هجوم عوكر.. مناورة لعدم توسيع الحرب

هجوم عوكر.. مناورة لعدم توسيع الحرب

  • ٠٥ حزيران ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

إستفاق لبنان على تهديد وحشد إسرائيلي على حدوده الجنوبية، وعمل أمني ضد السفارة الأميركية في منطقة عوكر.

تمتد السفارة الأميركية في عوكر على مساحة 90 ألف متر مربع من المباني، و120 ألف متر مربع من المساحات المكشوفة. وتحيطها حواجز أمنية كثيرة، ما يسير التساؤلات حول قدرة رجل بكامل عتاده العسكري، من السير والاقتراب منها.

أتى منفذ العملية من مجدل عنجر وتجوّل في المنطقة لمدة 15 دقيقة، ليطلق النار بعدها على مبنى السفارة، وبعد تبادل نار مع الجيش اللبناني، أصيب المهاجم في بطنه، ونقل إلى المستشفى العسكري في بدارو. في بيانٍ لها، قالت السفارة الأميركية إنّه تمّ الإبلاغ عن إطلاق نار من أسلحة خفيفة بالقرب من مدخلها قرب الساعة 8:34 صباحاً، مؤكدةً أنّ، طواقمها ومنشآتها بخير.

وهذا ليس الهجوم الأول على السفارة الأميركية، إذ وقع هجوم في أيلول 2023، حيث أطلقت أعيرة نارية بالقرب من السفارة دون الإبلاغ عن وقوع إصابات. وبعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023، توجه المتضامنون مع غزة، إلى محيط السفارة في عوكر للتظاهر، ووقعت مواجهات بين المحتجين والقوى الأمنية، استخدم خلالها الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم.

يأتي هذا العمل في ظل تصاعد التوتر على الجبهة الجنوبية، حيث قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، صباح اليوم بجولة عند الحدود الشمالية مع لبنان، معلناً أنّ إسرائيل مستعدة لتحرّك قوي على الجبهة الشمالية، وأضاف «مَن يعتقد أنّه يستطيع إيذاءنا وأنّنا سنقف مكتوفي الأيدي يرتكب خطأ فادحاً. نحن مستعدون للقيام بعمل قوي جدا في الشمال. وبطريقة أو بأخرى سنعيد الأمن إلى الشمال».

ووصل نتنياهو إلى مستوطنات الشمال، بعد ما تعرضت مستوطنة كريات شمونة الى15 حريق مساء الاثنين، من جراء إطلاق حزب الله لعشرات الصواريخ والطائرات المسيّرة من لبنان، بينما دعا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى حرق لبنان كله.

هذه التهديدات ليست بجديدة، إذ منذ إعلان حزب الله الحرب في الثامن من تشرين الأول كجبهة إسناد، كثرت التهديدات الإسرائيلية بفتح جبهة موسعّة ضد لبنان، لردع الحزب، مقابل رسم الولايات المتحدة الأميركية حدود واضحة لإسرائيل حول رقعة ضرباتها في لبنان. 

فيما تواجه إسرائيل أزمة في مستوطناتها الشمالية، بعد رفض السكان العودة إلى منازلهم قبل إبعاد خطر صواريخ حزب الله عنهم، ونزح من الشمال 80 ألف مستوطن، توزعوا على فنادق ومراكز إيواء، وهذا له انعكاسات على الداخل الإسرائيلي، إذ هدد رؤساء البلديات في شمال إسرائيل بالإعلان عن الإنفصال عن إسرائيل، وتشكيل ما أسموه بـ «دولة الجليل».

كما يلعب الواقع الاقتصادي دوراً بعدم توسع الجبهة، فقد انخفض الشيكل الإسرائيلي 0.6 بالمئة مقابل الدولار إلى 3.71 شيقل بعدما أعلن نتانياهو، أنّ إسرائيل مستعدة للقيام «بتحرك قوي للغاية» في الجبهة الشمالية.

وكان الكنيست قد أقر زيادة في الضرائب والتخفيضات في الميزانية، لكنها إجراءات «تعوّض جزئياً فقط عن الزيادة الكبيرة جداً في الإنفاق المرتبط بالإحتياجات العسكرية والإحتياجات المدنية المرتبطة بالحرب»، كما أوضحت حاكمة بنك إسرائيل السابقة كارنيت فلوج.

فيما هناك إرتباك حول مكانة إسرائيل الإقتصادية اليوم، حيث انخفضت تصنيفات الإئتمان من الوكالات الكبرى، إلى جانب السياسيين الذين يشيدون بعرض إسرائيل للسندات الأجنبية كنجاح باهر، وارتفاع الأسعار في السوبرماركت، الذي يُقال للإسرائيليين أنّه ليس ناتجاً حقاً عن التضخم ولكن عن جشع الشركات.

ومن حيث البيانات الأساسيةً للنمو، بلغ إنكماش الناتج المحلي الإجمالي بمعدلات سنوية في الربع الأخير من عام 2023، الـ 20 في المئة ، و14 في المئة في الربع الأول من عام 2024. وهذا الوضع يتكرر مع كل حرب تخوضها إسرائيل. وفي حال توسّعت الحرب شمالاً، سيشهد الإقتصاد الإسرائيلي المزيد من الإنكماش، خاصةً وأنّ الإقتصاد الإسرائيلي قائم على التكنولوجيا والسياحة، وهذه إقتصادات تتطلب إستقراراً أمنياً وبيئة حاضنة.

أمام الإرتباك الإسرائيلي، تقدّم الرئيس الأميركي جو بايدن باقتراح في 31 أيار2024لإنهاء الحرب، فيما إسرائيل تناور  قبل إعطاء جواب واضح عليه، خاصة بعد تهديد الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس بالخروج من مجلس الحرب في حال قبول نتناياهو باتفاق يعيد الرهائن الإسرائيليين. بدوره يشترط وزير الحرب يوآف غالانت تحديد مستقبل قطاع غزة، قبل وقف الحرب. أما الوزيران المتطرفان بن غفير وسموتريتش فيرفضان وقف الحرب حتى القضاء على حماس.  

وصباح اليوم، أقرّ مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، إذا حققت أو حاكمت أشخاصا محميين من واشنطن أو حلفائها، مما سيمنع تنفيذ مذكرة الإعتقال في حق نتنياهو وغالانت.

أمام كل هذا المشهد، تغلي المنطقة بردود فعل تجاه الحرب، وذهب البعض للتأكيد أنّ منفّذ عملية إطلاق النار على السفارة الأميركية في عوكر، قام بذلك نصرةً لغزة، مما يعيدنا إلى نقاش الإسلام السياسي وارتباطه بالقضية الفلسطينية، خاصة بعد أسلمة حركات المقاومة، وانتشار التطرف الإسلامي كرد فعل على الهيمنة الأميركية، ليغدو أي تواجد أميركي نقطة استهداف.

ومن جهة أخرى إعتبر البعض الهجوم رسالة من إيران، على أنّ التصعيد على الجبهة الجنوبية والحماية الدولية والدعم الاقتصادي والعسكري الأميركي لإسرائيل، سيقابله رد من الطرف الإيراني.

في وقت باتت ورقة داعش، سلاح لمن يريد فرض شروطه، وهي باتت صندوق بريد أكثر منها تهديد حقيقي، خوفاً من تكرار تجربة الحرب السورية وأحداث العراق، لكنها في الوقت عينه تغذي التطرف، الذي يذهب ضحيته أبناء الدول نفسها أكثر من أعدائها، وكان تنظيم القاعدة أحد أبرز تجلياتها.