اسرائيل واقتصاد الحرب... علاقة تاريخية
اسرائيل واقتصاد الحرب... علاقة تاريخية
في اليوم الثاني لبدء عملية طوفان الأقصى، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي دخولها في حالة الحرب، وبالتالي تجنيد كل مقدراتها للثقل العسكري.
بالمفهوم العلمي، اقتصاد الحرب هو سلسلة من الإجراءات التي تتخذ من قبل الحكومات خلال الحروب، عبر تنظيم القدرة الإنتاجية والتوزيعية للدولة لاستيعاب احتياجات الإنتاج العسكري والدفاعي. ومن هنا، يفترض على الحكومات الاختيار كيفية تخصيص موارد بلادها، لتحقيق نصر عسكري، وتلبية حاجات السوق المحلي.
الأولوية رفع الجهوزية العسكرية وتعزيز الاقتصاد ككل، وتحديد نفقات الدفاع والأمن القومي، بما في ذلك التقنين، وتستخدم أموال الضرائب في المقام الأول للاستثمار في الدفاع عوضاً من البنى التحتية، ويعمل على الحفاظ على الجيش وتلبية احتياجات الأمن القومي.
وغالباً ما تُظهِر اقتصادات الحرب المزيد من التقدم الصناعي والتكنولوجي والطبي لأنها في حالة منافسة، وبالتالي تتعرض لضغوط لإنشاء منتجات دفاعية أفضل بتكلفة أرخص. ومع ذلك، وبسبب هذا التركيز، قد تشهد البلدان انخفاضاً في التنمية والإنتاج المحلي. من هنا يفسر تركيز الجانب الإسرائيلي على القطاع العسكري والتكنولوجي والطبي، إذ انها دولة في حالة حرب دائمة بفعل احتلالها للأراضي الفلسطينية، وهي بمرمى نيران حركات المقاومة منذ اعلان الكيان عام 1948.
دفعت حرب 1973 الاقتصاد الإسرائيلي الى حافة الانهيار، بحكم كلفة الأسلحة وتجنيد 200 ألف جندي احتياطي في الجيش، وفي انتفاضة الحجارة عام 2002، تكلف الاقتصاد الاسرائيلي 3.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب البنك المركزي.
اما اليوم، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي ثلاث تحديات، بحسب مجلة "الايكونومست"، التحدي الاول النقص في اليد العاملة، بعد ان حشدت القوات المسلحة أكثر من 360 ألف جندي احتياطي، ما يعادل 8٪ من القوة العاملة في البلاد، وهذه النسبة أكبر مما كانت عليه في عام 1973، وقد ترك الجنود وظائفهم مما أدى الى فجوة هائلة في الاقتصاد. ويسحب الجيش الإسرائيلي جنوده من الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، في محاولة لإنعاش اقتصاده، الذي يعاني من نقص في اليد العاملة بسبب الحرب.
هذا ويبلغ الدين الإسرائيلي نحو 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويتوقع مع استمرار الحرب أن يرتفع الدين الى 62 في المئة. ويقدر بنك اسرائيل أن الحرب على قطاع غزة ستكلف إسرائيل 3 مليارات شيكل (210 مليار دولار). وقد أشار تحليل حديث لوزارة المالية إلى زيادة قدرها 48 مليار شيكل (12.84 مليار دولار) في الإنفاق عام 2024، مع انخفاض قدره 35 مليار شيكل (9.36 مليار دولار) في الإيرادات مقارنة بتوقعات ما قبل الحرب.
ونشرت وزارة المالية الإسرائيلية يوم 10 كانون الثاني، قائمة مقترحة لتخفيضات نفقات الميزانية، والتي تراوحت بين تخفيضات في الإنفاق بنسبة 5% على جميع المكاتب الحكومية، وتأجيل مشاريع البنية التحتية وزيادة الرقابة على الإنفاق من قبل جهازي الأمن الرئيسيين.
وأجبرت الجرب القيادة الاسرائيلية على تخصيص 18 مليار شيكل لمنح استمرارية الأعمال في تشرين الأول والثاني، بعد أن تقدمت 80 ألف شركة بطلبات دعم. كما مدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش التعويضات حتى شهر كانون الأول.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، ستكلف الحرب إسرائيل 53 مليار دولار حتى 2025، وستذهب نصف هذه الخسارة الى زيادة الإنفاق الدفاعي، ويتوقع المسؤولون تراجع عائدات الضرائب وزيادة الإنفاق على المدنيين. وكانت إسرائيل قد دخلت الحرب الأخيرة باحتياطيات بقيمة 200 مليار دولار ومساعدات بقيمة 14 مليار دولار من الولايات المتحدة، معظمها للتمويل العسكري.
وقال محافظ بنك إسرائيل أمير يارون في بيان 27 تشرين الثاني 2023 "من المرجح أن ترتفع النفقات الحكومية بسبب الزيادة الدائمة في النفقات الأمنية، وزيادة مدفوعات الفائدة بسبب ارتفاع مستوى الدين العام وزيادة تكلفته، ومن المتوقع أن تكون هذه النفقات أقل بكثير من التكاليف الحالية للقتال. لكنها كبيرة لأنها ستستمر لفترة طويلة". وتوقع يارون أن يصل معدل البطالة إلى 4.5% في المتوسط في عام 2024، في حين سيتراوح معدل التضخم على أساس سنوي عند 2.4% في المتوسط في الربع الرابع من عام 2024.
وقد دعا محافظ بنك إسرائيل أمير يارون إلى اتخاذ إجراءات مالية أكثر جرأة لدعم الحرب على قطاع غزة، تشمل تعديلات فورية في الميزانية لتقليل النفقات وزيادة الإيرادات خلال العامين المقبلين. ويتوقع أن يرتفع العجز الإسرائيلي إلى 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إذا تم إجراء تعديلات على ميزانية هذا العام البالغة 561 مليار شيكل (150.12 مليار دولار)، وفقاً لـ "بلومبرج".
ووجه يارون نداء لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل يوم واحد من تصويت مجلس الوزراء على ميزانية 2024 المعدلة، في وقت ينصب تركيز يارون على تدبيرين محددين، كانت حكومة نتنياهو مترددة في اعتمادهما، وهما زيادة معدل ضريبة القيمة المضافة بنسبة 17 في المئة، وإلغاء المزايا الضريبية التي وعدت بها منذ فترة طويلة للآباء والأمهات الذين لديهم أطفال صغار.
وقال يارون إن "النشاط القوي والحاسم، رغم كل الصعوبات والتحديات التي ينطوي عليها، من شأنه أن يعزز القوة الاقتصادية والمالية للاقتصاد الإسرائيلي ويتجنب السنوات الضائعة".
ومن الموقع ان يقفز العجز الأولي في إسرائيل في عام 2024، من 3% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 8%. وكانت إيرادات الحكومة قد انخفضت بنسبة 8% في أيلول، وارتفعت الآن تكلفة الاقتراض وانهارت القاعدة الضريبية، مما يعني ان حرباً أطول ستؤدي الى المزيد من الدمار، وستكون عملية إعادة الإعمار باهظة الثمن.