قضية عمّال سبينس.. ظلم مستمر ونقابة تفرض وجودها
قضية عمّال سبينس.. ظلم مستمر ونقابة تفرض وجودها
لم يكونوا كثراً. وقف عمّال مصروفون من عملهم في «سبينس»، بعد أن تجرأوا منذ 12 عاماً على رفض ظلم إدارة مؤسسة، ذات رأسمال أجنبي، يوم اعتبرت أن رواتب الاجراء ترف، وقرارات الحكومة لزوم ما لا يلزم. أتى للتضامن معهم ناشطون وصحافيون ونقابيون وحقوقيون، ممن كانوا في صف الاجراء منذ اليوم الأول.
دعا مؤسسو نقابة عمّال سبينس لوقفة احتجاجية أمس، أمام فرع «سبينس» في مار متر - الاشرفية، تذكيراً بقضية العمال. وعلى الجهة المقابلة للطريق، وقف موظفو "سبينس" الحاليين، يشاهدون زملاءهم من بعيد، يطالبون بأدنى حقوقهم، عنهم و لأجلهم. في ظل حكم القلة المسيطرة، الخوف هو محرك الناس، وليس المبدأ والعدل. أتى النقابيون الأربعة، ميلاد بركات، إيلي أبي حنا وسمير طوق ومخيبر حبشي، الذين أخذوا على عاتقهم قضية عمّال سبينس منذ عام 2012، فيما تخوّف الموظفون من التضامن، كي لا يخسروا وظيفتهم.
عام 2018، إشترى حسّان عزالدين شركة «غراي ماكنزي ريتايل لبنان»، المالكة حقوق إدارة واستثمار العلامة التجارية «سبينس» في لبنان. وما تمثله من النموذج الإحتكاري المعتاد في الإقتصاد اللبناني.
في 15 من آذار، نشر عزالدين تغريدة، إحتفالاً بيوم العالمي لحقوق المستهلك، قائلاً «نجدّد التزامنا بالعمل باستمرار لحماية المستهلكين، وضمان حصولهم على كافة حقوقهم بما يتوافق مع النصوص التي أقرّها القانون الجديد». يلتزم عزالدين إلتزاماً كلياً بحقوق المستهلك، ويتغافل عن حقوق موظفيه، والمصروفين تعسفياً. وفي عيد العمال وجّه تحية إلى العمّال «تحية من القلب لجميع العاملين في مجموعة «غراي ماكنزي» في عيدهم. نشكركم في هذا اليوم على جهودكم المبذولة التي تعدّ ركيزة أساسية لنموّ مؤسستنا وتوفير الأفضل للمستهلك اللبناني. نقدّر تضحياتكم وتفانيكم في العمل كما نستمدّ من اندفاعكم، الإصرار للمضي قدماً بمشاريع جديدة تمهّد الطريق نحو مستقبل أفضل زاخر بالنجاح وفرص العمل».
إنّ االتقدير الظاهر للموظفين لديه، لم يمنعه من طرد 250 موظف تعسفياً بين عاميّ 2020 و2021، دون أي تعويض، فيما لا تزال رواتب العمّال متدنية، وظروف العمل غير ملاءمة، على حدّ قول الأجراء.
في حديث صحفي مؤخراً، يروي عزالدين كيف بدأ عمله في لبنان بدايةً مع سلسلة متاجر Grab n Go، ثمّ إشترى علامة «سبينس»، ولاحقاً علامة Happy، وحديثاً Monoprix وNokNok وعليه، بات عزالدين يسيطر على سوق البيع بالتجزئة، باستحواذه على أكبر الأسماء التجارية، وامتلاك القدرة للوصول إلى كل الفئات الإجتماعية، مما يحوله لأحد حيتان السوق، في وقت لا قوانين تحدّ من الإحتكار، وتقلّص المنافسة، لتصبح الشركات الكبرى قادرة على السيطرة على الشركات والمبادرات الصغيرة والمتوسطة، وتعزّز قدرة كبار المستثمرين على مراكمة الثروات والإستئثار بثروة المجتمع، دون وجود أي ضريبة على ثروتهم، لمنع تركزها بيد القلة، وتعزيز اللامساواة في المجتمع.
لدى «سبينس» اليوم 2500 موظف، معظمهم قانونيين، وقد ألزمتهم النقابة تسجيلهم في الضمان. ويقول عزالدين أنّ 90 في المئة من الموظفين إستمروا في وظائفهم بعد تبدّل الإدارة. لكن في المقابل لا يرى في قضية الأجراء المصروفين أي حاجة لحلها، وعرض دفع تعويض 10 أشهر وإقفال الملف.
يقول سمير طوق، في حديث لـ «بيروت تايم» أنّ الإدارة الجديدة لم تتجاوب مع النقابة وتحارب العمل النقابي في المؤسسة، إجتمع طوق مع عزالدين مرة واحدة وقدم طرحاً واحداً وهو تسديد عشرة أشهرتعويضاً عن الطرد التعسفي ، فيما القضية هي قضية رأي عام وحريات نقابية، وحرية العمال في التجمّع والدفاع عن أنفسهم وحقوقهم، والنقابة هي ضمانتهم.
خلال الوقفة الإحتجاجية، قال طوق «حيث نحن اليوم، لقد وقفنا منذ إثني عشر سنة لنعيد التأكيد على الحقوق، برفع الظلم عن النقابيين ميلاد، وايلي، ومخيبر وسمير ونطالب إدارة سبينس الإمتثال بالحق وبالدستور والقوانين اللبنانية والأحكام الصادرة ضدّها، لتحترم حريّة موظفيها النقابية وتعوّض للنقابيين عن التعسف الذي لحق بهم من خلال إعادتهم إلى العمل، ودفع تعويضاتهم كاملة من تاريخ صرفهم حتى اليوم، ورفع اليد عن العمل النقابي»، مؤكداً أنّهم سيقومون «التصعيد إلى حين تحقيق جميع المطالب والحقوق للعمال وبخاصة حرية العمل النقابي».
القضية عمرها 12 عاماً، يوم مضى وزير العمل السابق شربل نحاس مرسوم غلاء المعيشة في شباط 2012، ورفضت إدارة «سبينس» تطبيق المرسوم. حينها كانت إدارة المؤسسة تابعة «لمايكل رايتر» الذي رفض زيادة الأجور معتبراً أنّها ستؤدي إلى التضخّم وارتفاع الأسعار، وهدّد بطرد 30 في المئة من عمّال الشركة في حال أُلزِم بتطبيق المرسوم الحكومي.
إعتراضاً على قراره، قام 115 موظف بتوقيع عريضة في حزيران 2012، مطالبين الإدارة بتطبيق المرسوم . وبدأت معركة «رايت» وإدارة «سبينس» مع الرافضين ومع ممثلهم لدى الإدارة سمير طوق. الذي مورس عليه ضغط ، وأجبر على الإستقالة بعد أن تمّ نقله من فرع الضبية إلى فرع صيدا، قبل أن يصدر كتاب صرف بحقه بعد 7 أيام.
كانت هذه الحادثة الشرارة الأولى لإطلاق أول نقابة للأجراء منذ التسعينيات، وكانت عابرة للطوائف والمناطق، وحكماً لقد حاربتها جميع الأطراف، ولا يزال النقابيون ملاحقين حتى اليوم.
تؤمن النقابة الحماية القانونية للعاملين، وكانت أول خطوة لعرقلتها، تأخير رخصة التأسيس، وتسريب أسماء المؤسسين إلى إدارة «سبينس». وبعد إعلان رئيس الهيئة التأسيسية للنقابة ميلاد بركات إنشاء النقابة في مؤتمر صحافي، احتجز في أحد مكاتب الإدارة للضغط عليه، وإجباره على تقديم استقالته وعند رفضه ذلك، فصل من عمله.
قام المصروفون الثلاثة ميلاد بركات، إيلي أبي حنا وسمير طوق، بتقديم دعوى ضد «سبينس» ومديرها التنفيذي «بسبب منعه العمل النقابي داخل المؤسسة» وأصدرت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت رلى صفير، قرار بإدانة شركة «غراي ماكنزي رايتل» المالكة ل«سبينس» في 20 كانون الأول 2018، استناداً إلى المادة 329، التي تعاقب بالسجن من شهر إلى سنة لكل فعل «من شأنه أن يعوّق اللبناني عن ممارسة حقوقه المدنية بالتهديد والشدّة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل الإكراه المادي أو المعنوي». ونصّ قرار القاضية على سجن «رايت» لمدة شهر«مع وقف تنفيذ العقوبة بحقه في حال تسديده نصف قيمة المبالغ المحكوم بها لمصلحة المدعين الشخصيين خلال مهلة شهرين»، وغرّمت الشركة خمسة ملايين ليرة «على أن يوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها بحقها في حال قيامها بتسديد نصف قيمة المبالغ المحكوم بها لمصلحة المدعين الشخصيين»، وألزمت كلاً من «رايت» والشركة بدفع 40 مليون ليرة كتعويض لكل من المدعين بالتكافل والتضامن في ما بينهما.