«مش بين ليلة وضحاها تحقّق الإستقلال الثاني» رسالة إلى جيل «17 تشرين»!

«مش بين ليلة وضحاها تحقّق الإستقلال الثاني» رسالة إلى جيل «17 تشرين»!

  • ١٩ آذار ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

لم يغادر إستقلال لبنان الثاني ذاكرة اللبنانيين. نضال تلك المرحلة التي أنهت عهد الوصاية السورية، مسؤولية مشتركة، لكل الجهات التي قادتها، تجاه المجتمع والشباب اللبنانيّ على وجه الخصوص. لعل جيل «17 تشرين» يدرك ما حقّقته ثورة الأرز وحجم التضحيات التي قُدّمت في سبيل تحقيق ذلك الاستقلال الأخير.

ومن هذا المُنطلق، كان قرار كلية التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف وبالتعاون مع قناة الـ «mtv»، تخصيص لقاء جامع مع وجوه تلك المرحلة وتقديم وثائقي عنها، في حرم الجامعة في بيروت أمام حشد من طلاب اليوم الذين بطبيعة الحال لم يُعاصروا ثورة الأرز. معظمهم وُلدوا قبل بضعة سنوات من «الاستقلال الثاني» الذي شكّل إنتفاضة لبنانية وطنية جامعة لم يكن قد شهد لبنان لها مثيلاً. 

جمعت «جامعة القديس يوسف» في حرمها لهذا اللقاء بعض «وجوه 14 آذار» الأكثر تأثيراً. بمقدمتهم أتى الشهيد الحيّ مروان حمادة، الذي بمحاولة إغتياله، بدأ مسلسل الإغتيالات الذي إمتده من العام 2004، مع مروان حمادة، إلى 2013 مع إغتيال الوزير محمد شطح. وقد تكلّم كل من الوزير السابق فارس سعيد، النائب أنطوان حبشي، والنائب السابق مصطفى علوش، والأب إدمون بخّاش، والصحافي قاسم قصير الذي مثّل قوى «الثامن من آذار». 

طلاب التاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة حضروا قبل الجلسة النقاشية جزءًا من وثائقي أعدّته قناة الـ «mtv» حول تلك المرحلة. تحدّث في الوثائقي شخصيات الصفّ الأول، أو «صقور 14 آذار»، من رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط، إلى رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع، و«حزب الكتائب اللبنانية» سامي الجميل، بالإضافة إلى الصحافي أنطوان سعد، الذي سرد مواقف للبطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير الذي كانت له المساهمة الجوهرية في حصول الإستقلال الثاني ، كما تحدّث صحافيون ومجموعة من الوجوه التي كانت عصب 14 آذار، و الجهة المُشكّلة للحراك الطلابي والجامعي الذي إفترش الأرض من 18 شباط 2004 في ساحة رياض الصلح حتى اللّحظة التي إستقال فيها عمر كرامي، رئيس حكومة تلك المرحلة والتي كانت ناطقة بإسم الوصاية السورية.

كانت للمتحدّثين كلمات أثَّرت بالطلاب الذين حضروا اللقاء وإكتشفوا حجم 14 آذار والتضحيات التي قُدّمت في سبيل إنهاء سلطة النظام السوري وقبضته على الحكم التي إستمرت من العام 1976 حتى العام 2005. 

14 آذار مشت فوق السرديات الجزئية 
قدّم اللقاء مقارنة بين «14 آذار» التي أنجزت و«17 تشرين» المتعثرة، بشكل مُبطّن دون تسمية الأمور بأسمائها. فارس سعيد، تحدّث عن قوة «14 آذار» على إعتبار أنَّها عائدة لتخلي كل الذين نزلوا إلى ساحات بيروت عمّا أسماه، سردياتهم الضيّقة. يقول سعيد للموارنة سردية أنَّهم من أنشأ لبنان الكبير وللشهيد رفيق الحريري سردية أنَّه الذي أتى للحكم مطلع التسعينيات من خارج منظومة أمراء الحرب. ولكن في 14 آذار كان الإجماع الوطني وأحد لم ينتقد غيره لا بعلاقاته السابقة مع النظام السوري ولا بالماضي. مؤكداً أنّ، «السرديات الجزئية لا تبني بلداً». و بحسب سعيد قدّمت 14 آذار سردية وطنية ولّدت فكرة لبنانية.
مروان حمادة، ركّز في كلامه على الأمل بالغد، داعياً الشباب للإيمان بقدرة لبنان على القيام من حيث هو. معتبراً أنّه طالما الجامعات لاتزال موجودة والطلاب موجودون، والإعلام الحرّ حاضر، بالتالي تبقى القدرة على تغيير الواقع. حمادة تحدّث عن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1595 الذي صدر عن مجلس الامن بالإجماع في 7 نيسان 2005، ليُحاكي ثورة الأرز ومطالبها، إذ قضى بتحقيق دولي في جريمة إغتيال الحريري عبر لجنة تحقيق دولية. و هذا القرار الذي إستفز قوى 8 آذار كلّهم، ولايزال لأنه يدعو لإستقلال لبنان وسيادته، ولا يتعارض مع الدستور اللبناني أبدا. 

 

بين 14 آذار وانفجار مرفأ بيروت

غياب النيّة الدولية لإجراء تحقيق عدلي دولي في إنفجار المرفأ طُرح في اللقاء من باب القرار الأممي رقم 1595. المتحدّثون بررّوا ذلك بكون المجتمع الدولي قد إهتم بدعم ثورة الأرز دون أن يكون هو من صنعها، وهذا عكس ما يراه «حزب الله» والنظام السوري والحلفاء المدرجين تحتهما. 

بعض أهالي شهداء المرفأ حضروا هذا اللقاء أيضاً. ولم يتركوا مداخلة الصحافي قاسم قصير الذي إستضافته الجامعة من باب المهنية، أن تمرّ مرور الكرام. فقصير الذي إستنكر الإتهامات التي طالت «حزب الله» بأنَّه الجهة التي استلمت البلاد بعد خروج النظام السوري لكي يكون «ضابط الإيقاع الجديد» فوق رؤوس اللبنانيين، مما ولّد جدلاً واسعاً بين الحاضرين. 

وليام نون، أخ شهيد المرفأ جو نون، سأل قصير قبل خروجه عن ما أسماه قصير «بوطنية حزب الله»، طارحاً قضية تعليق «حزب الله» عبر معاون السيد نصرالله وفيق صفا التحقيقات التي يجريها القاضي طارق البيطار. نون. قائلاً «أسمعتنا في المناسبة زجلا عن حزب الله لا نراه». فيما لم يعلق الصحافي قصير على الموضوع. 

النائب حبشي من جهته ذكّر قصير والسردية النقيضة لقوى «14 آذار»، أنَّ الإحباط الذي وصل إليه اللبنانيون يعود لانتقال السلطة من يد النظام السوري إلى «حزب الله» ، مشيراً إلى أنَّ نائب عن «حزب الله» كان قد إعترف للنائبين أكرم شهيب وأحمد فتفت على هامش مؤتمر «سان كلو» الفرنسية عام 2007، أنَّ «حزب الله» قد تسلم مهام «الناظم الأمني» في لبنان بعد إسقاط الوصاية السورية.

حبشي أعاد وذكّر أنّ «حزب الله» في العام 2019 أيضا وقف ضدّ إرادة اللبنانيين كما فعل في العام 2005 مع ثورة الأرز.

المتحدّثون قرّبوا وجهات النظر مع الحاضرين الشباب الذين عاصروا «17 تشرين» دون سواها. وكانت الرسالة واضحة بأنَّ محطة «14 آذار» بإرسائها مفاهيم الوحدة الوطنية والحرية والخروج من الإنتماءات الضيّقة إلى رحاب الوطن، هي التي أنتجت أفكار «17 تشرين» التي لم تكتمل كإكتمال «14 آذار» ذات الأهداف الواضحة والموحدة آنذاك.