مروحيّة رئيسي ومُراوحة رئيسنا
مروحيّة رئيسي ومُراوحة رئيسنا
من أين لنا كلّ هذه الدراية وبعد النظر والحكمة والتبصّر في الأمور غير اللبنانيّة؟
صحيح أنّه مجرّد انطباع، لكنّ يمكن الجزم بأنّ الإهتمام اللبنانيّ في حادثة سقوط مروحيّة الرئيس الإيرانيّ يعلو اهتمام مواطني الأخير أنفسهم. غريبٌ أمر اللبنانيّين. نظريّاتٌ، لا تُحصى، في تحاليل الأعطال وجغرافيا المكان والأحوال الجويّة والسياسيّة. نظريّاتٌ عن تدبيرٍ داخليّ أو تورّطٍ إمبرياليّ، فيما يجزم بعضهم بالقدر والقضاء. دلائلَ وتحقيقٌ، وحتّى أحكام. نظريّاتٌ كلّها جازمة. اللبنانيّون يفيضون درايةً في خبايا الحكم في إيران، وملمّون بأعمق أسرارها. فهُم، مثل عادتهم، يهتمّون بأمورٍ كثيرة، فيما المطلوب واحد: نظريّة تغيير الواقع اللبنانيّ الكارثيّ. وعلى عادتهم، أيضًا، تُفصح نظريّاتهم، بلا لبس، عن ميولهم السياسيّة.
«الأبله سقراط والفيلسوف اللبنانيّ»
غريب أمرنا نحن اللبنانيّون. نعير كلّ هذا الإهتمام لسقوط الرئيس الإيرانيّ وصحبه. ندخل في كلّ تفصيلٍ وسياق، فيما سقوط انتخاب الرئيس المزمن عندنا ساقطٌ إلى قعر سلّم أولوياتنا. لا نعرف أصلًا لما انتخابه معلّق ولا من يعيق حدوثه. نعرف حقيقة مقتل الرئيس كينيدي ورئيسي، ونجهل من قتل رئيسَيْنا. نبحث في أعقاب رحيل رئيس دولةٍ بعيدة. نستبق انعكاسات نتائج انتخاباتٍ رئاسيّة في دولة أبعد. ندرس تأثير كلّ حدث علينا. كل شيء يؤثّر على داخلنا اللبنانيّ إلّا ما يحصل داخل لبنان. نقولها. لا نستحي. نعرف كلّ ما يحدث في إيران وروسيا والصين أكثر ممّا يعرف أهل الأوطان تلك. وفي أمريكا، أيضًا، لا تفوتنا شاردة. نعرف كلّ ضارّة لحربَيّ أوكرانيا وغزّة، وكلّ نافعة، لكنّنا لا نعرف لما أبواب النافعة عندنا موصدة. نحن، المحلّلون اللبنانيّون، لا نتلهّى بصغائر البلد الصغير. منارةٌ نحن للشرق والغرب، لكنّنا نعيش في العتمة. لا نعرف لما الظلام عندنا دامسٌ، لكنّنا نورٌ للعالم. وعلى عكس الأبله سقراط، لا نعرف أنّنا لا نعرف شيئًا.
«الزلمي مرَوْحينو، ما أنا عم قِلَّك»
غريبٌ أمرنا نحن اللبنانيّون. من أين لنا كلّ هذه الدراية وبعد النظر والحكمة والتبصّر في الأمور غير اللبنانيّة؟ ماذا سيفعل الكوكب من بعدنا؟ لا يهمّ من فجّر مرفأ بيروت ولا من سرق أموالنا وأعمارنا وشطآننا وصحّتنا ومستقبلنا، لكنّنا، وفي ثوانٍ قليلة، كشفنا حقيقة سقوط المروحيّة. حقيقةٌ لا يُفترض أن تظهر. في الشمولية، مثل النظام الإيرانيّ، الحقائق تدوم مستترة. لكنّنا، وبكنوز المعرفة عندنا، كشفناها فور حدوثها. كشفناها قبل حدوثها، لكنّ أحدٌ، في العالم الجاهل هذا، لم يأخذ ليلي عبد اللطيف وميشال حايك ومايك فغالي وسمير طنب، من دون حفظ الألقاب، على قدرٍ كافٍ من الجدّيّة. ليست المصادر والمراجع ذي قيمة فعليّة… «الزلمي مرَوْحينو، ما أنا عم قِلَّك».