تبدو منافسة المدرب الاسباني بيب غوارديولا على ألقاب الدوري مهمة شبه مستحيلة. هذا ليس مبالغًا فيه، بل هو واقع، إذ نظراً لسجل المدرب منذ بداية مسيرته التدريبية عام 2008 وحتى عام 2024، حقق 12 لقباً، وجميعها في إطار الدوريات الخمس الكبرى.
ثلاثة ألقاب في الدوري الإسباني، وثلاثة في الدوري الألماني، وستة في الدوري الإنكليزي، أرقام تاريخية لم يحقّقها أي مدرّب آخر في تاريخ كرة القدم.
غوارديولا يمكن أن يتخلى عن أي شيء «من دون إرادته»، باستثناء لقب الدوري الذي ينافس عليه. إنّها القاعدة الوحيدة التي ينافس عليها بكل جدية.
المدربون الإيطالي أنطونيو كونتي والبرتغالي جوزيه مورينيو والألماني يورغن كلوب فقط تمكنوا من الفوز بثلاثة ألقاب دوري من أصل 15 تنافسوا عليها مع الإسباني، وهو إنجاز يعكس إرثه وهيمنته في عالم التدريب.
على مدار 15 موسما في مسيرته التدريبية، حقق غوارديولا لقب الدوري مع النادي الذي يقوده 12 مرة، مقابل خسارته في 3 مناسبات فقط (مرة مع برشلونة موسم 2011-2012 ومرتين مع مانشستر سيتي موسمي 2016-2017 و2019-2020).
ورفع غوارديولا عدد ألقابه في مسيرته إلى 38 لقباً متنوعاً، سواء في الملاعب الإسبانية أو الألمانية أو الإنكليزية. وجاءت أغلب الألقاب التي حقّقها غوارديولا مع مانشستر سيتي، حيث فاز معه بـ17 لقبا من أصل 35 بطولة حقّقها النادي في تاريخه (أي النصف تقريبا)، ويليه برشلونة برصيد 14 لقبا في 4 مواسم، ثم بايرن ميونيخ برصيد 7 ألقاب في 3 مواسم.
ويعتبر غوارديولا ثاني أكثر المدربين تحقيقاً للبطولات عبر التاريخ، بعد السير الإسكتلندي أليكس فيرغيسون، المدرب التاريخي لمانشستر يونايتد الذي توّج بـ49 لقباً. وبالتالي فإنّ غوارديولا، البالغ من العمر 53 عاما، يفصله 11 لقبا عن معادلة
فيرغيسون.
البداية من برشلونة
في 2008، تولى غوارديولا تدريب برشلونة خلفاً للهولندي فرانك رايكارد، وفي موسمه الأول (2008 – 2009)، حقق السداسية التاريخية معه. لقبه الإسباني الأول حققه برصيد 87 نقطة وبفارق 9 نقاط عن ريال مدريد، الذي اكتسحه بسداسية في كلاسيكو سانتياغو بيرنابيو بنتيجة 6-2، إلى كأس الملك والكأس السوبر الإسبانية ودوري أبطال أوروبا والكأس السوبر الأوروبية وكأس العالم للأندية.
في الموسم التالي، تعاقد ريال مدريد مع الغالاكتيكوس من بينهم كريستيانو رونالدو، لكن هذا لم يمنع غوارديولا من التتويج بالدوري الإسباني أيضاً موسم 2009 - 2010. وحقق غوارديولا اللقب بـ99 نقطة وبفارق 3 نقاط عن ريال مدريد بقيادة مانويل بيلليغريني، قبل أن يأتي جوزيه مورينيو في الموسم التالي.
وفي موسم 2010-2011، واجه غوارديولا تحدياً جديداً، تمثّل بوصول المدرب البرتغالي لتدريب ريال مدريد. علماً أنّ مورينيو أقصى برشلونة من دوري أبطال أوروبا في ذلك الموسم. لكن، وعلى الرغم من ذلك، تمكن غوارديولا من تحقيق لقب الدوري الإسباني للمرة الثالثة على التوالي برصيد 96 نقطة، متقدمًا على ريال مدريد بفارق 4 نقاط.
بدءا من موسم 2011-2012، واجه برشلونة صعوبات، فخسر لقب السوبر الإسباني أمام ريال مدريد. كما أُقصي من دوري أبطال أوروبا على يد تشلسي. وفي الدوري الإسباني، فقد برشلونة لقبه لصالح ريال مدريد الذي حقق 100 نقطة، بينما حلّ برشلونة في المركز الثاني بفارق 9 نقاط.
وبعد ذلك، قرر غوارديولا الرحيل عن برشلونة، تاركاً وراءه إرثاً عظيماً. فقد حقق مع برشلونة 14 لقبًا خلال أربع سنوات، من بينها 3 ألقاب في الدوري الإسباني ولقبين في دوري أبطال أوروبا. وخلال تلك الفترة، قدم برشلونة كرة قدم جميلة وممتعة، أُطلق عليها اسم «تيكي تاكا».
تجربة البايرن
بعد رحيله عن برشلونة، انتقل غوارديولا إلى بايرن ميونيخ، حيث شهدت بداية فترته سيطرة الفريق البافاري على لقب البوندسليغا. فقد توّج بلقب الدوري موسم 2012 - 2013 بقيادة يوب هاينكس بعد خسارة اللقب في الموسم السابق. وفي أول موسم له كمدرب للفريق، أحرز اللقب برصيد 90 نقطة وبفارق 19 نقطة أمام أقرب منافسيه بوروسيا دورتموند بقيادة يورغن كلوب.
وفي الموسم التالي (2013 - 2014)، حقق غوارديولا لقب الدوري الألماني مرة أخرى، على الرغم من خسارة الفريق 5 مباريات، إذ توج بالبطولة برصيد 79 نقطة وبفارق 10 نقاط عن فولفسبورغ.
وفي نهاية عام 2015، أعلن غوارديولا أنه سيرحل عن بايرن ميونيخ نهاية الموسم، لعدم تحقيق الفريق النجاح المطلوب في دوري أبطال أوروبا، لكنه أصر على تحقيق لقب الدوري الألماني المفضل لديه قبل رحيله. وفعلاً، تمكن من تحقيق اللقب مرة أخرى موسم 2015 - 2016 برصيد 88 نقطة وبفارق 10 نقاط عن بوروسيا دورتموند الوصيف.
غوارديولا في إنكلترا
في عام 2016، تولّى غوارديولا مسؤولية تدريب مانشستر سيتي، أحد أندية الدوري الإنكليزي الممتاز المملوك إماراتياً. وجاء غوارديولا إلى مانشستر، وكان يُعرف بـ «ملك الألقاب» و«إمبراطور الدوريات» لما حقّقه من إنجازات إستثنائية في إسبانيا وألمانيا.
في موسمه الأول، 2016-2017، بدأ غوارديولا بشكلٍ قوي، ففاز سيتي بأول 6 مباريات متوالية. ومن بين تلك المباريات، حقق سيتي فوزاً هاماً على يونايتد في دربي مانشستر. لكن، سرعان ما واجه غوارديولا صعوبات، إذ خسر مانشستر سيتي أول مباراة له أمام توتنهام بقيادة ماوريسيو بوكيتينو. وتوالت النتائج السيئة، فتعادل سيتي مع إيفرتون وساوثمبتون وميدلزبره.
وبدأت الصحافة الإنكليزية تنتقد غوارديولا وتسخر منه، معتبرةً أنّه لم يُدرك صعوبة الدوري الإنكليزي.
في الموسم التالي (2017 – 2018)، بدأ المدرب الاسباني مشوار الثأر والانتقام من الجميع، كل من سخر من غوارديولا تحوّلت سخريته لإشادة، بعدما صنع ما لم يصنعه أي مدرب في تاريخ الدوري الإنكليزي. فقد توّج بيب في نهاية الموسم ببطولة الدوري برصيد 100 نقطة، وهو ما لم يفعله أي مدرب في تاريخ البطولة، وبفارق 19 نقطة عن أقرب منافسيه مانشستر يونايتد. لكن، على الرغم من ذلك، واجه غوارديولا صعوبات في تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا مع مانشستر سيتي.
وفي موسم 2018 – 2019، توّج مانشستر سيتي ببطولة الدوري برصيد 98 نقطة، وبفارق نقطة واحدة فقط عن ليفربول. وهذا الإنجاز يُعد استثنائيًا، إذ لم يسبق لأي فريق في تاريخ الدوري الإنكليزي أن حقق لقب الدوري بفارق نقطة واحدة فقط.
في موسم 2019 - 2020، تأثرت كرة القدم بـ«فيروس كورونا»، لكن ليفربول لم يتأثر، وحقّق أول لقب دوري إنكليزي ممتاز في تاريخه منذ 30 عاماً، عندما وصل الى 99 نقطة وحسم اللقب بفارق 18 نقطة.
صراع غوارديولا وكلوب
لكن، سرعان ما عاد مانشستر سيتي بقوة في الموسم التالي، 2020-2021. فقد حقق سيتي لقب الدوري الإنكليزي للمرة الخامسة خلال 6 سنوات، وذلك بعد موسم سيطر فيه سيتي وحقق 86 نقطة.
في موسم 2021 - 2022، تكررت المنافسة بين غوارديولا وكلوب، وحتى الأنفاس الأخيرة، ريمونتادا السيتي ضد أستون فيلا، أحبطت الريدز ضد ولفرهامبتون في الجولة الأخيرة، ليحقق بيب اللقب برصيد 93 نقطة وبفارق نقطة واحدة عن ليفربول.
في موسم 2022 - 2023، ظهر منافس جديد، مشروع جديد بقيادة تلميذ غوارديولا، ميكيل أرتيتا، لكن بيب رفض أن يتفوق التلميذ على الأستاذ، وحسم اللقب بـ 89 نقطة بفارق 5 نقاط عن الغانرز.
في هذا الموسم، أحرز سيتي ثلاثية تاريخية بفوزه على إنتر 1-0 في نهائي دوري أبطال أوروبا في إسطنبول، بهدف لرودريغو على ملعب أتاتورك الأولمبي. الفوز على إنتر أُضيف الى دوري أبطال أوروبا والدوري الممتاز وكأس الاتحاد الإنكليزي.
وبات غوارديولا أول مدرب يحقق الثلاثية الأوروبية مرتين (برشلونة 2009 وسيتي 2023).
وفي الموسم الحالي، 2023-2024، دوَّن مانشستر سيتي اسمه في تاريخ كرة القدم الإنكليزية بعدما بات أول فريق يتوج بلقب الدوري للمرة الرابعة توالياً، وذلك بفوزه على ضيفه وست هام 3-1 في المرحلة الثامنة والثلاثين والأخيرة، منهياً الموسم بفارق نقطتين أمام أرسنال.
وبإمكان غوارديولا إضافة لقب جديد إلى خزائنه هذا الموسم، حين يلعب مباراته الأخيرة أمام مانشستر يونايتد السبت المقبل في نهائي كأس الاتحاد الإنكليزي.