الصناديق السيادية: وهم الحل السحري

الصناديق السيادية: وهم الحل السحري

  • ٢٢ كانون الثاني ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

طرح التيار الوطني الحرّ فكرة الصندوق الإئتماني لإدارة وإستثمار أصول الدولة، ضمن برنامج «الأولويات الرئاسية» التي أطلقها في تشرين الأول 2022. وفي أيلول 2023، إقترح رئيس التيار الوطني الحرّ على حزب الله، ضمن مسار الحوار بينهما على موضوع رئاسة الجمهورية، موافقة الحزب على قانوني الصندوق الإئتماني واللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، مقابل تنازل التيار عن الرئاسة لست سنوات.

فيما تفاخرت القوات اللبنانية بتقديمها إقتراح قانون «إنشاء المؤسسة المستقلّة لإدارة أصول الدولة» قبل إقتراح التيار بثلاثة أشهر، وعمل عليه كل من النواب رازي الحاج وغسان حاصباني وجورج عقيص، لقناعتهم بأنّ الدولة تمتلك الكثير من الأصول والمرافق العامة التي يمكن أن تنتشل لبنان من أزمته الإقتصادية، ويقول الحاج لـ بيروت تايم  «نحن لا نطرح بيع الأصول، بل تحسين إستخدامها لرفع إيراداتها، وتأمين فائض بالميزانية العامة بدل العجز، كما أنّ الدولة تتحمّل مسؤولية الأزمة الحاصلة، ولا يمكن إستثناؤها من عملية الإصلاح».

 

مشروع خصخصة دون خطة
يقترح مشروع قانون القوات اللبنانية إنشاء صندوق سيادي، لأنّ  «أصول الدولة ذات الطابع التجاري والربحي أصبحت تحقّق خسائر وعبئاً إستثمارياً على الخزينة و إنخفاضاً حاداً بمداخيلها بالنسبة لما يمكن تحقيقه، وأصبحت الحاجة ملحّة لإدارة أكثر فاعلية للشركات والمؤسسات التابعة للدولة وتحسين عائداتها وتعزيز قيمتها كتدبير خلاّق ضمن عدة تدابير». 

ويهدف القانون الى وضع الشركات والمؤسسات والإدارات المملوكة من الدولة كلياً أو جزئياً، عبر إدارة الأصول ذات الطابع التجاري بشكل شفاف وفعّال، لتغذية خزينة الدولة، إلى جانب الصندوق المختصّ بإعادة تكوين الودائع، على أن لا تتمّ خصخصة الأصول والقطاعات بشكلٍ متسرّع، لكن ملكية الدولة يجب أن تأخذ بعين الإعتبار إشراك صندوق إعادة تكوين الودائع بهذه الملكية، بهدف ترشيد إدارة هذه الأصول بشكلٍ يحدُّ من إمكانيات الهدر والفساد، ويعزّز أرباحها في آنٍ معاً.

 

المؤسسات المقترح وضعها تحت إشراف الصندوق: 
شبكات الإتصالات الثابتة، حيث تنشأ ليبان تيليكوم بحسب القانون 431/2002
إدارة مرفأ بيروت
إدارة مرفأ طرابلس
إدارة مطار بيروت
مؤسسة كهرباء لبنان 
إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية 
مؤسسات المياه

المؤسسات العامة والهيئات والإدارات التي تحدّدها الحكومة ضمن خططها الإصلاحية حسب الحاجة.

 

لكن تنصّ المادة الخامسة، أنّه يمكن للمؤسسة المستقلّة أن توقّع عقود تشغيل، وتقترح إمتيازات إستثمار للشركات الموضوعة تحت إدارتها، لا تزيد مدتها عن 20 سنة، ليتمّ إقرارها وتنفيذها بموجب القوانين المرعية الإجراء. ولا يحقّ للمؤسسة المستقلّة بيع الأصول والأسهم الموضوعة تحت تصرفها جزئياً أو كلياً، الّا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب.

 

أملاك الدولة وأوهام الحلول

في دراسة للباحث الاقتصادي البير كوستانيان، صدرت في كانون الثاني 2021، بعنوان «خصخصة أصول الدولة اللبنانية – لا حلول سحرية للازمة»، والصادرة عن مركز عصام فارس للدراسات في الجامعة الأميركية في بيروت، تُظهر أنّه لا يمكن للخصخصة أن تخفّف، من الناحية النظرية، الخسائر التي يتحمّلها النظام المالي، فإنّ أي قرار لبيع أصول الدولة يجب أن يترافق مع معايير إقتصادية وإجتماعية، من شأنها أن تساهم في تحسين الرفاه العام للسكان بطريقة مستدامة. 

 

إرتكزت الدراسة على تقييم الفوائد والمخاطر المرتبطة بخصخصة مؤسسات الدولة، بالإعتماد على المعايير التالية: القدرة التنافسية والكفاءة التي جلبتها مشاركة القطاع الخاص إلى القطاع العام وسهولة وصول السلع للمواطنين، والتأثير على الخزينة. وتشير الدراسة إلى أنّ لبنان يحتاج بيئة تنظيمية سليمة، وقوانين وأطر مكافحة الفساد، وعمليات الشراء الشفافة بالكامل، وأسواق رأس المال التي تعمل بشكل جيد، والمنافسة العادلة.

 

لكن لا إمكانية لتحقيق هذه الشروط بحكم الفساد الحاصل، خاصة وأنّ السلطة القضائية في لبنان مسيّسة وخاضعة لأهواء السلطة التنفيذية. وتؤكّد الدراسة إلى أنّ لبنان بحاجة إلى قانون للمنافسة يمنع الإحتكار. وببساطة، فإنّ المتطلبات الأساسية اللازمة لعملية الخصخصة السليمة والشفافة، التي من شأنها أن تؤدي إلى تنمية إجتماعية وإقتصادية مستدامة، غير متوفرة. وبدلاً من ذلك، فمن المرجّح أنّ محاولة الخصخصة في هذا الوقت لن تؤدي إلّا إلى إدامة الوضع الراهن، مع وصول الهيئات الصحية الأولية إلى أيدي المؤسسة السياسية وأعوانها، لصالحهم وحدهم.
لا يمكن إعتبار خصخصة المؤسسات العامة حلاً سحرياً، لأنّ الإيرادات التي ستولّدها على المدى القصير غير كافية إلى حدٍ كبير، بالمقارنة مع خسائر لبنان الإجمالية. ويؤدي التقييم الشامل لخصخصة أصول الدولة، بإستثناء الأصول ذات الإمتيازات، إلى قيمة إجمالية تتراوح بين 12 مليار دولار أمريكي إلى 22 مليار دولار أمريكي في أحسن تقدير، وبمتوسط 17 مليار دولار أمريكي.
وتعتبر العقارات المساهم الأكبر من القيمة الإجمالية لأصول الدولة، وتبلغ 14.38 مليار دولار أمريكي في السيناريو المتفائل، وتليها الإتصالات الثابتة والمتنقلة بقيمة 4.28 مليار دولار أمريكي في السيناريو المتفائل. ويمكن أن يتراوح إجمالي الإيرادات المحتملة للدولة اللبنانية من عمليات الخصخصة بين 6 مليارات دولار أمريكي، بالنظر إلى برنامج خصخصة واقعي، وحوالي 13 مليار دولار أمريكي في سيناريو متفائل آخر.

سذاجة المشروع
يعتبر كوستانيان في مقابلة مع «بيروت تايم» أنّ الصندوق السيادي لإدارة أصول الدولة موضوع خطير، وفيه درجة من السذاجة للإعتقاد أنّ أصول الدولة هي أمرٌ واحد، ويتساءَل «ما علاقة إدارة حصر التبغ والتنباك بالإتصالات أو بالمطار أو بمصلحة المياه أو بعقارات الدولة؟ لم أفهم الرابط فيما بينها، سوى أنّ المالك واحد وهي الدولة اللبنانية، فهذه القطاعات لديها ديناميكيات مختلفة جداً».

يشرح كوستانيان مشاكل خصخصة بعض القطاعات، ففي ما يتعلّق بقطاع النقل العام، إنّ الهدف منه تأمين الخدمة للمواطنين وليس الربح المالي، بينما يختلف الأمر في  موضوع المطار، فشركة طيران الشرق الأوسط هي أخطر أمر في لبنان، فهي مملوكة من الدولة ومصرف لبنان، وهي تدّر أرباحاً، لكنها تحتكر القطاع على حساب الإقتصاد الوطني، ومن المستحسن  خفض أسعار البطاقات، وفتح باب المنافسة أمام الشركات الأخرى. لكن كما هو الواقع اليوم، فهذه ضريبة غير مباشرة ومقنّعة على اللبنانيين وتعود الى الدولة. ويؤكد على ضرورة إلغاء إدارة حصر التبغ والتنباك، فهي «صناعة مساعدة، حيث أنّ الدولة تدفع بدل مالي وبالتالي هذه كلفة اضافية على الخزينة، في وقت إدارة الريجي تربح، وهي منبع للفساد والمحسوبيات». فيما يتعلّق بقطاع الكهرباء فهي  خدمة عامة، لكن إنتاجها يجب أن يخصخص، ويبقى التوزيع بيد الدولة، لأنّه مرتبط بالبنى التحتية والأمن القومي وغيرها. 

 

لا مشكلة عقائدية لكوستانيان مع الخصخصة، بل مع من يخصخص ووفق أيّة آلية وأيّة إدارة وأيّة أنظمة، وأن لا ترمى المفاهيم إعتباطياً دون أي دراسة. أما موضوع الإتصالات، فيعتبر كوستانيان، أنّها تحتاج الى خصخصة لكن ضمن ديناميكية معينة وإستراتيجية وطنية، فالقطاع يحتاج الى إعادة تجميع، وتوزيع على الشركات، لتصبح أوجيرو شركة تقدّم خدمات الخطوط الثابتة والموبايل والإنترنت، إضافة إلى خصخصة البنى التحتية، وكلّ هذه الخطوات تحتاج الى تفكير في نطاق الإتصالات ولا علاقة للقطاعات الأخرى بها، وهذا مسار يحتاج 5 سنوات، ولا ينتهي بستة اشهر، فهو يحتاج الى إستراتيجية وطنية، لمعرفة حاجة السوق من الشركات، والعمل على الضم والفرز، وإنشاء الهيئة الناظمة للإتصالات، وهذه الشروط غير متوفرة اليوم، وجلّ إهتمامهم منصبٌ على رمي شعارات إصلاح مؤسّسات الدولة في الإعلام فقط.

لا يفهم كوستانيان كلّ فكرة الصندوق السيادي، ويضيف «فهم لا يدرون ماهية وظائف مؤسسات الدولة، ولم يعملوا على إحصاء جيّد، وعوضاً عن الإهتمام بمفاهيم فضفاضة وكبيرة، بأنّ المشكلة يمكن أن تحلّ بطريقة سحرية، وبقانون واحد وهيئة واحدة»، يجب التركيز على «تفادي مكمن واحد للفشل» وهذا من أساسيات مبادئ إدارة الأعمال، حيث لا يتمّ وضع كل شيء في مكانٍ واحد مهدّد بالفشل، وفي لبنان، مع كل المشاكل الداخلية والصراعات، نقوم بجمع كل ما تملكه الدولة ونضعه في مكانٍ واحد، واذا فشل هذا المكان، تفشل كلّ هذه الإدارات، ويضيف «صحيح أنّ إدارة الصندوق ستكون وفق تعيينات، لكن من سيعينهم؟ من المؤكّد ستُعتَمد الآلية نفسها التي إعتُمِدَت في موضوع النفط، وعليه سندخل في الدوامة نفسها، وحكماً سندخل في النقاش الطائفي وتقاسم الحصص».

 

إعتراضه الأساسي مبدئي ويقع في إطار الفلسفة الإقتصادية، إذا كان الهدف تحصيل أكبر موارد مالية ممكنة من أصول الدولة، وهنا مكمن الخطر، حيث يُقال للمواطنين أنّ الدولة وأصولها تخسر المال وعليه باتت عبئاً، ويربطون بين هذا الموضوع وبين أموال المودعين، فإذا أُعيدَ تأهيل مؤسّسات الدولة، نعيد أموال المودعين، بالنسبة لمن خسر أمواله في المصارف، بالطبع سيعتبر أنّ الإقتراح جيد، ومن يرفضه يصبح ضدّه وضدّ المنطق. لكن تكمن خطورة هذا الخطاب في نقطتين، بحسب كوستانيان، أولاً على إفتراض أنّ هذا القرار جيد وسليم إقتصادياً، فالقيمة المفترضة هي واحد بالاف، إذ إنّ المردود المالي لكلّ شركات الدولة لا يصل الى المليار دولار، فيما الودائع هي 90 مليار دولار، وفي أفضل سيناريو، عند تعيين أفضل إدارة وإرتفاع المردود 50 في المئة، وهو سيناريو غير طبيعي، وحصّلت الدولة 500 مليون دولار كربحٍ صافٍ إضافي للدولة، هي بحاجة الى 200 عام لإعادة الأموال، لذا هذا وهمٌ للتهرّب من مسؤولياتهم ورفع المسؤولية عن المصارف.

ثانياً، تتموّل جميع مؤسسات الدولة من أموال دافعي الضرائب، أي المواطنين، وإذا كان الهدف زيادة أرباح الشركات، حكماً سيتمّ رفع الأسعار، بينما هدف مؤسسات الدولة، بشكلٍ عام، الخدمة العامة وليس الربح، فإذا رُفعت الأسعار سيدفع المواطنون، وخاصة ذوي الدخل المحدود، ثمن خدمة لتأمين 1 في المئة من قيمة الودائع، وكبار المودعين تحديداً، ولا ضمانات و لا قوانين تمنع الإحتكار، اذاً لا طريقة أخرى لرفع أرباح الدولة الّا من خلال تقليص عدد الوظائف ومكافحة الفساد، رغم أنّه هامش صغير لا يغيّر في وجه البلد.

 

مبادئ سانتياغو
يبرر مقدميّ قوانين الصناديق السيادية، بإعتمادهم على مبادئ سانتياغو، على إعتبار أنّها قواعد نظرية ومعيار لتمرير إستثمار وبيع أملاك الدولة. لكن ما هي مبادئ سانتياغو؟

تنشأ الصناديق السيادية وفق مبادئ سنتياغو، وهي مجموعة قواعد عامة أُقِرَّت في 11 تشرين الأول 2008، بعد أن قُدِمَت الى اللجنة المالية النقدية الدولية التابعة لصندوق النقد الدولي. تُعرِّف هذه المبادئ الصناديق السيادية بأنّها ترتيبات إستثمارية ذات أغراض خاصة مملوكة للحكومة العامة، تُنشئُها الحكومة لأغراض الإقتصاد الكلّي، وتحتفظ بالأصول أو تديرها لتحقيق الأهداف المالية. وتستخدم مجموعة من إستراتيجيات الإستثمار. وتمتلك صناديق الثروة السيادية هياكل قانونية ومؤسسية وإدارية متنوعة، وتتألف من صناديق الإدخار، وشركات الإستثمار الإحتياطية، وصناديق التنمية، وصناديق إحتياطي معاشات التقاعد، وتهدف الى تنفيذ مجموعة متنوعة من أغراض مثل الإستقرار، وحماية الميزانية والإقتصاد ضدّ تقلّبات أسعار السلع الأساسية، والحفاظ على المدخرات للأجيال القادمة، وأن تكون شركات الإستثمار الإحتياطية التي يتمُّ إنشاؤها لزيادة العائد على الإحتياطيات، وقد تكون هذه الأغراض أو الأهداف متعددة أو متداخلة أو تتغير بمرور الوقت.

 

تشترط مبادئ سانتياغو الكشف علناً عن السمات الرئيسية للأساس القانوني للصندوق، فضلاً عن العلاقة القانونية بين صندوق الثروة السيادية والهيئات الحكومية الأخرى، إلى جانب تنسيق أنشطة الصندوق بشكل وثيق مع السلطات المالية والنقدية المحلية، ووضع سياسات أو قواعد واضحة ومعلن عنها، فيما يتعلق بالنهج العام الذي يتبعه صندوق الثروة السيادية في عمليات التمويل والسحب والإنفاق، والكشف علناً عن مصدر تمويله، والإبلاغ عن البيانات الإحصائية، على أن يضع تقسيماً واضحاً وفعالاً للأدوار والمسؤوليات في إدارته، بهدف ضمان الإستقلالية، وينبغي تحديد إطار المساءلة الخاص بعمليات الصندوق بوضوح، وإعداد تقرير سنوي للبيانات المالية بما يتفق مع معايير المحاسبة الدولية أو الوطنية المعترف بها، وبطريقة متسقة. وتنظر صناديق الثروة السيادية إلى حقوق ملكية المساهمين بإعتبارها عنصراً أساسياً في قيمة إستثماراتها في الأسهم.