عجز الموازنة... أزمة لا تنتهي

عجز الموازنة... أزمة لا تنتهي

  • ٢٤ كانون الثاني ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

انتهت لجنة المال والموازنة النيابية دراسة ومناقشة موازنة 2024، ويستعد مجلس النواب لمناقشة موازنة عام 2024، اليوم وغداً، وفي حال لم يقرّ مجلس النواب الموازنة، ستقر بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، لرغبة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي تحقيق «إنجاز» دستوري.

وأدخلت اللجنة تعديلات على 87 مادة من أصل 133، ألغت 46 مادة، وأقرت 14 أضافت ثماني مواد. ويشير التقرير الذي سيقدّمه رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان في بداية جلسة الأربعاء، «أصبح العجز صفراً مما يوجّه رسالة إيجابيّة للداخل والخارج على السواء. وهذه هي المرة الأولى التي تكون فيها موازنة من دون عجز».

 

الموازنة التي تسبقها الإنجازات، صورياً، من الحكومة الى لجنة المال والموازنة، كان قد احتفل ميقاتي بإحالتها إلى لجنة المال والموازنة ضمن المهل الدستورية في 12 أيلول، لأول مرة منذ عام 2002، واصفاً الأمر بـ «الإنجاز الكبير جداً والبطولي، خصوصاً في ظلّ المقدرات والموارد الموجودة في الإدارة العامة». وكان مجلس الوزراء قد أقّرّ الموازنة في 16 آب بعد الانتهاء من دراستها على مدار 6 جلسات.

 

ومن جهته، أعلن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، في 7 أيلول 2023، أنّ الموازنة «إصلاحيّة، وما يهمّنا هو أن نجبي إيرادات». على نقيضه، اعتبر نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي أنّه «حتى الآن، موازنة 2024 ليست إصلاحيّة، فالخطوات المتعلّقة بالإصلاح لم تُناقَش بعد ونحن بحاجة إلى دولارات».

 

وضعت موازنة عام 2024 تلبية لشروط الإتفاق مع صندوق النقد، الذي طالب بموازنة إصلاحية وغير عاجزة، وإقرار الكابيتال كونترول، وإعادة توزيع الخسائر وإعادة الانتظام المالي، وإعادة هيكلة البنوك، وكل هذه المشاريع يعمل عليها مجلس النواب. وتهدف خطة الحكومة الى تصفير العجز خلال السنوات الخمس المقبلة، ويتوقع أن تبلغ الإيرادات في موازنة 2024 لتمويل النفقات 300.5 ألف مليار (3.3 مليارات دولار)، وفق سعر صرف 89 ألف ليرة لبنانية، على أن تبلغ قيمة الإيرادات 258.7 ألف مليار ليرة لبنانية (2.9 مليار دولار)، والعجز نحو 41.7 ألف مليار ليرة (458 مليون دولار)، أي بنسبة 13.8 بالمئة. وبعد تعديلات اللجنة، باتت تبلغ الايرادات 320 ألف مليار ليرة لبنانية (3.5 مليار دولار).

يربط الخبير الاقتصادي باتريك مارديني السرعة بإقرار الموازنة بإرادة الحكومة الالتزام بالمواعيد الدستورية، «ورغم ذلك كان يجب أن تقدم قبل نهاية عام 2023، ولكن حتى إقرارها في بداية عام 2024 أمر يحترم بمكانٍ ما» يقول في حديث لـ «بيروت تايم».

 

ويضيف «إذا نجحت الحكومة بتصفير العجز فهو أمر إيجابي سيخفف الضغوط التضخمية على البلد ويضمن الحفاظ على الاستقرار بسعر صرف الليرة، من دون خسارة إحتياطات الدولار في مصرف لبنان، أو ما تبقى من أموال المودعين»، ويقول مارديني أنّ هذه مهمة مجلس النواب في وضع موازنة موضوعية لا تضخم بالإيرادات ولا تقلل من النفقات اصطناعياً، بل موازنة حقيقية.

 

لا يرى مارديني أي إمكانية، في الوضع اللبناني حالي لتمويل العجز بطريقة عادلة، إذ «لو لم نكن متخلفين عن دفع ديوننا، كان من الممكن تمويل العجز من خلال الاستدانة، والحل الوحيد هو إقرار موازنة متوازنة، وافضل اذا تضمنت فائضاً كخطوة أولى، لإعادة هيكلة الدين العام في المستقبل وتسهيل عودة لبنان الى الأسواق المالية». وكان يفضل لو تضمن الموازنة اصلاحات هيكلة، كإصلاح النظام الضريبي برمته، وإصلاح النفقات، ويعتقد أن صندوق النقد لن يوافق على الموازنة بشكلها الحالي، ووصفها بموازنة لتصريف الأعمال واحترام المواعيد الدستورية.

من جهته، يصف الكاتب الاقتصادي منير يونس عجز الموازنة بأمّ الأزمات وجذرها، إذ يتطلب إستدانة وعندما باتت الدولة غير قادرة على الإستدانة، تولّى المهمة بشكلٍ غير مباشر مصرف لبنان من أموال المودعين، كنا بأزمة ميزانية وبتنا في أزمة ودائع. ويقول لـ «بيروت تايم» أن للخروج من الازمة «طلب صندوق النقد إقرار موازنات غير عاجزة، ومن ثم العمل على إصلاح ضريبي لزيادة الإيرادات بحيث يصبح هناك فوائض، التي بدورها تصرف على الإنفاق الاجتماعي من الرواتب، والإنفاق الاستثماري على البنى التحتية، إضافة إلى تسديد القروض القديمة التي تحتاج الى هيكلة، خاصة وأنّ الدولة تتجه نحو اقتراض جديد من برنامج الإصلاح مع صندوق النقد بقيمة 3 مليار دولار، و11 مليار من مؤتمر سيدر».

 

يشرح يونس آلية تصفير العجز، التي تبدأ بفرض ضرائب جديدة، وإن كان صندوق النقد يطلب رفع الضريبة الغير المباشرة TVA لأنّها تحصّل بسرعة، ولقناعته أنّ من يستهلك عليه أن يدفع، لكن هناك ضرائب أكثر عدلاً يمكن أن تؤمن عائدات للدولة، مثل ضريبة الأرباح التي يطلب صندوق النقد أن تكون أعلى، إذ أنه في الدول الغنية يصل معدل ضريبة أرباح الشركات الى 30 و35 في المئة، بينما في لبنان هي 17 في المئة، كما هناك ضريبة على الثروة تصاعدية تصل الى 100 في المئة، إذ هناك ثروات تتحقق لا تعود لأصحابها.

 

المدارس والمستشفيات الخاصة في لبنان معفاة من الضرائب، لأنّها مؤسسات غير ربحية، وما تجنيه يعاد استثماره في المؤسسة نفسها عبر خفض الأقساط مثلاً، لكن الدولة لا تمتلك بيانات حقيقية عن هذه المؤسسات، إنْ كانت تجني أرباحاً، وكيفية التصرّف فيها، وهنا يطرح صندوق النقد إعادة النظر بالإعفاءات، ثم أتى على عقارات الدولة التي لا تُعرف مساحاتها واستخداماتها، وهي أكثر من مليار متر من المشاعات.

 

يجد يونس أنّ بند الرسوم التي ضربت 10 و20 ضعفاً في الموازنة، كان ضروريّ لتمويل الإنفاق العام، وقد ألغت لجنة المال والموازنة هذا البند، في وقت «ليس من العادل أن تبقى الرسوم على ما هي عليه، لكن السؤال هو حول قدرة الناس على دفع مليون بدل من 50 الف، اذ لم يتمّ ربطها بالرواتب، بل بالودائع، وهذا الشعار محق نظرياً، لكن عملياً يجب الفصل، حيث أن أزمة الودائع مسار يتم التفاهم عليه بين المودعين والمصارف والدولة لأنه سيبقى عالقاً لسنوات، ويجب فصله عن الرسوم والضرائب، والعدالة الضريبية وزيادة مداخيل الدولة».

 

يحدد يونس الجهات التي تهاجم الموازنة بشراسة، وهي جمعية المصارف والتجار والهيئات الاقتصادية، في وقت مثلاً يدفع التجار رسومهم اليوم على سعر 15 ألف، وربحهم على سعر السوق السوداء 89 ألف، لافتاً إلى أنهم «لا يريدون ضرائب على أرباحهم، لذلك يطالبون برفع الضريبة الغير المباشرة لأنها تطال الجميع، فيما الضرائب المركزة على فئة معينة تؤمن عائدات اضافية، وهي تطال غالباً الأكثر قدرة على الدفع، مثل بأي التجار والصناعيين والعقاريين والأملاك البحرية والكسارات».

 

يعتبر يونس أن العمل على تصفير العجز هو خطوة إيجابية، ومن منظور اقتصادي، يجب إقرار موازنة إصلاحية تتضمن ضرائب وتصحيح للرسوم يبنى عليها من دون عجز، على أن تزيد الضرائب سنوياً، ويقول «كانت موازنتنا لعام 2017-2018، 17 مليار وكان الناتج 55 مليار، أي ان الموازنة شكلت ثلث الناتج، اليوم الموازنة 3 مليار والناتج 22.5 مليار، يعني أقل من 14 في المئة، وعليه يجب أن نعود كما كنا في عام 2017-2018 وأفضل». ويلفت الى ان موازنة غير العاجزة يبنى عليها لسنواتٍ لاحقة، لكن «لا أحد يفكر في هذا الموضوع، يحاولون تطبيق ما يطلبه صندوق النقد شكلاً للتمهيد لاقتراضِ جديد، وضمناً لا يوجد إصلاحات، فيما الاعتماد الفعلي اليوم على الاقتصاد الكاش، على قاعدة أن السوق عدل نفسه، لكنه اقتصاد غير نظامي، وخارج الإصلاحات وخارج الضرائب وعرضة لتبيض الأموال والجرائم المالية والتهريب، وهذا لا يبني اقتصاد سليم بل يؤسس لحكم المافيات».