«ع أمل»: حضر العنف المجتمعيّ... وغاب عنف المنظومة في حقّ المرأة اللبنانية!

«ع أمل»: حضر العنف المجتمعيّ... وغاب عنف المنظومة في حقّ المرأة اللبنانية!

  • ٣٠ نيسان ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

«يتغيّر، قانون ضدّ المنطق يتغيّر». هذا كلام الممثلة فاتن حمامة في دور درّيّة في فيلم «أريد حلاً» (عام 1975)، والذي أسهم في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر.

«وين كانت بولا يعقوبيان يوم كنت من 12 سنة؟ كانت بعدها ما تزوجت. ما بدنا نحكي، مش كرمالها كرمال زوجها، زوجها صاحبنا». كانت هذه محاولة من الرئيس نبيه بري، لإسكات النائب بولا يعقوبيان لدفاعها عن حق لبنان في حقل كاريش عام 2022. فرئيس مجلس النواب الذي يرى المرأة «تابعة» لرجل لا كياناً بذاته، نجح بتحويل عبارة «أنا مش صوتك تا تتسكّتني» من أغنية شارة مسلسل «ع أمل» (غناء إليسا)، من عبارة موجهة لرجل معنّف، لخطاب موجه لمنظومة ذكورية، لا تكتفي بمنع إقرار قوانين مناهضة للعنف بحقّ النساء وحسب، بل هي نفسها تعنفهنّ، عبر إقصائهنّ سياسياً.
«جيل ثورة، ما رح يسكت ويعيد الدّوامة ذاتا» تقول الممثلة ماريلين نعمان (بدور فرح في مسلسل ع أمل) في حديث تلفزيوني عبر قناة mtv، تعليقاً على تصدّر «ع أمل» الدراما الرمضانية للعام 2024، لتضع الإصبع على الجرح في المباشر، على عكس المسلسل الذي كان خجولا بانتقاد أصل العنف ضد المرأة: فالمظلومية تكرسها المنظومة بالدرجة الأولى، ليستحيل المجلس النيابيّ، شريكاً في الجريمة. 
هكذا يمكن لرمزية الرجال الثلاثة الذين يحيطون ببطلة المسلسل ماغي بو غصن التي تؤدي دور الإعلامية النسوية يسار، والذين يشاركونها بطولة المسلسل، وهم الممثلون عمار شلق، بديع أبو شقرا، ومهيار خضور، أن تُختصر بثلاث سلطات تتحكم بالمرأة المعنفة في لبنان: السلطة الأبوية أو العائلة، المجتمع الذكوري الذي يجعل تلك السلطة سيفاً مسلطاً على رقاب النساء، والأحزاب اللبنانية التي تبقي في مجلس النواب على هذا السيف.

الإنكار اللبناني
قتلها بالرصاص، قطّع جثتها إلى ثلاثة قطع، ودفنها تحت تراب حديقة منزلهما الزوجيّ. هذه الأحداث حصلت في المية ومية شرق صيدا منذ أيام، ولم تحصل في بلدة «كفرحلم» المتخيلة في مسلسل «ع أمل»، وهي لا تشبه جريمة قتل المجرم سيف (أدّى دوره عمار شلق) لشقيقته رهف (سيرينا الشامي) ودفنها وحسب، بل تتخطاها بشاعة وإجراماً.
مع ذلك، واجه المسلسل إنتقادات تتّهم الكاتبة نادين جابر بإختلاق أحداث لا تمّت للواقع اللبناني بصلة، ما يظهر حالة النكران اللبنانية للحدّ الذي تكتم فيه أصوات نسائه وتحدد فيه مصائرهنّ من قبل السلطة الأبوية المتحكمة بهنّ. 
وفي عاصمة الجنوب صيدا، وليس في قرية نائية مُتخيّلة كـ «كفرحلم»، مُنعت سيّدة من السباحة بلباس البحر منذ أشهر. ومُنعت بالقِوى القاهرة الثلاث: رجل دين رهّبها، خلفه مجتمع ذكوري في مدينة تسيطر عليها تيارات إسلامية متزمتة دينياً، حمته يافطة لبلدية صيدا ووزارة الأشغال اللبنانية، تطلب التزام رواد الشاطئ بـ «اللباس المحتشم». 
صودر حق المرأة بلباسها بموافقة من وزارة الأشغال العامة، مع أنّ القانون اللبناني يكفل الحريات العامة والخاصة. لكنّ الدولة تخاذلت عن حمايتها.
تواطؤ السلطة ضدّ المرأة، كان أكثر وضوحاً، يوم حوّل وزير الثقافة، محمد مرتضى، الوزارة، لسلطة وصاية على النساء محاولاً منع عرض فيلم باربي لأنّه برأيه «يُسوّق فكرة بشعة مؤدّاها رفض وصاية الأب، وتوهين دور الأم وتسخيفه»، ليمارس دوره الوزاريّ انطلاقاً من أفكار حزبه الأبوية الذكورية، التي تحدّ دور المرأة بالزواج والأمومة وتقصيها عن السياسة. دور، يمارسه حزب الله صراحة، فلا يرشح نساء في الإنتخابات النيابية، لاعتباره النيابة حكراً للرجال.

«سيف» الدولة المسلط على رقاب نسائها
وإذا كان حزب الله المُعطّل الأكبر لمشاريع القوانين والإصلاحات التي تلغي التمييز بين الجنسين، فإنّ بقية أحزاب المنظومة، ليست بوضع أفضل بكثير، مع رفضها إقرار قانون الموحد للأحوال الشخصية، وإمعانها بحرمان المرأة اللبنانية حقها بمنح جنسيتها لأطفالها، وهذا عنف يمارسه المشرعون علانية، بحق المرأة اللبنانية.
ويمكن لعبارة «ناقصنا رجل دولة» التي تتردد على لسان السياسيين، أن تشير بوضوح إلى العنف السياسيّ، الذي يُستدلّ عليه عملياً من وصول ثماني نساء فقط من أصل 128 للبرلمان اللبناني في الدورة النيابية الأخيرة، 4 منهنّ، أي نصفهنّ، من كتلة نواب التغيير، أي من خارج أحزاب المنظومة التي تشرع القوانين لمجتمع نصفه من النساء، منذ 3 عقود وأكثر. وأحزاب بعقلية إقصائية تجاه نسائها الحزبيات، لن تكون عقليتها التشريعية أقل ضرراً على بقية النساء. 
المنظومة والجيل الجديد
بنات سيف وبنات شقيقته يسار، لم يكتفين بالتمرد على دور السلطة الأبوية، الذي يمثله سيف في عائلة حلم، بل حرّضن زوجاته وشقيقته الخانعة أريج لمواجهته، واستطعن تشكيل تضامن نسوي عائلي جامع، للخاضعات والثائرات، للذكوريات منهنّ والنسويات، لتشكّلن تهديدا حقيقياً لسلطته، ليقرر، هو الخائف منهنّ لمعرفته بأنّ طاعتهن له سببها الخوف لا الحب، الإطاحة بهذا التهديد، بقتل بناته، وهن الجيل الجديد. 
تخشى المنظومة في لبنان من الجيل الجديد. فهو رافدة ثورة 17 تشرين ومستقبل هذا الوطن. وشباب وشابات هذه الإنتفاضة، لم يكن تمردهم على السلطة عابراً، بل كان تمرداً على نهج ذلك الحكم، على منظومة طائفية، أبوية، ذكورية، تقسّم المجتمع اللبناني إلى طوائف، وتميز بين نسائه ورجاله بالحقوق، فتكرّس التمييز بحقّ مواطنيه، لتنتقص من حقّ نسائه بالمواطنة، وتبقي على تطييرها لاقتراحات القوانين العادلة جندرياً، سيفا مسلطاً على رقاب جميع النساء، الحزبيات منهنّ والثائرات. 

بين نواف الموسوي وعباس ابراهيم
أما شخصية «يسار» الإعلامية النسوية (ماغي بو غصن)، فلم تكن متمردة كفاية في برنامجها الموجه للنساء المظلومات، على السلطة التي تظلمهنّ.  فكيف تكون إعلامية، ناجية من العنف، ومناهضة للذكورية وتطالب بقانون يحمي النساء من العنف، ولا تنتقد السلطة الحاكمة وسياسات المشرعين التي تعزز بيئة الجريمة؟
إبتعد النصّ عن إبراز صدام المرأة مع القوانين والدولة، واقتصر على صدامها مع المجتمع الذكوري. فأمثال سيف مثلاً، يتمتعون غالباً بوساطة سياسية تحميهم من المحاسبة من قضايا العنف، وهو ما لم نرَه في حالته. ولم تتواجه المرأة في «ع أمل» مع القانون نفسه، ولم نجِد الأجهزة الأمنية متأخرة في تلبية نداء النساء المعنفات، ولم نرَ معاناة المرأة مع المحاكم الشرعية في قضايا الحضانة بحرمانها من أطفالها.
أغفل المسلسل أنّ نواب الأمة، بل أحزابها ذكورية، فابتعد عن أصل المشكلة، وأظهر تداعياتها. والإبتعاد عن الأصل، قد يجعلنا نعلق في ذهنية أنّ المجتمع الذكوري وحده المدان.
ولنا أن نتعلم من مثال نائب حزب الله نواف الموسوي المستقيل أو المقال، لوقوفه مع قوانين تحمي إبنته المعنفة، أن لا مكان لإنصاف المرأة اللبنانية في عقلية الأحزاب اللبنانية. وأنّ من يناط بهم تنفيذ القوانين كمدير عام الأمن العام السابق، اللواء عباس ابراهيم، إنّما يتعسفون باستخدام السلطة، فينزعون أبناءهم من حضن أمهاتهم بالقوّة. فإلى من تلجأ النساء في لبنان؟

الذكورية: مولّدة العنف
حتى بعد طلاقها من زوجها سيف، بقيت ضحى (كارول عبود) تخشى تعنيفه لها، فلكل رجال بلدة «كفرحلم» سلطة عليها ولا سلطة لها على نفسها. 
نقلت كاتبة «ع أمل»، نادين جابر هذا الواقع البشع بعمق، فكان لضرب سيف لأجساد زوجاته صوت قاس على آذاننا، وكان لقتله أخته رهف، ذات العيون البريئة بدم بارد، ليس لشيء سوى لأنّها تزوجت من أحبته، وقع مرير على ضمائرنا، نحن العالمون بأنّ هذه الجرائم تحصل في لبنان، وبأنّ هناك نواباً يمتنعون عن منعها برفضهم إقرار قوانين رادعة للجريمة. 
وذهبت جابر أبعد، بانتقادها الذكورية، المحرك الأول للعنف، بأغانٍ أدخلتها على دور فرح، المغنية، إبنة يسار، كأغنية «إن شاء الله كل شي كان ع ذوقك والخدمة سريعة؟.."».
ويشهد للكاتبة، أنّها لم تعطِ يسار كمثال نسوي لا يخطئ، فقد أخطأت بإحدى القضايا التي تبنتها لصالح امرأة. ولم تجلد جابر الرجال بالعموم، فكان جلال (قام بدوره الممثل بديع أبو شقرا، )الرجل السند.

«نريد حلاً»
ونجحت الدراما اللبنانية للمرة الأولى، بجعل المشاهد يلتمس قساوة المجتمع الذكوري في حق النساء، في وضع العنف ضدّ المرأة ضمن منظومة مجتمعية متكاملة لها دينها وطقوسها وعاداتها ولكنتها، وهنا يكمن سرّ قوة هذا العمل الدرامي، ما جعل كلّ حلقة منه ابتداء من واقعة مقتل سيف لأخته رهف، «كابوسا» يمهد لكابوس الحلقة التي تليها، لتصدق جابر، بتوصيف بلدة كفرحلم بـ «كفركابوس»، على لسان بطلة المسلسل، يسار. 
وعلى الرغم من تفاديها ربط القضية بعمقها السياسي حتى الجذور، إلّا أنّها ارتقت بالعمل الدرامي لتشكيل لوبي نيابي ورأي عام ضاغط، ترجم بتقديم مشروع قانون لمناهضة العنف ضد النساء، الذي أعدّته جمعية كفى،وتبنته النائب بولا يعقوبيان، ووقع عليه النواب حليمة القعقور، نجاة صليبا، سينتيا زرازير، مارك ضو، فراس حمدان، ميشال الدويهي، ولا يصدف طبعا أنّهم جميعا، نواب من خارج المنظومة.
في «ع أمل» لم تمنع جريمة قتل بنات سيف على يد أبيهنّ، إلا بقتله على يد أخيه رباح، الساكت منذ عشرين عاماً على جريمة قتل أخته يسار التي باءت بالفشل. ويشبه رباح إلى حدّ كبير، جيل الحرب في لبنان، الساكت عن ارتكابات المنظومة، بما فيها الظالمة بحق المرأة، ليساهم هؤلاء الناخبون ببعض تلك الإرتكابات.
«يتغيّر، قانون ضدّ المنطق يتغيّر». هذا كلام الممثلة فاتن حمامة في دور درّيّة في فيلم «أريد حلاً» (عام 1975)، والذي أسهم في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر. لكن يبدو، أنّه لا تغيير لواقع النساء في لبنان، إلا بتغيير المنظومة.