العودة لساغان.. الأرض ملاذنا الأخير

العودة لساغان.. الأرض ملاذنا الأخير

  • ٠٦ حزيران ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

يوم يجلس رجل علم أمام قادة أقوى دولة في العالم، يجعل من خطابه لحظة محورية في تشكيل وعي الجماهير حول تغيّر المناخ، ووضع الأساس للحركة البيئية الأوسع في أواخر القرن العشرين.

عام 1985، جلس عالم الفيزياء الفلكية وعالم الكونيات كارل ساغان أمام الكونغرس الأميركي، منبهاً من الأخطار الوشيكة للتغير المناخي وتأثير الاحتباس الحراري.

فسّر ساغان ماهية الإحتباس الحراري وتأثيره على غلاف الأرض الجويّ، معدداً العواقب غير القابلة للعكس، من ذوبان الأغطية الجليدية، وارتفاع مستويات سطح البحر، وزيادة تواتر الأحداث الجوية القاسية. مشدداً على ترابط القضايا البيئية من التغير المناخي، وإزالة الغابات، والتلوث، مشيراً إلى أنّ معالجة قضية واحدة دون النظر الى الأخرى يُعد نهجاً قصير النظر. داعياً إلى التعاون الدولي إلى معالجة التغير المناخي، معترفًا بأنّ القضية تتجاوز الحدود الوطنية. وجادل بأنّ على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة في الجهود الدولية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، لأنّ من لا يشعر الآن بخطر الازمة، ستتحمل أجيال عواقبها.

وحذّر عدد من الباحثين اليوم، في مجلة بيانات نظام الأرض العلمية (إرث سيستم ساينس داتا)، من ارتفاع حرارة الأرض، الناجم عن النشاط البشري الذي بلغ «مستوى غير مسبوق»، والفترة الزمنية المتاحة للحد من إرتفاع الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية تضيق.

في كانون الأول عام 2015، وافقت 193 دولة على إتفاق باريس، الذي يهدف إلى تحقيق صفر إنبعاثات بحلول عام 2050، وإلتزمت به بريطانيا والنرويج وفرنسا ونيوزيلندا. كما باتت 189 طرفاً من خلال إيداع صكوك التصديق أو القبول أو الموافقة أو الإهتمام لدى الأمم المتحدة.

ينصّ الإتفاق على الحد من إرتفاع معدل درجات الحرارة عالمياً، عند مستوى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة. وتعهّدت الأطراف إلى الوصول إلى ذروة عالمية لانبعاثات غازات الدفيئة، والإنخراط على أساس طوعي في نهج تعاوني ينطوي على إستخدام نتائج التخفيف المنقولة دولياً في اتجاه المساحات المحددة وطنياً.

كما اتفقت على تمويل المناخ، وهو تمويل الأنشطة التي تهدف إلى التخفيف من آثار تغيّر المناخ أو التكيف معها، والحد من الإنبعاثات وتعزيز مصارف الغازات الدفيئة ويهدف إلى الحد من ضعف النظم البشرية والبيئية، والحفاظ عليها وزيادتها في مواجهة التأثيرات السلبية لتغير المناخ، ذلك عبر الأنشطة ،أو البرامج، أو المشاريع، التي تهدف إلى المساعدة في معالجة تغير المناخ: سواء للتخفيف أو التكيف، في جميع القطاعات الإقتصادية، في أي مكان في العالم.

يشمل التمويل الأموال المتدفقة من الأصول والأنشطة ويستبعد نشاط الأسواق المالية، مثل القروض المصرفية للشركات أو الإستثمارات في الأسهم الخاصة والعامة.

في عام 2022، وقبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP27، قامت اللجنة الدائمة المعنية بالتمويل بمراجعة التعاريف المتعلقة بتمويل المناخ. ومع ذلك، فإنّ الخلافات بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية حول هذه القضية أعاقت التوصل إلى اتفاق بشأن الوثائق والمنهجيات الخاصة بالهدف المالي الجماعي. وكان الخلاف حول «إتساق» أو «مواءمة» التدفقات المالية مع أهداف المناخ العالمي.

فيما مؤتمر COP 28 أقرّ إتفاق تاريخي لتوفير تمويل «الخسائر والأضرار» للدول الضعيفة، ولكن بعد إطلاق الصندوق في اليوم الأول، فإنّ العديد من القرارات الأخرى في مؤتمر الأمم، جعلت القرار يبدو وكأنّه تنازل رمزي أكثر من كونه عملاً حقيقياً. كما اجتذب المؤتمر أكثر من 97 ألف شخص، بما في ذلك 2456 من جماعات الضغط المدافعة عن الوقود الأحفوري، والتي فاق عددها تقريباً جميع وفود الدول الفردية.

لكن هل فعلاً تسعى الدول، المسبّبة لمشاكل المناخ، إلى إيجاد حلول؟ بحسب تقرير اللجنة الدائمة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ الذي نُشر في تشرين الأول 2022، بلغت تدفقات تمويل المناخ العالمي، 803 مليار دولار أمريكي سنوياً، في المتوسط في الفترة 2019-2020، أي بزيادة قدرها 12 في المئة عن الفترة بين 2017-2018.

لا تواجه جميع البلدان نفس المستوى من المسؤولية فيما يتعلق بأزمة المناخ. وفي وقت يتعين على أكبر الملوثين أن يتخذوا الإجراءات اللازمة للحد من انبعاثاتها الكربونية، وتعويض بصمتها الكربونية من خلال دعم المشاريع البيئية في جميع أنحاء العالم، لكن تلعب مجموعات الضغط دوراً في عرقلة تسريع المفاوضات لأخذ الإجراءات اللازمة لمعالجة أزمة تغير المناخ.

فهناك تحديات بيئية أساسية أمام الدول، وهي ظاهرة الإحتباس الحراري من الوقود الأحفوري، وسوء الإدارة، وهدر الطعام، وفقدان التنوّع البيولوجي، والتلوّث البلاستيكي، وإزالة الغابات، وتلوّث الهواء، وذوبان القمم الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمّض المحيطات، والزراعة، وإنعدام الأمن الغذائي والمائي، والموضة السريعة وهدر المنسوجات، والصيد الجائر، وتعدين الكوبالت، وتدهور التربة.

يتتبع مؤشر أداء تغيّر المناخ السنوي (CCPI) عام 2021، أنّ الأداء المناخي لأكبر 60 دولة ملوثة في العالم، بالإضافة إلى الإتحاد الأوروبي، المسؤولين معاً عن 92 في المئة من جميع الإنبعاثات العالمية. وبحسب المؤشر الدول الأقل تصنيفاً من حيث إلتزام بتخفيض درجات الحرارة هي: الولايات المتحدة، روسيا، ماليزيا، أستراليا، كوريا، تايبيه الصينية، كندا، إيران، المملكة العربية السعودية، وكازاخستان.

يعود إنخفاض تصنيفهم لعدة أسباب، فالولايات المتحدة حصلت على درجات «منخفضة للغاية»، في فئات الإنبعاثات، واستخدام الطاقة، والطاقة المتجددة، ولكنها حصلت على درجات «متوسطة» في سياستها المناخية بسبب تعهد الرئيس جو بايدن بخفض مستويات الانبعاثات إلى النصف بحلول عام 2030. أما أداء أستراليا فكان سيئاً بشكلٍ خاص، حيث جاءت في المرتبة الأخيرة في فئة «سياسة المناخ»، والمرتبة 58 من أصل 64 بشكلٍ عام.

ومن حيث الدول التي حققت أداءً أفضل، كانت المراكز العشرة الأولى في الترتيب هي: الدنمارك، والسويد، والنرويج، والمملكة المتحدة، والمغرب، وتشيلي، والهند، وليتوانيا، ومالطا، وألمانيا.

وعلى الرغم من أنّ التغيّر المناخي يؤثر على كل بلد في العالم، لكن أضراره تواجهها البلدان النامية، والأماكن التي ينتشر فيها الفقر على نطاق واسع، والبلدان التي لديها حكومات غير فعالة. والدول الأكثر تعرضاً لتغيّر المناخ، هي: نيجيريا، هايتي، اليمن، مانيلا، كيريباتي، والإمارات العربية المتحدة.

وعوضاً عن العمل الحثيث لحل كارثة آتية على أجيال، تقوم الحكومات بالترويج للحل الفردي، أي إرشاد المواطنين على استخدام فلاتر في السيارات، أو إعادة التدوير وزرع أشجار، بدل من تخفيف من حدّة الصناعة، والحد من استخدام الطائرات الخاصة، ووقف تدمير الغابات لغايات مالية ولتهجير السكان الأصليين.

في كتابه «كوكب الأرض نقطة زرقاء باهتة» الصادر عام 1994، كتب ساغان رسالة تنبيه لسكان الأرض «كوكبنا، هو ومضةٌ وحيدة، في فراغٍ كونيٍّ مظلم. خلال وجودنِا في هذا الظلام الهائل، لا نمتلك أيَّ دليلٍ بأن مساعدةً ستأتي يوماً من الخارج، لإنقاذنا، من أنفسنا. للآن، الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يمكنه إحتضان الحياة، ولا يوجد أيُّ مكانٍ –على الأقل خلال الفترة القريبة هذه- يمكننا الرحيل إليه. ربما يمكننا زيارة الخارج، أما البقاء خارجَ الأرض! فليس ممكناً بعد. سواءٌ أعجبتك الفكرة أم لا؛ هذا الكوكب: هو مصيرنا».