تقنية الـVAR بين الإنصاف وإثارة الجدل... هل ساعدت الحكام؟

تقنية الـVAR بين الإنصاف وإثارة الجدل... هل ساعدت الحكام؟

  • ٢٣ نيسان ٢٠٢٤
  • محمد فوّاز

الدليل على التناقضات في القرارات تحكيمياً وتقنياً هو ما حصل في مباراة الكلاسيكو مساء الاحد الماضي بين ريال مدريد وبرشلونة

فكرة استخدام التكنولوجيا في الرياضة، وخاصة تقنية الـ VAR في كرة القدم، تهدف في الأساس إلى تحسين العدالة والدقة في صناعة القرارات التحكيمية، من دون أن تؤثر سلباً في جوهر التنافس في اللعبة.
من المهم بشدة أن يتم استخدام التكنولوجيا بحذر وبشكل مناسب في المجال الرياضي، لضمان عدم إخراج اللعبة عن سياقها الترفيهي والتنافسي. يجب أن تظل كرة القدم في النهاية لعبة جماعية تتمتع بروح الفن والتسلية، وينبغي استخدام التكنولوجيا كوسيلة لتعزيز هذه الروح بدلاً من تشويهها.
توفر التكنولوجيا فرصة لتصحيح الأخطاء الواضحة وتوفير قرارات تحكيمية أكثر دقة، مما يساهم في تعزيز الشفافية والعدالة في اللعبة. ومع ذلك، يجب أن يتم استخدامها بحكمة وتوازن، وتوجيه الاهتمام أيضًا للحفاظ على تجربة الجماهير وروح التنافس التقليدية في كرة القدم.
وعلى الرغم من اعتماد تقنية الفيديو المساعد في ملاعب كرة القدم للتخفيف من الأخطاء والإعتراضات، إلا أنّها ما زالت تثير الإشكالات بين المعنيين من إتحادات وأندية وحكام وجمهور عبر العالم ولا سيّما في لبنان حيث الجميع يحللون ويقاضون.
فلا تمرّ مباراة إلا ويكون لها نصيبها من الإعتراضات على تنوّعها، وحتى اليوم وبعد شهرين من اعتماد الـVAR في ملاعبنا وإن كان في بعض المباريات الحاسمة، ما زالت الإعتراضات متواصلة والإتهامات تزداد للحكام ولجنتهم بتوجيه المباراة في هذا الاتجاه أو ذاك.
الإعتماد على آليات وتقنيات متقدّمة يساعد عادة على ضمان عدم التدخّل العشوائي والإعتماد على الحكم الرئيسي في الملعب كمصدر نهائي لاتخاذ القرارات.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتوفر المعايير والمقاييس اللازمة في الملاعب لتطبيق التقنية بشكل صحيح. فالملاعب القانونية التي تلبي معايير الإتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تسهّل عملية تنفيذ التقنية وتحقيق الدقة والفعالية في استخدامها.
وبالتالي، يجب على الأندية والإتحادات الرياضية العمل على تحسين مرافق الملاعب وتطويرها وفقاً للمعايير الدولية المعتمدة، لضمان توفير بيئة ملائمة لاستخدام تقنية VAR بشكل فعال ومنظم.
ومع تكرار استخدام التقنية في المباريات والتجارب المتعدّدة، من المتوقع أن يتكيّف الجميع معها مع مرور الوقت، وسيتمّ تحسين عملية تطبيقها وفقاً لتجارب الحكام وتوجيهات الإتحادات الرياضية، مما يؤدي إلى استخدامها بشكل أكثر سهولة وسلاسة.

الأندية غير راضية
محلياً، ما زال مسؤولو الأندية غير راضين عن أداء التقنية لبطئها وعدم احترافيتها وارتباك منفذيها وعدم حسمهم الأمور بشكل سريع. وعلى الرغم من تراجع اعتراضات بعض الأندية، إلا أنّ مسؤوليها ما زالوا يعتبرون أنّ الامور لم ترقَ إلى مستوى يمنحهم الإطمئنان خصوصا حيث تدور معارك طاحنة على اللقب من فوق وعلى تفادي الهبوط من تحت، وكل إشكال أو خطأ ممكن أن يؤثر في مسار ونتيجة المباراة. 
ويقول عضو لجنة الحكام الزميل عبد القادر سعد أنّ «الأندية التي لا تريد استعمال التحكيم شماعة دائمة لتبرير تقصيرها، أبدت رضاها بنسبة عالية. فمثلاً مباريات كبيرة بين (الأنصار – العهد والنجمة – البرج) انتهت بشكل طبيعي وكانت الاندية راضية عن أداء التقنية على الرغم من بطئها». 
وأضاف: «أما الإعتراضات غير المحقّة وغير العلمية فهدفها تبرير التقصير على المستويين الفني والإداري في الأندية أو لعدم فهم آليات تقنية الفيديو علما أنّ الإتحاد نظم ورشة للأندية والإعلام لشرح هذه التقنية وآليات تدخلها لمساعدة الحكام». 
يذكر أنّ هناك 4 أنواع «أساسية» من القرارات يمكن الاستعانة فيها بتقنية «الفار» وهي: الأهداف والأحداث التي تؤدي لها، ركلات الجزاء، البطاقات الحمراء والتأكد من إعطاء اللاعب المقصود البطاقة الصفراء، وحتى يتمّ إلغاء قرار ما، يجب أن يكون الخطأ فيه واضحاً. وعلى الرغم من أنّ تقنية الفيديو صممت لمساعدة الحكام على اتخاذ القرارات الصحيحة، إلا أنّها لا تضمن لهم ذلك دائماً، لأّن القرار النهائي يعود لتقدير الحكم.
وأوضح سعد: «دخلنا الشهر الثاني من تطبيق تقنية الفيديو في الدوري اللبناني والتجربة كانت جدا ممتازة وتدخل «الفار» في أكثر من عشر مباريات والعدالة سادت بنسبة عالية في المباريات التي تدخلت فيها التقنية. واستطعنا تخفيف الأخطاء خاصة التي تؤثر في مجرى المباريات والنتائج. بالطبع نحن بحاجة إلى وقت حتى يعتاد حكامنا على استخدام التقنية وبالتالي تسريع مراجعة الحالات المشكوك فيها لكن كبداية، التجربة تعتبر ممتازة جداً».
وتابع: «نحن قادرون على تطبيق «الفار» في مباريات الدرجة الأولى كافة إنّما بشكل متدرّج بحيث يتم استخدامه في مباراتين أو ثلاث على الأقل في اليوم وبالتالي منح عدالة أكبر للاندية واللاعبين ومساعدة الحكام». 
أما الفارق بين «الفار لايت» و«الفار العادي» فهو نقطتان: الأولى أنّ «الفار لايت» بحاجة إلى 4 كاميرات على الأقل لمعالجة الحالات التحكيمية، 2 في وسط الملعب، وواحدة على خطي منطقة الجزاء لرصد التسلل. في المقابل، «الفار العادي» يستخدم 8 كاميرات. والنقطة الثانية هي تواجد تقني إلى جانب الحكميْن المكلفيْن متابعة «الفار» بينما في «الفار لايت» لا وجود للتقني، ويتولى الحكام المعالجة التقنية. 
ولفت سعد إلى أنّ «الاتحاد اللبناني قرّر استخدام 7 كاميرات لمراجعة أكثر إنصافا، بالإضافة إلى كاميرات المحطة الناقلة، وبالتالي صار لدينا تقنية فيديو كاملة»، مشيراً إلى أنّ «الإتحاد اشترى 3 أجهزة فار بمعدات كاملة و3 باصات مجهزة من المال الممنوح من الفيفا، علما أنّ الدول عادة تستأجر أجهزة فار على سنوات إنّما الاتحاد اللبناني أراد أن يمتلك هذه الأجهزة الكاملة لتأمين عدالة أكبر في مباريات الدوري».

قواعد لم تُلغِ التباينات
«الفار» يعني تواجد طاقم حكام مساعد بالفيديو؛ مؤلف من 3 حكام يعملون معاً ويقدمون المشورة لحكم الساحة إذا احتاجها، وذلك بمتابعة الإعادة بالفيديو للحوادث التي تضع الحكم في حالة شك. يتكون الفريق من حكم حالي أو سابق ويكون هو حكم الفيديو الرئيسي، ومساعد له ومشغل للإعادات، ويتواجدون في غرفة عمليات الفيديو التي تتواجد بها مجموعة من الشاشات التي تعرض الحدث من زوايا مختلفة.
تتم عملية مراجعة القرار بطريقتين، الأولى أن يطلب الحكم التأكد من قراره، والثانية أن يقوم فريق «الفار» بالتحدّث مع الحكم عن طريق سماعات الأذن وتوصيته باتخاذ قرارٍ ما، إذا لاحظ حكم الفيديو وجود خطأ واضح لم يلحظه حكم الساحة.
هناك 3 خيارات للحكم عند استخدام هذه التقنية، الأولى أن يستمع لنصيحة فريق الفيديو ويلغي قراره أو يتخذ الإجراء اللازم للحادثة التي لم يلحظها، والثانية أن يذهب بنفسه لخط التماس ومشاهدة الإعادة للتحقق من الواقعة، والثالثة أن يتمسك بقراره ولا يستجيب لنصح مراقبي «الفار».
على الحكام والمسؤولين عن القرارات الرياضية أن يكونوا حذرين ودقيقين في اتخاذ القرارات. فعلى الرغم من استخدام التكنولوجيا لتحقيق العدالة والدقة، إلا أنّها لا تستبعد وجود الجوانب المتنوّعة والمتناقضة في كل موقف.
القرارات في كرة القدم قد تكون معقدة ومحيّرة في بعض الأحيان، ويمكن أن تتفاوت الآراء حولها. يعتمد الجميع على الحكام والمسؤولين لاتخاذ القرارات بشكل عادل ومتوازن، مع مراعاة التقنيات المتاحة والقواعد المعتمدة.
والدليل على التناقضات في القرارات تحكيمياً وتقنياً هو ما حصل في مباراة الكلاسيكو مساء الاحد الماضي بين ريال مدريد وبرشلونة، إذ تباينت القرارات ولم تتمكن تقنية الفيديو من كشف الملابسات المشكوك فيها ومساعدة الحكام، مما انعكس «معارك إعلامية بين الصحافتين المدريدية والكاتالونية بلغت حدّ مطالبة رئيس نادي برشلونة جوان لابورتا بإعادة المباراة»، والأمور لم تهدأ بعد.
النجاح الكبير لتقنيات المراقبة يمكن أن يساهم في تحسين إدارة الرياضة وتعزيز نزاهتها. بالتالي، يمكن أن يكون توسيع استخدام التقنيات المتقدمة في كرة القدم، بما في ذلك مراقبة سلوك اللاعبين وتقييم الخشونة والحد من الأعمال الجانحة، إضافة مهمة للتطور التكنولوجي في الرياضة.
مع ذلك، يجب أن يتمّ استخدام تلك التقنيات بحكمة وتوازن، مع الحفاظ على جوهر وروح اللعبة. ينبغي إعتبار هذه التقنيات وسيلة لتحسين اللعبة وتعزيز العدالة والنزاهة، من دون أن تؤثر سلبًا في تجربة الجماهير وإثارتها للرياضة.
كذلك، على الجمهور أن يتفهم هذه الجوانب المعقدة وأن يظل متسامحًا ومتفهمًا تجاه القرارات التي قد لا تكون دائمًا مثالية أو مقبولة من جميع الأطراف. إن فهم الطبيعة الديناميكية لكرة القدم وقبول التناقضات فيها جزء أساسي من الاستمتاع بتجربة المشاهدة والمشاركة في هذه اللعبة الشيقة.