الصناديق السيادية: وهم الحل السحري
الصناديق السيادية: وهم الحل السحري
طرح التيار الوطني الحرّ فكرة الصندوق الإئتماني لإدارة وإستثمار أصول الدولة، ضمن برنامج «الأولويات الرئاسية» التي أطلقها في تشرين الأول 2022. وفي أيلول 2023، إقترح رئيس التيار الوطني الحرّ على حزب الله، ضمن مسار الحوار بينهما على موضوع رئاسة الجمهورية، موافقة الحزب على قانوني الصندوق الإئتماني واللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، مقابل تنازل التيار عن الرئاسة لست سنوات.
فيما تفاخرت القوات اللبنانية بتقديمها إقتراح قانون «إنشاء المؤسسة المستقلّة لإدارة أصول الدولة» قبل إقتراح التيار بثلاثة أشهر، وعمل عليه كل من النواب رازي الحاج وغسان حاصباني وجورج عقيص، لقناعتهم بأنّ الدولة تمتلك الكثير من الأصول والمرافق العامة التي يمكن أن تنتشل لبنان من أزمته الإقتصادية، ويقول الحاج لـ بيروت تايم «نحن لا نطرح بيع الأصول، بل تحسين إستخدامها لرفع إيراداتها، وتأمين فائض بالميزانية العامة بدل العجز، كما أنّ الدولة تتحمّل مسؤولية الأزمة الحاصلة، ولا يمكن إستثناؤها من عملية الإصلاح».
ويهدف القانون الى وضع الشركات والمؤسسات والإدارات المملوكة من الدولة كلياً أو جزئياً، عبر إدارة الأصول ذات الطابع التجاري بشكل شفاف وفعّال، لتغذية خزينة الدولة، إلى جانب الصندوق المختصّ بإعادة تكوين الودائع، على أن لا تتمّ خصخصة الأصول والقطاعات بشكلٍ متسرّع، لكن ملكية الدولة يجب أن تأخذ بعين الإعتبار إشراك صندوق إعادة تكوين الودائع بهذه الملكية، بهدف ترشيد إدارة هذه الأصول بشكلٍ يحدُّ من إمكانيات الهدر والفساد، ويعزّز أرباحها في آنٍ معاً.
المؤسسات العامة والهيئات والإدارات التي تحدّدها الحكومة ضمن خططها الإصلاحية حسب الحاجة.
لكن تنصّ المادة الخامسة، أنّه يمكن للمؤسسة المستقلّة أن توقّع عقود تشغيل، وتقترح إمتيازات إستثمار للشركات الموضوعة تحت إدارتها، لا تزيد مدتها عن 20 سنة، ليتمّ إقرارها وتنفيذها بموجب القوانين المرعية الإجراء. ولا يحقّ للمؤسسة المستقلّة بيع الأصول والأسهم الموضوعة تحت تصرفها جزئياً أو كلياً، الّا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب.
في دراسة للباحث الاقتصادي البير كوستانيان، صدرت في كانون الثاني 2021، بعنوان «خصخصة أصول الدولة اللبنانية – لا حلول سحرية للازمة»، والصادرة عن مركز عصام فارس للدراسات في الجامعة الأميركية في بيروت، تُظهر أنّه لا يمكن للخصخصة أن تخفّف، من الناحية النظرية، الخسائر التي يتحمّلها النظام المالي، فإنّ أي قرار لبيع أصول الدولة يجب أن يترافق مع معايير إقتصادية وإجتماعية، من شأنها أن تساهم في تحسين الرفاه العام للسكان بطريقة مستدامة.
إرتكزت الدراسة على تقييم الفوائد والمخاطر المرتبطة بخصخصة مؤسسات الدولة، بالإعتماد على المعايير التالية: القدرة التنافسية والكفاءة التي جلبتها مشاركة القطاع الخاص إلى القطاع العام وسهولة وصول السلع للمواطنين، والتأثير على الخزينة. وتشير الدراسة إلى أنّ لبنان يحتاج بيئة تنظيمية سليمة، وقوانين وأطر مكافحة الفساد، وعمليات الشراء الشفافة بالكامل، وأسواق رأس المال التي تعمل بشكل جيد، والمنافسة العادلة.
يشرح كوستانيان مشاكل خصخصة بعض القطاعات، ففي ما يتعلّق بقطاع النقل العام، إنّ الهدف منه تأمين الخدمة للمواطنين وليس الربح المالي، بينما يختلف الأمر في موضوع المطار، فشركة طيران الشرق الأوسط هي أخطر أمر في لبنان، فهي مملوكة من الدولة ومصرف لبنان، وهي تدّر أرباحاً، لكنها تحتكر القطاع على حساب الإقتصاد الوطني، ومن المستحسن خفض أسعار البطاقات، وفتح باب المنافسة أمام الشركات الأخرى. لكن كما هو الواقع اليوم، فهذه ضريبة غير مباشرة ومقنّعة على اللبنانيين وتعود الى الدولة. ويؤكد على ضرورة إلغاء إدارة حصر التبغ والتنباك، فهي «صناعة مساعدة، حيث أنّ الدولة تدفع بدل مالي وبالتالي هذه كلفة اضافية على الخزينة، في وقت إدارة الريجي تربح، وهي منبع للفساد والمحسوبيات». فيما يتعلّق بقطاع الكهرباء فهي خدمة عامة، لكن إنتاجها يجب أن يخصخص، ويبقى التوزيع بيد الدولة، لأنّه مرتبط بالبنى التحتية والأمن القومي وغيرها.
لا يفهم كوستانيان كلّ فكرة الصندوق السيادي، ويضيف «فهم لا يدرون ماهية وظائف مؤسسات الدولة، ولم يعملوا على إحصاء جيّد، وعوضاً عن الإهتمام بمفاهيم فضفاضة وكبيرة، بأنّ المشكلة يمكن أن تحلّ بطريقة سحرية، وبقانون واحد وهيئة واحدة»، يجب التركيز على «تفادي مكمن واحد للفشل» وهذا من أساسيات مبادئ إدارة الأعمال، حيث لا يتمّ وضع كل شيء في مكانٍ واحد مهدّد بالفشل، وفي لبنان، مع كل المشاكل الداخلية والصراعات، نقوم بجمع كل ما تملكه الدولة ونضعه في مكانٍ واحد، واذا فشل هذا المكان، تفشل كلّ هذه الإدارات، ويضيف «صحيح أنّ إدارة الصندوق ستكون وفق تعيينات، لكن من سيعينهم؟ من المؤكّد ستُعتَمد الآلية نفسها التي إعتُمِدَت في موضوع النفط، وعليه سندخل في الدوامة نفسها، وحكماً سندخل في النقاش الطائفي وتقاسم الحصص».
ثانياً، تتموّل جميع مؤسسات الدولة من أموال دافعي الضرائب، أي المواطنين، وإذا كان الهدف زيادة أرباح الشركات، حكماً سيتمّ رفع الأسعار، بينما هدف مؤسسات الدولة، بشكلٍ عام، الخدمة العامة وليس الربح، فإذا رُفعت الأسعار سيدفع المواطنون، وخاصة ذوي الدخل المحدود، ثمن خدمة لتأمين 1 في المئة من قيمة الودائع، وكبار المودعين تحديداً، ولا ضمانات و لا قوانين تمنع الإحتكار، اذاً لا طريقة أخرى لرفع أرباح الدولة الّا من خلال تقليص عدد الوظائف ومكافحة الفساد، رغم أنّه هامش صغير لا يغيّر في وجه البلد.
تنشأ الصناديق السيادية وفق مبادئ سنتياغو، وهي مجموعة قواعد عامة أُقِرَّت في 11 تشرين الأول 2008، بعد أن قُدِمَت الى اللجنة المالية النقدية الدولية التابعة لصندوق النقد الدولي. تُعرِّف هذه المبادئ الصناديق السيادية بأنّها ترتيبات إستثمارية ذات أغراض خاصة مملوكة للحكومة العامة، تُنشئُها الحكومة لأغراض الإقتصاد الكلّي، وتحتفظ بالأصول أو تديرها لتحقيق الأهداف المالية. وتستخدم مجموعة من إستراتيجيات الإستثمار. وتمتلك صناديق الثروة السيادية هياكل قانونية ومؤسسية وإدارية متنوعة، وتتألف من صناديق الإدخار، وشركات الإستثمار الإحتياطية، وصناديق التنمية، وصناديق إحتياطي معاشات التقاعد، وتهدف الى تنفيذ مجموعة متنوعة من أغراض مثل الإستقرار، وحماية الميزانية والإقتصاد ضدّ تقلّبات أسعار السلع الأساسية، والحفاظ على المدخرات للأجيال القادمة، وأن تكون شركات الإستثمار الإحتياطية التي يتمُّ إنشاؤها لزيادة العائد على الإحتياطيات، وقد تكون هذه الأغراض أو الأهداف متعددة أو متداخلة أو تتغير بمرور الوقت.