موازنة 2025.. إجراء شكلي وخنق إضافي الإقتصاد

موازنة 2025.. إجراء شكلي وخنق إضافي الإقتصاد

  • ١٦ أيار ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

موازنة 2025، تهدف للمزيد من التقشف، وتخلي الدولة عن دورها الرعائي.

بدأ العمل في وزارة المال على موازنة عام 2025. واعلن وزير المال يوسف الخليل أنّ الوزارة ملتزمة تقديم موازنة 2025 في موعدها الدّستوري. واعتبر أنّ «دور الإدارات والمؤسّسات العامّة في الظّروف الّتي تمرّ بها البلاد، في التّخطيط والمساهمة في إعداد مشروع موازنة واقعي يلبّي الحاجات، ويأخذ في الاعتبار الإمكانات التّمويليّة»، مشدداً على أنّه "«ينبغي عدم تحميل موازنة العام 2025 أيّ أعباء إضافيّة يمكن الإستغناء عنها أو تأجيلها، لعدم إحداث أيّ حاجات تمويليّة تفوق قدرة الخزينة على تحمّلها، ما يقتضي إتخاذ إجراءات تقشفيّة تؤدّي هذا الغرض، مع دفع الخطوات الإصلاحيّة واستكمال ما بوُشر به في موازنة 2024؛ لجهة تعزيز الواردات بما يغطّي نفقات الخزينة ويحصّن الإستقرارَين المالي والنّقدي».

تأمل الموازنة الجديدة أن ترِث إنجازات الموازنة السابقة، وتصفير العجز صورياً، وإقرارها في موعدها الدستوري. ورغم أنّ هذه الإجراءات هي بديهية وليست إنجاز، تقدّم على أنّها مدخل مفترض لحل الأزمة، دون النقاش جدياً عن جدوى الموازنة، وتأثيرها على معيشة المواطنين.

الموازنة في أساسها، تهدف إلى خلق إستقرار مالي، وتؤثر على نوعية حياة العمال، والأسر، والمجتمعات، فهي تحدّد حجم الإنفاق على البنى التحتية والتعليم، والرعاية الصحية، والنقل العام، والخدمات العامة. وفي كل عام، يتخذ صناع القرار في الدولة خيارات حاسمة حول كيفية تقديم هذه الخدمات، وكيفية ضمان إيرادات الدولة الكافية لتمويلها.

لكن في لبنان، تأخذ الموازنة دوراً هامشياً، على إعتبار أنّها واجب قانونيّ، دون أهداف مالية جدية خلفها. وعوض أن تكون باباً للمحاسبة، عبر قطع الحساب، الذي يظهر ما إذا تمّ الإلتزام بالقرارت أم حصل الهدر، فيعاد إقرار الموازنات بمعزل عن كل هذه التدابير، لتفقد الموازنة أحد أبرز أدوارها. فضلاً عن أنّ الدولة ظلّت تعمل دون موازنات منذ عام 2006 حتى عام 2017.

وبعيداً عن شقها التقني، للموازنة دور سياسي يتعلق بدور الدولة ومؤسساتها في الحياة العامة، والمشكلة ليست بحجم المال الذي تضخه الدولة في الإقتصاد، بل بتراجعه. فزيادة الانفاق، تعني تحسين الخدمات العامة، التي يلجأ اليها من ليس بمقدوره تحمل كلفة الخدمة العامة، أي الفقراء والمعدومين. وغياب الانفاق عليها، يعني تهميش هذه الفئات أكثر، وتوسيع الهوة بين الفقراء والاغنياء، وتقليص حجم الطبقة المتوسطة، إلى حد القضاء عليها.

تحاول وزارة المال، ومن خلفها الحكومة، إقرار موازنة تقشفية بامتياز، في محاولة لضبط الانفاق، وبالتالي عدم البحث عن سبل لتأمين إيرادات إضافية، والتي يجب أن تأتي من جيب من يمكنهم أن يدفعوا. وهذا إجراء يتطلب نظام ضريبي عادل، ومحاربة التهرّب الضريبي، ليس فقط ضمن الفئات المعدمة الذين يتهربون من دفع فواتير الكهرباء مثلاً، بل أصحاب النفوذ الذين لا يسددون فواتيرهم، ويلجؤون إلى آليات ملتوية لعدم التصريح عن مدخولهم وممتلكاتهم.

يجب أن يعمل الإقتصاد في مصلحة الجميع، وعندما تقوم الدولة بجني الضرائب، ويفترض أن تصرفها على الانفاق العام. لا أن يضعها حاكم مصرف لبنان لديه، ويمنع الدولة من استخدامها، بهدف تثبيت سعر الصرف. كما أنّه في حساب الدولة لدى مصرف لبنان قرابة الـ 4 مليار دولار، لكن النغمة السائدة أن لا مال في الدولة لدفع الرواتب، وتأمين التعويضات لسكان الجنوب جراء الحرب وغيرها.

وقد ورد في تقرير البنك الدولي الجديد حول لبنان، أنّ الإيرادات الحكوميّة إزدادت من 6.1 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2022، إلى 15.3 في المئة في العام 2023، من خلال قرار المصرف المركزي الإمتناع عن تمويل الموازنة خلال النصف الثاني من العام 2023، ما أدى إلى الفائض في الموازنة (0.5 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي)، والفائض الأوّلي (1.6 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي) خلال العام 2023، إلى جانب إقرار موازنة 2024 وتغيير سعر صرف اللّيرة واحتياطات مصرف لبنان. 

المشكلة تكمن في أنّ الموازنات التي يتمّ إقرارها تهتم بمصلحة القلة فقط، وليس بمصلحة جميع المواطنين. ومع ذلك، يمكن تغيير هذا الوضع من خلال إعتماد سياسات إقتصادية ديناميكية تتبناها العديد من الدول. تهدف هذه السياسات إلى تحقيق توزيع أفضل للثروة وتعزيز عمل المجتمع بشكل عام. ومن أمثلة هذه السياسات هي فرض ضرائب عادلة تستهدف الأرباح، خاصة الأرباح المفاجئة، والثروة والأملاك غير المستثمرة، وتحفيز الوظائف الشاغرة.

إنّ الضرائب في لبنان ليست عادلة، إذ يدفع كل مواطن 18 في المئة كضريبة عند شراء أي سلعة، وتشكل الضرائب غير المباشرة 70 في المئة من إيرادات الدولة، بنسبة 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

أما الضرائب الأخرى، ومن ضمنها ضريبة الدخل على الأفراد والشركات، تشكل 6 في المئة من الناتج المحلي، في وقت تصل في الإقتصادات الأوروبية إلى 20 في المئة. وفي المجموع، يدفع الفقراء نسبياً أكثر من الأغنياء من الضرائب غير المباشرة والضريبة المضافة. 

في مشروع موازنة عام 2024، استثنت طبقة الأعمال من الضرائب والرسوم، والشركات من الضرائب على الأرباح المحققة من الأصول الثابتة المعاد تقييمها. كما خفضت ضريبة الأرباح على الإستثمارات العقارية، من 15 في المئة إلى 1 في المئة حتى نهاية عام 2026. 

إنّ خيار الحكومة بخفض الإنفاق وزيادات الضرائب، ليس أمراً مفيداً في إقتصاد مأزوم، ففي النظر إلى الامر بصورة أكبر، تظهر معاناة الشركات، فإن كان بوسعها إنتاج المزيد من السلع والخدمات، لا قدرة للمستهلكين على شرائها، وهذا مؤشر بسيط عما سيكون عليه وضع العرض والطلب على المدى البعيد.

كما تتبع وزارة المال سياسات «هربرت هوفر»، عبر محاولة موازنة الميزانيات في إقتصاد خامل على الرغم من الضرر الإقتصادي المفروض على المدى القصير. وعوضاً عن فرض ضرائب عادلة، تبحث الوزارة عن سبل لتقليص الإنفاق، لتحقيق التوازن.

وهكذا تقليص الإنفاق العام، يعني تقليص حجم الإقتصاد، مما ينعكس سلباً على الرغبة في العمل، والتراجع في عدد الوظائف، والتراجع في نوعية التعليم والصحة، ما يهدد مستقبل الأجيال صحياً وأكاديمياً.