النواب يبيعون أملاك الدولة.. إنقاذاً للمصارف على حساب المجتمع

النواب يبيعون أملاك الدولة.. إنقاذاً للمصارف على حساب المجتمع

  • ١٦ حزيران ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

مجلس النواب يعمل على خصخصة أصول وأملاك الدولة، لانقاذ المصارف من ازمتها، عوضاً عن تحميلها مسؤولية فشل صفقة بين المصارف ومصرف لبنان، على حساب المجتمع وامواله وثروات أجياله.

في اللجان المشتركة في مجلس النواب، ثلاثة مشاريع قوانين لبيع أصول الدولة، بهدف تسديد أموال المودعين. في الظاهر يبدو الطرح واعداً، لمن خسر أمواله في المصارف. لكن في الواقع، يتم رهن أموال وأملاك المجتمع بأسره، لعدم تحميل المصارف مسؤولية الإنهيار، التي تسبّبت به مع مصرف لبنان، وبغطاء من الحكومات المتعاقبة.

ما يجمع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحركة أمل ونواب التغيير، هو إتفاقهم على حماية المصارف على حساب المجتمع وثروته.

القانون الأول تقدّمت به حركة أمل، وهو «إقتراح قانون يرمي الى حماية الودائع المصرفية المشروعة وإعادتها الى أصحابها». بحسب القانون المقترح، «يمنع منعاً مطلقاً على أي من الحكومة أو مصرف لبنان أو المصارف العاملة في لبنان إتخاذ أي قرار أو القيام بأي إجراء أو تصرّف من شأنه المس بالودائع المصرفية أو الإقتطاع منها أو الحسم من قيمتها الحقيقية أو تغيير نوعها بأي شكل كان أو إلغاء إلتزامات المصارف لدى مصرف لبنان أو سداد الودائع بغير قيمتها الفعلية، ويعتبر الإجراء أو التصرّف الحاصل بهذا الخصوص، أياً تكن طبيعته، باطلاً وكأنّه لم يكن». 

يقترح القانون إنشاء هيئة مستقلة للمراقبة والإشراف، والعمل على تفعيل المرافق العامة، أو شركة مملوكة من الدولة، كما مراقبة الإشراف على كيفية إجارة أملاك العامة والخاصة للدولة، وإستثمارها وتحسين مداخيلها ورفع قيمتها السوقية. وإجراء مزايدة عمومية عالمية لإدارة كل مرفق، أو قطاع من المرافق العامة، أو القطاعات وفقاً لإجراءات قانون الشراء العام في لبنان، رغم غياب المراسيم التطبيقية، فلا آلية واضحة لتنفيذ سير القانون.

وعلى الرغم من نيته إستخدام أصول الدولة لإعادة أموال المودعين، يقترح القانون إعادة هيكلة المصارف وإعادة رسملة مصرف لبنان، علماً أنّ هذا هو الطرح الذي أدرج في مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف وإعادة الإنتظام المالي، الذي ضغطت المصارف وأحزاب المنظومة لاسقاطه. خاصة أن إعادة الهيكلة هو مدخل لاعادة ما تبقى من أموال المودعين، دون الحاجة إلى بيع أصول الدولة. 

كما يفترض من المصارف التي استفادت من الهندسات المالية أن تعيد الى مصرف لبنان قيمة المبالغ التي تلقاها بالدولار الأميركي نقداً. لكن القانون يخدم المصارف بشكل أساسي، وينصّ القانون على استرجاع المصارف من الدولة قيمة الضرائب التي دفعتها عن الأرباح الناتجة عن هذه الهندسات، ذلك عوضاً عن فرض ضريبة على الربح المفاجئ، وفي حالة الهندسات يمكن أن تصل إلى 100 في المئة.

ويهدف القانون إلى دفع الودائع على مدة 15 عاماً، وتسدّد الودائع غير المؤهلة على سعر صرف يحدده مصرف لبنان، على أن لا يقل عن نصف سعر الدولار الأميركي في السوق، أمّا الودائع المؤهلة فتسدّد بالدولار الأميركي أيضاً على مدة 15 عاماً. وفي حال عاد المصرف الى وضعه الطبيعي، يسدّد الودائع على مدى أقصاها 3 سنوات.

يُمنع شطب الودائع على اعتبارها ملكية خاصة، وهذا يحمي الودائع الكبيرة، والتي استفادت من النموذج المالي والنقدي الذي إتُبع منذ تسعينيات القرن الماضي.

يعتبر القانون أنّ الدولة إستدانت من مصرف لبنان أموال المودعين، التي أودعتها المصارف في مصرف لبنان، وعليه يقع على الدولة واجب إعادة هذه الأموال الى أصحابها، وتحميل جميع المواطنين خسارة المصارف، على اعتبار أنّ الجميع إستفاد من الدعم. 

لكن في دراسة الإقتصادي توفيق كسبار «الإنهيار المالي في لبنان: دراسة تشريحية» الصادرة في تشرين الأول 2020، خلص فيها إلى أنّ «الحكومة هي من يقرض مصرف لبنان أموالاً بالعملات الأجنبية وليس العكس. والنتيجة المستخلصة تتعارض بالتالي مع الخطاب السائد ومفاده أنّ سبب الإنهيار المالي هو الدين الحكومي واقتراض الحكومة من مصرف لبنان». وبحسب كسبار، 17.5 مليار دولارهي قيمة الأموال التي أقرضتها الدولة لمصرف لبنان بين عاميّ 2009 و2019، فيما عمل مصرف لبنان إلى بيع اليوروبوندز في السوق، ولاحقاً باعها للمصارف، فيما المصرف المركزي أقرض الدولة 13 مليار دولار، وعليه تكون الدولة قد أقرضت المصرف 4.5 مليار دولار.

أما ما يخص إقتراح التيار الوطني الحر، فينطلق من فكرة الشراكة بين القطاع العام والخاص، في إدارة الأصول واستثمارها، ليصل إلى بيع جزء من أسهم الشركات للقطاع الخاص، على أن تذهب 30 في المئة من عائدات الصندوق الى مؤسسة صمان الودائع لتسديد ديون المودعين. وتُحوّل الى الصندوق أصول الدولة بعد تشركتها، وتعهد إليه إدارة هذه الأصول دون الخضوع لأي أي شكل من اشكال الوصاية.

أما إقتراح القوات اللبنانية فينطلق من فكرة شيطنة القطاع العام، ويعتبر أنّ إدارة هذه الأصول أو القطاعات يجنب خصخصتها بشكلٍ متسرّع، على أن يتم تسديد دين الدولة وتحديداً مصرف لبنان والحكومة اللبنانية. ورغم الإشارة إلى إبقاء مالية المؤسسات للدولة، يقترح المشروع التقليل من نسبة ملكيتها، أما في بند آخر فيقترح تعديل في ملكية المؤسسات الموضوعة تحت إشراف الدولة وإدارتها، وفي بند حقّ التصرّف يقترح الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو الخصخصة ذلك بموجب قانون صادر عن مجلس النواب.

ويبقى فقط مشروع كتلة التنمية والتحرير، الذي تحدّث عن مسؤولية المصارف وخسائرها، لكنه اتفق مع مشاريع التيار والقوات، في تحميل الدولة المسؤولية الأساسية للإنهيار. لكن عندما نتحدث عن الدولة، تحديداً ماليتها، يجب الإدراك أنّ ماليتها تعني جيبة المواطن، فالدولة تؤمن وارداتها من الضرائب أو الإستدانة. وعليه يطلب من جميع المواطنين، مودعين وغير مودعين، ولأجيال قادمة، وأجيال سابقة، تحمل كلفة صفقة فاشلة بين المصارف اللبنانية ومصرف لبنان.

بحسب حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، بلغ عدد المودعين حتى نهاية عام 2017، 3 ملايين، فيما عدد السكان وصل إلى نحو 6 ملايين، أي ان نصف المجتمع ليس من المودعين، وسيتحمل كغيره ثمن الإنهيار.كما أنّ  مشاريع القوانين المطروحة لم تأتِ على ذكر الأرباح المتأتية من الفوائد على الودائع، التي إستفاد منها 10 في المئة من المودعين، حيث أنّ 0.8 في المئة من المودعين، أي 24 الف حساب، يستأثرون بأكثر من نصف الودائع، وهم من يملكون ودائع بأكثر من مليون دولار.

فيما شيطنة القطاع العام، تصل إلى حد بيعه، يعني إلغاء مبدأ الخدمة العامة، التي يلجأ إليها من هو غير قادر على تحمل ثمن الخدمة الخاصة، ليصبح التعليم والصحة والنقل والسكن والتواصل، ترف وليس حق. وعند خصخصة الأملاك العامة، ستخضع حتماً لآليات السوق، أي العرض والطلب، وفي غياب أي نوع من الرقابة وضوابط للأسعار، وغياب قوانين تمنع الإحتكار، ستصبح أسعار هذه الخدمات خيالية، وتخسر جوهرها كخدمة عامة.

فتحميل كل المجتمع وزر الأزمة، يعزّز اللامساواة بين المواطنين، واعتبار أنّ الجميع إستفاد من نظام السياسات المصرفية السابقة، فيه الكثير من التضليل، والقول أنّ الجميع إستفاد من الدعم،  ينكر عن قصد الأرباح التي حققها التجار والمحتكرون. 

 كما هناك نوع من الخفة باعتبار أنّ إدارة جميع أملاك الدولة، هو أمر متشابه، ويمكن لمؤسسة واحدة القيام به، كما ينمّ عن مخاطرة كبيرة، إذ أنّ وضع جميع هذه الأملاك في مكان، يرفع من نسبة خطر الفشل، أي أنّهم لم يتعلموا من الدرس السابق، حيث وضعت أموال المودعين لدى مصرف لبنان، وعندما أفلس، خسرت جميع المصارف.

وإن كانت النية جيّدة، فالارقام تقلّل من تفاؤلها. في دراسة للباحث الاقتصادي البير كوستانيان، صدرت في كانون الثاني 2021، بعنوان «خصخصة أصول الدولة اللبنانية – لا حلول سحرية للأزمة»، والصادرة عن مركز عصام فارس للدراسات في الجامعة الأميركية في بيروت، وفي سيناريو متفائل، إنّ المردود المالي لكلّ شركات الدولة لا يصل الى المليار دولار، فيما الودائع هي 90 مليار دولار، وفي أفضل تصوّر، عند تعيين أفضل إدارة وإرتفاع المردود 50 في المئة، وهو سيناريو غير طبيعي، وحصّلت الدولة 500 مليون دولار كربحٍ صافٍ إضافي للدولة، هي بحاجة الى 200 عام لإعادة الأموال.

الصندوق السيادي أو الإئتماني، يهدف إلى تعويض خسائر المصارف وتعويمها من جديد، وليس إعادة أموال المودعين، ويراد من إستثمار أصول الدولة، رفع قيمتها السوقية تمهيداً لبيعها، لتربح المصارف مرتين، ويخسر المجتمع مدخراته وأملاكه العامة، ويورّث أجياله القادمة دين عام وأزمة لم يتسبّب بها.