العقار 906 بقعتوتة-الجزء الأول: القانون يقول كلمته... العقار ملك لرينيه إميل معوض

العقار 906 بقعتوتة-الجزء الأول: القانون يقول كلمته... العقار ملك لرينيه إميل معوض

  • ١٢ تموز ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

نتناول في هذا الجزء، من ملف «سليم جريصاتي يستخدم نفوذه لضرب القضاء والعدالة وانتزاع الملكية الخاصّة... العقار 906- بقعتوتة نموذجاً»، الذي فتحته بيروت تايم بتاريخ 8/7/2024، قرار محكمة البداية برئاسة القاضي أحمد الأيوبي، وعضوية القاضيين نادين أبو علوان وجوزف تامر، والذي يثبّت ملكية رينيه إميل معوض للعقار 906 بقعتوتة-كسروان، ويثبت كذلك، أنه في هذه البلاد التي تحجب عنها العدالة، ما زال هناك قضاة شرفاء، يحكمون باسم الشعب اللبناني، رغم كل الضغوطات السياسية.

بعد فتح بيروت تايم ملف «سليم جريصاتي يستخدم نفوذه لضرب القضاء والعدالة وانتزاع الملكية الخاصّة... العقار 906- بقعتوتة نموذجاً» (رابط المقال)، بتاريخ  8/7/2024، نتناول في هذا الجزء، قرار محكمة البداية برئاسة القاضي أحمد الأيوبي، وعضوية القاضيين نادين أبو علوان وجوزف تامر، والذي يثبّت ملكية رينيه إميل معوض للعقار، ويثبت كذلك، أنه في هذه البلاد التي تحجب عنها العدالة، ما زال هناك قضاة شرفاء، يحكمون باسم الشعب اللبناني، رغم كل الضغوطات السياسية. 

على أن نكشف في الأجزاء التالية، كيف صادر سليم جريصاتي العقار من مالكه رينيه إميل معوض، بعد 22 عاما على امتلاكه، وذلك بقرار قضائي لصالح موكليه، أبناء البائع المتوفى، مستغلا نفوذه كوزير للعدل ومستشار لرئيس الجمهورية ميشال عون عام 2017، لانتزاع العقار من صاحبه، في عملية سرقة موصوفة لملكية خاصة، يقدّر ثمنها اليوم بـ40 مليون دولار في منطقة فقرا السياحية- كسروان.

عقدا بيع خاص وممسوح لا ريب فيهما


ويظهر محضر عقد البيع الممسوح، بتاريخ 29/10/2002 أنّ الفريق الأول (محمد ابراهيم علي أحمد) صرّح بأنه باع الفريق الثاني (رينيه إميل معوض)، بيعاً باتاً قطعياً، للعقار 906- بقعتوتة في كسروان، بكامل 2400 سهم، وصرّح الفريق الثاني بقبوله الشراء، لقاء مبلغ قدره 800 ألف دولار. حيث أقرّ البائع بقبضه من الشاري بموجب شكين مصرفيين مسحوبين على بنك عودة (الأول 450 ألف دولار والثاني 350 ألف دولار. وقد جرى هذا العقد «بناء لطلبهما وعلى كامل مسؤوليتهما». وقد طلبا تسجيله في السجل العقاري. 
وقانونية العقد الممسوح، يثبتها حصوله في مكتب البائع، أمام صديقه كاتب عدل بيروت زكي أبو طعام. أما رغبته بعملية البيع، فتثبتها هوية الشاهدين على عقد البيع، هما موظفان لديه، يوسف قبيسي، ورانية العنترازي، إضافة لشقيقه وصديقه، سمسار عملية البيع مارون حبيقة.
أما في عقد البيع الخاصّ أيضا، بتاريخ 17/10/2002، فيظهر السعر الحقيقي للبيع، أنّ رينيه معوض اشترى العقار بقيمة  1304790 دولار (مليون وثلاثمئة و4 آلاف وسبعمائة وتسعون دولارا) حيث اشترى المتر الواحد للعقار بـ 23 دولارا. 
ويتضح دفع معوض لسعر العقار كاملا، وفق شروط العقد الخاص، عبر الشيكات التالية:
الشيك رقم 225596 بتاريخ 17/10/2002، بقيمة 200 ألف دولار من بنك عودة، بتاريخ توقيع العقد الخاص. وشيكين إثنين من بنك عودة بتاريخ 29/10/2002 (أي بالتاريخ الذي حددته الاتفاقية لاستكمال المبلغ كاملا): شيك برقم 225639، بقيمة 450 ألف دولار، وشيك برقم 225640 بقيمة 350 ألف دولار. أما الشيك الرابع، فرقمه 009083، وقيمته 304790 دولاراً، من البنك اللبناني الكندي.  
ومدة العشرين يوما الفاصلة بين الدفعة الأولى بتاريخ 17/10/2002  وبقية الدفعة المجزأة إلى شيكات ثلاث بتاريخ 29/10/2002، إنّما هي إثبات إضافي على أهلية البائع، فلو لم يكن بكامل أهليته، لما أعطي شيكا كدفعة أولى، ووعد بقبض بقية المبلغ بعد 20 يوما، بل أنّ تقيد الشاري بدفع بقية المبلغ في اليوم المحدد، بحد ذاته، إثبات على هذه الأهلية.
فالبائع كان بكامل وعيه طيلة عملية البيع وصولا لتسجيل عقد البيع الممسوح بعد حصوله على سعر العقار كاملا.
وهنا المفاجأة الصادمة. فـ«وعي» البائع وأهليته، هما تحديدا ما سيطعن به لاحقا، ضاربا المنطق والمستندات القانونية وتسلسل الأحداث عرض الحائط. 
لكن عندما يعرف السبب، يبطل العجب!

البائع يطعن بعملية البيع

واشترى معوّض المتر بـ23 دولارا، في حين كانت تسعيرة المتر الواحد للعقارات في تلك المنطقة تُقدّر بمتوسط 20 دولارا. أي أنّ البائع لم يكن مغبونا، لكنه ببساطة طمع بالعقار.
لا بل أكثر من ذلك، وقبل عام من عملية البيع، كان يعقد العزم على إقتراض سلفة مالية من أحد المصارف مقابل رهن العقار، وأرسل المصرف بدوره الخبير المحلّف لدى المحاكم لشؤون التخمين ابراهيم خليل عبد النور، لتخمين قيمة العقار، فقدّر تسعيرة المتر الواحد للعقار، بـ4 دولارات (الصورة أدناه).
وبتاريخ 1/9/2003 تقدم السيد محمد إبراهيم علي أحمد أمام الغرفة الإبتدائية في جبل لبنان، جديدة المتن، الناظرة في القضايا العقارية، بدعوى يدّعي فيها أنّ "عقد البيع المذكور هو مشوب بعيوب عديدة يقتضي معها إبطاله".
وتركّز تبريره وجوب إبطال العقد، على علتين اثنين:
-علة عدم الأهلية. حيث ادّعى أن مرض نشاف شرايين الرأس يجعله عديم الأهلية في فترات عديدة و«أنه وقّع بنفسه على العقد في فترة انعدام الأهلية والإدراك الكاملين وهو غير مسؤول عند توقيع العقد عن أعماله القانونية وكل عمل يجريه باطلا». 
- علة الغبن في سعر المبيع. الساقطة أساساً باعترافه بقبض المبلغ كاملاً، بمجرد عرضه «إرجاعه» لرينيه معوض كشرط لإبطال عقد البيع. 

إبنة البائع تتراجع عن الدعوى

بعد موت محمد ابراهيم علي أحمد، وبتاريخ 6 شباط 2012، تقدمت إبنته، رانيا علي أحمد لجانب محكمة البداية في المتن، (الغرفة العقارية)، بطلب تدوين رجوع عن الدعوى والحق، ضد رينيه معوض مصدقة من الكاتب العدل بتاريخ 30/1/2011.
وذلك لعدم جدية وصحة الأسباب والمسائل المطروحة والحجج غير المستفاد من مناقشتها في الدعوى، المقدمة من أشقائها، المدعين ورثة المرحوم، لميا صباح، فادي، راني وريم علي أحمد، ضد رينيه معوض.
ويمثل انسحاب رانيا علي أحمد من الدعوى بعد إحلال ورثة علي أحمد، أي أبنائه، مكانه في الخصومة، برهاناً على كذب إدعاء بقية أشقائها الورثة، الذين أبوا إلا أن يستكملوا الأكذوبة، التي ثبّت عدم أحقيتها، حكم البداية.

حكم البداية: بداية وليست نهاية

بعد 10 أعوام على دعوى البائع، جاء قرار الغرفة الإبتدائية الثامنة في جبل لبنان، جديدة المتن، الناظرة في القضايا العقارية، عام 2013 برئاسة القاضي أحمد الأيوبي وعضوية القاضيين نادين أبو علوان وجوزف تامر، حكم بالإجماع بـ«رد الدعوى»، ليثبّت حقيقة امتلاك رينيه معوض بالكامل للعقار 906، وذلك بقرار ممهور باسم الشعب اللبناني.
القرار الذي استغرق إقراره عقدا من الزمن، بني على فتح القاضي الأيوبي عشرات المحاكمات، والإستجوابات، للمدعين والمدعى عليه وكاتب العدل والشهود والطبيب الذي أعطى علي أحمد شهادة فقدان الأهلية. 
ورأت المحكمة أنّه في الإرادة الحقيقية للمتعاقدين، فإنّ «ما يؤكد حصول عملية البيع، ليس فقط النص المكتوب للعقد الممسوح وعقد البيع الخاصّ وإنّما أيضاً قيمة العمولة المدفوعة من قبل المدّعي المرحوم محمد إبراهيم علي أحمد لصالح السمسار مارون حبيقة بموجب شيك مسحوب على البنك السعودي اللبناني رقم 208410 قدره 32500 دولار أميركي، أي ما يوازي 2.5% من قيمة الثمن المتفق عليه في عقد البيع ذو التوقيع الخاص والبالغة 1304790 دولار أميركي». 
بمعنى آخر، كان البائع بكامل وعيه و«رضاه» حتى بعد إتمام عملية البيع بفترة قصيرة وهو ما يسقط إدعاءه عدم أهليته لحظة البيع.
-وفي الجوانب القانونية للنزاع، رأت المحكمة أنّه «لم تشُب أهلية المدّعي المرحوم، أي فقدان أو انتقاص» فهو في حين أبرم العقد «كان يتصرف بوعي كامل وإدراك سليم وحصافة موصوفة»، كما أقدم في مرحلة لاحقة على البيع، على قبض قيمة الشيكات لأمره والتي تمثل قيمة ثمن المبيع، في حين أنّ «مجرد إقدامه على تقديمه دعوى الغبن، وتنظيم وكالة، فهذه قرينة بسيطة على أهلية الإلتزام لديه.»
كما أنّ الكاتب العدل زكي أبو طعام، أيضا خلال استجوابه، أكد أنّ المدّعي علي أحمد كان بكامل وعيه وإدراكه لدى التوقيع على عقد البيع. علما أنّ الكاتب العدل كان صديقا للمتوفى، أي من طرفه. 
أكثر من ذلك، فالطبيب رجا صوايا، المعالج للمدّعي، الذي ارتكز المدعي على شهادة له للتشكيك بأهليته، أكد خلال استجوابه أنّ هذا المتوفي يتمتع بالأهلية الكاملة وكامل وعيه وإدراكه. 
-أما في مدى تحقّق عيب الخداع. فقد رأت المحكمة أنّ «من يدقق في الظروف التي رافقت عملية البيع يجد أنها جاءت متوافقة مع رغبة المدعي البائع».  
ذلك أنّ التوقيع على عقد البيع الممسوح جرى في مكتب البائع بحضور سائقه وموظفة لديه قاما بالتوقيع على العقد. وحتى السمسار مارون حبيقة كان على معرفة وطيدة به.

تخمين المتر بـ20 دولارا

وفي مدى تحقق علة الغبن، ثبت عدم توفرها بالعنصرين المادي والمعنوي. فالخبير نعمان زحلاوي في تقريره، خمن العقار بقيمة 20 دولارا للمتر الواحد. بينما دفع رينيه معوض 23 دولارا للمتر الواحد.
وفي مطلق الأحوال، رأت المحكمة أن أي تفاوت مزعوم فيما بين قيمة العقار والثمن المدفوع ليس من شأنه أن يبدل في النتيجة التي توصلت اليها المحكمة وذلك في ظلّ عدم تحقق العنصر المعنوي للغبن الذي ينبغي إجتماعه مع العنصر المادي توصلاً لإبطال العقد.
لكن رينيه معوض نام على حكم عادل عام 2013، ليصحو عام 2017، على حكم ينتزع منه ملكيته.

جريصاتي يحرف العدالة عن مسارها

مع حكم القاضي الأيوبي، تحققت العدالة. لكن مع خسارة ورثة علي أحمد حكم البداية، كان لا بد لهم من طريق للاعدالة، فاستعانوا بسليم جريصاتي، الذي كان مستشارا لرئيس الجمهورية ميشال عون بفعل التسوية الرئاسية، ووكيلاً للمُدّعين، ورثة البائع، لميا، فادي راني، وريم علي أحمد، العام 2017،  وبعد استلامه للدعوى بشهر، وزيراً للعدل. 
ويواجه جريصاتي اليوم دعوى من قبل رينيه معوض المسلوبة ملكيته، بتهمة إستغلال نفوذ وظيفته العامة وضغط كوزير عدل، من أجل تسخير الضغط على السلطة القضائية لإستصدار قرارات لمصلحة موكليه  وصولاً لاختلاس أملاك خاصة. 
وتكشف «بيروت تايم» في الجزء الثاني، كيف استغلّ جريصاتي منصبه كوزير عدل، ليبتزّ القاضي حبيب رزق الله بالتعيينات القضائية، هو الذي لم يكذّب خبرا، فكان طعما سهلا لإغراء جريصاتي، حيث تم تطويع قراره الإستئنافي بتاريخ 23/5/2017، على حساب العدالة، ليحكم بتسجيل 2050 سهما من العقار «تركة» لورثة البائع محمد ابراهيم علي أحمد، ويكافأ بعد 5 أشهر، في 10/10/2017، بتوقيع الرئيس السابق ميشال عون، مرسوم المناقلات والتعيينات القضائية رقم 1570، والذي عينه رئيسا

في الغرفة الخامسة عشر في محكمة استئناف بيروت.