إلغاء تجريم القدح والذم.. مسار هل يكتمل؟

إلغاء تجريم القدح والذم.. مسار هل يكتمل؟

  • ٠١ حزيران ٢٠٢٤
  • إلياس معلوف

كثر الحديث عن إلغاء تجريم القدح والذم في القوانين اللبنانية ما قد ينسحب على قانون الإعلام الجديد...


يعود مسار إقتراح قانون جديد للإعلام إلى العام 2010، حيث قُدم في 26 تشرين الثاني/نوفمبر وحمل الرقم 441/ 2010، وأنهت لجنة الاعلام والاتصالات درسه بعد ست سنوات كاملة في العام 2016، فأحيل إلى لجنة الإدارة والعدل برئاسة النائب جورج عدوان، وبعدها توقف التواصل، ودخل لبنان عام 2019 في أزمة اقتصادية خانقة، ولم يتحقق وعد عدوان بإنهاء مناقشات الاقتراح وإحالته إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي قبل نهاية العام.

واليوم كثر الحديث عن إلغاء تجريم القدح والذم في القوانين اللبنانية ما قد ينسحب على قانون الإعلام الجديد. لكن وللأسف، يزداد رفض  السلطة للنقد وتتسلح بقوانين التحقير والقدح والذم الجزائية اللبنانية لمضايقة وترهيب وإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والصحفيين، وإقفال الباب أمام أي نقد قد يسلط الضوء على فساد الأداء السياسي والإداري  المستشري.

يعيق هذا التهديد المعارضة السلمية ويحدّ من قدرة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنشطاء وغيرهم على العمل بشكل مستقل والتحدث علنًا عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية المحورية. في الوقت الذي يعد فيه النقاش العام أمرًا بالغ الأهمية في لبنان الذي تفتك به الاضطرابات الاقتصادية والسياسية، وخصوصًا في ظلّ تقاعس القضاء عن محاسبة المسؤولين عن الأزمات المتعددة وانتهاكات حقوق الإنسان.

ورأى جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، أنّ قوانين القدح والذم الجزائيّة هي سلاح فتّاك بيَد من يُريد إسكات الانتقاد والنقاش بشأن القضايا الاجتماعية والحقوقية الملحّة في هذه المرحلة المفصلية، وينبغي على المسؤولين اللبنانيين حماية حرية التعبير وليس خنقها. وفي جميع القضايا الجزائية المتعلقة بالقدح والذم، التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، تصرّفت السلطات بطرق أشارت إلى تحيّز لصالح الأفراد النافذين الذين رفعوا الدعاوى، حيث أُسيء استخدام قوانين القدح والذم كأداة للقمع وبطريقة انتقائية.

 

هذا وتتذرع السلطة اللبنانية دائمًا بقوانين التحقير والقدح والذم لتحجيم الكلمة الحرّة ومحاربة كاشفي الفساد عبر فرض أحكام بالسجن. هذا ويعاقب المتهم بتحقير رئيس الجمهورية أو العلم أو الشعار الوطني بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين، كما يُجيز بالحبس لمدّة سنة كلّ من يقوم بالتحقير والقدح والذمّ بحقّ الموظفين العموميين، استنادًا إلى المواد 383 حتى 386 منه، في حين يجرّم قانون القضاء العسكري تحقير العلم أو الجيش، ويعاقب عليه بالحبس حتى ثلاث سنوات.


ويُعوّل المجتمع المدني والناشطون على تعديل القوانين المجحفة في حقّ الصحافيين وكاشفي الفساد، خصوصًا في ما يتعلق بإلغاء الأحكام الجزائية التي لا تزال تعتبر من البنود الخلافية حتى الساعة، ويتخوف البعض من الإبقاء على هذه الأحكام كما جاءت في النسخة الأخيرة المقدّمة من اقتراح القانون وعدم استبدالها بأحكام مدنيّة.

إستدعاءات سابقة

يكفل الدستور اللبناني الحرية بالتعبير عن الآراء كافة »ضمن دائرة القانون« إلا أنّه في السنوات الأخيرة بدا واضحًا كيفية استغلال السلطة اللبنانية قوانين القدح والذم بشكل فاضح ومتزايد لكمّ الأفواه والتضييق على الحريات والتعامل مع الكلمة على أنّها عدوّ يلزم مجابهته بالقوة والعنف.

وشهد لبنان في الفترة الأخيرة حملة استدعاءات واسعة للصحافيين. ففي 30 آذار 2023، اعترض عنصران من جهاز أمن الدولة طريق الصحافي جان قصير، مؤسس موقع »ميغافون«، لإبلاغه بوجوب حضوره إلى مديرية التحقيق المركزي في المديرية العامة لأمن الدولة على خلفية منشور بعنوان »لبنان يحكمه فارون من العدالة.
 
وفي 31 آذار 2023، استدعى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية الصحافية لارا بيطار، رئيسة تحرير موقع »مصدر عام«، للتحقيق معها، بناء على شكوى من حزب "القوات اللبنانية" على خلفية تناولها قضية النفايات السامّة في مقال نُشر على الموقع قبل نحو ثمانية أشهر.
 
وفي 3 نيسان 2023، تمّ استدعاء قصير مرّة أخرى إلى المديرية العامة لأمن الدولة بناء على إشارة من القاضي عويدات. وفي ٤ نيسان، أعلنت منصة ميغافون أنها أُبلغت بوقف إجراءات التحقيق بحقها.
 
كذلك حكمت محكمة في تموز 2023 على الصحافية ديما صادق بالسجن لمدة عام وتغريمها 110 ملايين ليرة لبنانية (أي ما يعادل 1200 دولار أميركي بسعر السوق) بتهم إثارة النعرات الطائفية والقدح والذم بعد أن انتقدت أعضاء حزب سياسي على موقع »إكس«.

ما هو التشهير؟

التشهير هو أي تعبير، باللفظ أو الكتابة، يُشارَك مع شخص آخر أو أكثر، ما قد يؤدي إلى الإضرار بسمعة شخص آخر أو مؤسسة أخرى. اعتمدت معظم الدول شكلًا من أشكال قوانين التشهير لحماية الأفراد والمؤسسات من الهجمات غير المبررة على سمعتهم، إلا أنّ قوانين التشهير والتحقير في لبنان لا تتماشى مع التزاماته بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وعادةً ما تُستخدم من قبل السلطات والأفراد ذوي النفوذ لمضايقة وترهيب ومعاقبة الأفراد الذين ينتقدونهم.

تجرّم القوانين اللبنانية، وتحديدًا قانون العقوبات وقانون المطبوعات وقانون القضاء العسكري، التشهير والتحقير بما في ذلك ضد موظفي المؤسسات العامة والمسؤولين والقضاة ورئيس الدولة والعلم والجيش والدول الأجنبية. هناك نوعان من التشهير في القانون اللبناني: الذم والقدح. يُعرِّف قانون العقوبات الذم بأنه نسبة أمر إلى شخص أو مؤسسة مما ينال من شرفه أو كرامته. ويُعرِّف القدح بأنه كل لفظة ازدراء أو سباب أو كل تعبير أو رسم يشفان عن التحقير يعدّ قدحًا إذا لم ينطوِ على نسبة أمر ما.