نحن نأكل «زبالة المواد الغذائية» وهيئة سلامة الغذاء.. العدو الأول لوزراء «الزبائنية»

نحن نأكل «زبالة المواد الغذائية» وهيئة سلامة الغذاء.. العدو الأول لوزراء «الزبائنية»

  • ٠٩ آذار ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

باتت سلامة الغذاء، آخر إهتمامات اللبنانيين، رغم خطورتها. لا تحتلّ فضائح المواد الغذائية المنتهية الصلاحية أو التي تتضمن مواداً مسرطنة أولى إهتمامات اللبنانيين اليوم، وسط وابل الأزمات. إلّا أنَّ ذلك لا يُبررّ ازدحام السوق اللبناني بمواد غذائية غابت عنها أي رقابة ليصل «السُم» إلى أطباقنا دون حسيب.

في الواقع اليوم، يُترك المواطن لحظّه، وإذا كان محظوظاً  قد ينجو من مواد غذائية مضروبة مثل مواد الأرز والطحين التي تُتداول في الأسواق. بعضها قد تحتوي على مواد مسرطنة، وبعضها الآخر قد تكون منتهية الصلاحية. والمعلومة الوحيدة المؤكدة هي أنَّ التاجر عماد الخطيب، مرشح تيار المستقبل في قضاء النبطية للعام 2018، وشركته «السلطان للمواد الغذائية» يبيع اليوم 24 طناً من الأرز المسرطن. ومن جهة أخرى، شركة إستوردت 4506 أطنان من القمح المُعفّن، ووزعتها في الأسواق اللبنانية، أما ما خُفي فهو أعظم. 

 

تتفاقم مشكلة التهميش لسلامة الغذاء في لبنان في الوقت الحالي. البلاد تحوّلت إلى «مزبلة للمواد المنتهية الصلاحية والمُسرطنة»، التي لا تُباع في أي دولة أخرى سوى لبنان. هذا الوضع، كما وصفته جمعية المستهلك في بيانها الأخير، هو نتاج «شبكات فساد منتشرة منذ تأسيس الكيان اللبناني، يدفع ثمنها اللبنانيون من مالهم وصحتهم».

وفقاً لدراسة قيد النشر أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت، تشير النتائج إلى إرتفاع ملحوظ، في نسبة الملوّثات المسبّبة للسرطان في لبنان، حيث وصلت إلى الضعف مقارنة بفترة ما قبل بداية الأزمة في عام 2019. وتشهد المواد الغذائية تراكماً كبيراً من هذه الملوثات، وفقًا لتحليل خبراء الغذاء.
تعزّى هذه الزيادة في الملوّثات، إلى عدة عوامل. أولاً، يشهد لبنان زيادة في إنقطاع التيار الكهربائي، مما يؤثر سلباً على عمليات الحفظ والتخزين السليمة للمواد الغذائية. ثانياً، تراجعت مستويات الرقابة على المواد الغذائية وعمليات نقلها وتخزينها، وذلك بسبب الإضرابات التي طالت أجهزة الدولة الرقابية وتعليق عمل البلديات.
علاوة على ذلك، يشهد لبنان إرتفاعاً في تهريب البضائع بين سوريا ولبنان، مما يزيد من إحتمالية وصول مواد غير مدروسة وملوثة إلى الأسواق اللبنانية. وتجاهل اللبنانيين للماركات الغذائية ذات التكلفة الأعلى يزيد من التعرّض للمنتجات ذات الملوّثات، حيث إجتاحت هذه الماركات الأسواق في ظل الأزمة بشكل كبير، ولم تخضع للدراسات اللازمة المسبقة.

 

الدولة اللبنانية متواطئة

أمام هذا المشهد المُهدِّد للبنانيين، والخطر الذي لا يُمكن للمواطن معرفة مداه أو السيطرة عليه، تعود جمعية حماية المستهلك إلى قانون سلامة الغذاء الذي وُضِع في العام 2015 ولم يُطبّق. ويتوجب علينا التذكير دائماً بالباب الثالث من هذا القانون، الذي يتعلق بإنشاء الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء.

وفقًا لقانون سلامة الغذاء المشار إليه، تمّ تحديد إنشاء الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء. وحدّد القانون في بابه الثالث، ومواده الممتدة من المادة 22 إلى المادة 47، دور هذه الهيئة ونطاق عملها وأهميتها في ضمان سلامة الغذاء. 

 

تتألف الهيئة من مجلس يضم سبعة أعضاء من أهل الإختصاص والخبرة، یُعیّنون لمدة خمس سنوات، بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، بناء على إقتراح رئیس المجلس. وأهمتيها أنَّها تتمتع بإستقلال مالي وإداري تام. وهي الجهة الوحيدة القادرة على تولي عملیـة تتبـع سلسـلة الغـذاء بكافـة مراحلهـا، للتمكّن من تحليل مخاطر سلسـلة السلامة الغذائیة وضبط كل المخالفات. وأكثر من ذلك، فإنَّ نظام التتبع المُعطى بالقانون حصرياً للهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء، قادر على إعادة سحب البضاعة المسرطنة أو المنتهية الصلاحية من الأسواق حماية للمواطنين. وهنا تعود إلى الأذهان قضية الأرز المُسرطن، الذي لا نعرف اليوم أين هو؟ ومن إشتراه بسبب غياب نظام التتبع. 

كذلك، وبموجب القانون، تمتلك الهيئة اللبنانية نظــام إنــذار ســریع لمراقبــة الصــحة والمخــاطر الغذائیــة وتأمين التواصل المعلوماتي، وتحليل المخاطر التي قد تنتج عن إستهلاك غذاء معین. 
الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء، هي أيضاً الجهة الوحيدة القادرة، بموجب القانون، على العمل والتنسيق مع كل الجهات الرسمية الوطنية، العربية والدولية المرتبطة مباشرة أو بشكل غير مباشر بسلامة الغذاء.

تعتبر الهيئة التي لم تُنشأ حتى الآن، منبراً يتمتع بآليات واضحة لحماية المواطنين، حيث يتعيّن عليها تقديم شكاوى رسمية إلى النيابة العامة المختصة، التي تتولى إتخاذ التدابير المؤقتة ضدّ أي فرد أو جهة تعرّض سلامة الغذاء للخطر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للهيئة أن تحيل الملفات مباشرة إلى محكمة إستئناف الجُنح المختصة في قضايا الغش، مما يتيح إجراءات قانونية فورية.

وبالإضافة إلى دورها في مكافحة الغش وحماية سلامة الغذاء، تقوم الهيئة أيضاً بالعمل المتصل بالدراسات والأبحاث، وتجميع المعلومات والبيانات العلمية ذات الصلة بسلامة الغذاء وتحليلها، وتوفير الدراسات والتقارير الفنية للجهات المعنية والمواطنين.

تعيين الهيئة.. ليس من أولويات الدولة 
في أيار من العام 2018، صدر قرار حكومي يُعين البروفيسور إيلي عوض، الباحث في مجال البيوتكنولوجيا الغذائية في الجامعة اللبنانية، رئيساً للهيئة المعنية. ومع ذلك، لم تتشكل الهيئة حتى الآن، ولم يبدأ البروفيسور عوض عمله، بناءً على المرسوم القانوني. يعود ذلك إلى إدعاء الحكومات المتعاقبة بعدم توفّر المراسيم التطبيقية اللازمة لتشكيل الهيئة والسماح لها بالعمل. فيما يُشير قانون سلامة الغذاء رقم 35، وبوضوح، إلى أنَّ مجلس إدارة الهيئة هو الجهة المسؤولة عن وضع المراسيم التطبيقية والأنظمة الإدارية والمالية ونظام الموظفين، التي تحدّد إطار عمل الهيئة بشكل شامل.
في حديثه لـ «بيروت تايم»، يشير الدكتور عوض إلى أنّ إستحواذ المصالح والخدمات هو ما أدى إلى عدم بدء أعمال الهيئة منذ صدور القانون في عام 2015. ويُركز على الجانب الخدماتي لوزارات الزراعة والصحة والبيئة والإقتصاد والصناعة والسياحة، ويشير إلى تعارض «المصالح الخدماتية» مع دور الهيئة اللبنانية، الشبيه لدور إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA. ويؤكد أنّ الهيئة ليست جهة لتقديم الخدمات أو المصالح الشخصية، وإنّما هي جهة متخصّصة، ولا تتعامل مع الشركات أو الصناعيين أو الزراعيين أو السياحيين. وهذا بحسبه، يتعارض مع الواقع الحالي للوزارات، وخاصةً تلك المرتبطة بالغذاء وسلامته، حيث تُرجّح الكفّة بإتجاه مصالح المال والسلطة والأعمال والشركات والمحسوبية على حساب سلامة الغذاء.

 

ختاماً، ستبقى سلامة الغذاء رهينة بيد التجار وشركات الغش والزبائنية السياسية وفاقدي الضمير في غياب الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء. وستبقى دول كثيرة تمنع إستيراد المواد الغذائية اللبنانية طالما الوزارات الموكلة حماية هذا القطاع تتخبط بمصالحها الضيّقة على حساب سلامة اللبنانيين والإنتاج الزراعي والغذائي اللبناني، وللملف تتمّة..