
خلال الحرب الأهلية، كذلك خلال الإجتياح الأوّل عام 1978، حيث تم تهجير قسم من سكان القرية، ولم يبقَ فيها إلّا المحاربون أو زارعو التبغ.

 عيتا الشعب أمس واليوم
والجدير ذكره، أنّه بحسب رئيس بلدية المنطقة محمد سرور، لم يهاجر قسم كبير من شباب القرية، كبقية القرى الحدودية، وها هي أنتجت اليوم  مهندسين وأطباء، وعاملين في سلك الدولة. 
ولكن تشتاق القرية اليوم لجهازها البشري، فبعد المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، في السابع من أكتوبر، تمّ تدمير قسم كبير من الأراضي، وتحّولت إلى بلدة منكوبة، حيث أشباح الموت، والتصدع بين جدران البيوت التي قصفتها إسرائيل. وبحسب سرور، إنّ عيتا دمّرت بحوالي 80 بالمئة، وتناقص عدد سكانها بعدما كان حوالي 14 ألف نسمة. 
قبل الحرب، كانت هناك لقاءات إجتماعية متواصلة، إنفتاح على الآخر، إهتمام بالأراضي، فمن من أبناء هذه المنطقة المهجرين قسراً، لا يتذكّر رائحة التبغ والعزّ، في كلمات «عيتا إيه عيتا.. يا إم العزّ طمنينا كيف هالشعب»، كما سأل الشاعر مصطفى نور الدين. 
فكيف حال شعبها اليوم؟ 
عطّلت الحرب  إنتاج موسم التبغ، الذي يبلغ سنوياً حوالى عشرة آلاف طرد دخان «بالة» تسلّم لإدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية، «الريجي»، ويعمل على إنتاجها أكثر من 800 مزارع، يحتلون المرتبة الثالثة، بعد عيترون ورميش، في زراعة التبغ على مستوى لبنان.
وناهيك عن خسائر الإنتاج،  قد طال التدمير  أيضاً موسم زيت الغار، الذي يضاهي ثمنه زيت الزيتون، حيث تعُد البلدة  أكبر غارسة لأشجار الغار في لبنان، التي تشكل توأماً لبيوتها، إلى جانب الخسائر الكبيرة والمباشرة في حقول الزيتون وأحراج السنديان، التي إحترق وتلوّث قسماً كبيراً منها بالقذائف الفوسفورية.

عيتا قبل 300 عام
يعود تاريخ عيتا الشعب إلى 300 عاماً، وبقي فيها الكثير من الآثار، فتحوي هذه البلدة مواقع أثرية وطبيعية هامة منها عشرات المغاور التي استخدمت كمدافن ووجدت بداخلها العديد من القطع الأثرية والأواني الذهبية والفضية. ومن أهمّ هذه المغاور مغارة الزيغ، وهوة عبد الله وهي عبارة عن شق في الصخر، يتجاوز عمقه الخمسين مترًا وعرضه يتراوح بين 2 إلى 3 أمتار، والمحفرة، وجلّ النّور ، ودبشة حمزة. 
ووفقاً لما ورد في مؤلف أنيس فريحة «أسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها»(ص١٤٥)، أنّ كلمة «عيتا» هي تحريف للكلمة السريانية، «عِدتُا» بإدٌغام الدال بالتاء، و تعني: كنيسة، مجمع، بيعة، أما كلمة «زط» فهي – بحسب فريحة – تعني أقواماً من غير العرب من آسيا الوسطى وهي«معربة عن جيت» وتعني النور.