هل فرضت الحملة الإسرائيلية ضد حزب الله على إيران مراجعة حساباتها؟
هل فرضت الحملة الإسرائيلية ضد حزب الله على إيران مراجعة حساباتها؟
وكان من المتوقع أن ترد إيران، التي تعتبر حزب الله "خطاً أحمر"، بسرعة وحزم على هذه الهجمات. ومع ذلك، وعلى الرغم من التصريحات المتكررة لقادة إيران بأن أي هجوم على حزب الله يعتبر تجاوزاً للخطوط الحمراء، إلا أن الرد المنتظر لم يتحقق حتى اللحظة.
للمرة الأولى منذ تأسيسه قبل أربعة عقود، يواجه حزب الله في لبنان سلسلة من التحديات غير المسبوقة، إذ يعتقد البعض أنّ التطورات الأخيرة قد تسبّبت بأزمة داخلية كبيرة للحزب، وسط امتناع إيران عن تقديم الدعم الواضح والقوي.
فهل نشهد تغييرات كبيرة نتيجة للصراع المستمر بين القوتين الإقليميتين، إيران وإسرائيل، والذي تصاعد منذ تشرين الاول الماضي؟
في هذه المواجهات، ظهرت إسرائيل كقوة أكثر شراسة على جميع الجبهات، وكأنّها غير مبالية بالمخاطر المحتملة. عملية اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، على الأراضي الإيرانية في أول يوم من فترة الرئيس الإيراني الجديد، أبرز مثال على ذلك. بالإضافة إلى ذلك، قامت إسرائيل بتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت قائداً في الحرس الثوري الإيراني خارج البلاد، في عملية تعتبر خرقاً للقانون الدولي، على الرغم من إصرار إسرائيل على أنّ المبنى لم يكن تحت الحصانة الديبلوماسية.
وتأتي هذه الهجمات إلى جانب العمليات العسكرية اليومية في غزة، والتي تسبّبت في مستويات غير مسبوقة من القتل والدمار، يضاف إلى ذلك الحملة غير المسبوقة على حليف إيران الاساسي حزب الله والتي ما زالت مستمرة منذ تفجيرات البيجر إلى اغتيال العديد من قادة الحزب والقصف غير المسبوق لكل المناطق، مما جعل الوضع الحالي في لبنان الأخطر منذ حرب 2006 مع إسرائيل.
التراجع الإيراني
وكان من المتوقع أن ترد إيران، التي تعتبر حزب الله «خطاً أحمر»، بسرعة وحزم على هذه الهجمات. ومع ذلك، وعلى الرغم من التصريحات المتكررة لقادة إيران بأنّ أي هجوم على حزب الله يعتبر تجاوزاً للخطوط الحمراء، إلا أنّ الرد المنتظر لم يتحقق حتى اللحظة.
وفي تصريح للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أشار إلى إمكانية التفاوض بشأن أسلحة إيران، وهو ما اعتبره البعض تغييراً غير معتاد في الموقف الإيراني. ويأتي هذا التحول على عكس موقف إيران السابق عند اغتيال إسماعيل هنية في طهران، حين تعهدت برد قاسٍ.
هذا التغيير في اللهجة الإيرانية كان لافتاً إلى حد دفع وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، إلى الدفاع عن تصريحات بزشكيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما اضطر عباس عراقجي وزير الخارجية الحالي، إلى نفي التقارير التي تشير إلى استعداد إيران لتخفيف التوتر مع إسرائيل.
أما المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الذي عُرف بمواقفه الصارمة تجاه إسرائيل، فلم يعلن عن أي رد انتقامي واضح في خطابه الأخير، مما دفع البعض للاعتقاد أنّ إيران تعيد تقييم موقفها في ظل التطورات الأخيرة.
حتى صحيفة «كيهان» الإيرانية، المعروفة بقربها من المرشد وبخطابها المتشدد تجاه إسرائيل، قثد أشارت بوضوح إلى تفوق إسرائيل التكنولوجي والاستخباراتي، مما يدل على أنّ إيران وحزب الله قد فوجئا بتعقيد الهجمات الأخيرة.
هذا التراجع الواضح في الموقف الإيراني قد يكون نتيجة لتغييرات أوسع في الحسابات الاستراتيجية، إذ تسعى إيران لتجنب مواجهة شاملة قد تكون عواقبها غير محسوبة.
الردع الإسرائيلي
في المقابل، ما يفسر قوة إسرائيل وجرأتها هو ما أعلنه نتنياهو في مقابلة مع مجلة «تايم»، حين أشار إلى أنّ السبب الرئيسي وراء هذه العمليات هو استعادة الردع الإسرائيلي.
فقد تخلت إسرائيل عن استراتيجية الحرب الإقليمية التقليدية المتمثلة في الاشتباك مع وكلاء إيران الإقليميين، وبدأت شن هجمات مباشرة على قلب إيران. بالتزامن مع ذلك، أصبحت هجماتها ضد هؤلاء الوكلاء أكثر عنفاً؛ فقد شلّت إسرائيل ميناء الحديدة اليمني، وأضرمت النار في عشرات ناقلات النفط، ودمرت الرافعات المستخدمة في الميناء. ضد حزب الله، اغتالت إسرائيل قادته البارزين في عمليات أظهرت تفوقها التقني والاستخباراتي. كما قامت بتصفية قادة حماس في بيروت وطهران وغزة.
السياسة الجديدة لإسرائيل تتميز بالقوة المفرطة، والانتقام غير المحدود، والشجاعة الطائشة التي قد تشعل حرباً إقليمية واسعة. تفسير هذه التحولات في السلوك يكمن في الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الاول، والذي اعتبرته إسرائيل تهديداً وجودياً يفرض على إسرائيل ضرورة استعادة نفوذها وصورتها.