العجز التجاري في لبنان.. عارض لمرض النظام

العجز التجاري في لبنان.. عارض لمرض النظام

  • ٢٢ تموز ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

تعكس أرقام الميزان التجاري اعتماد لبنان على الإستيراد في عملية الإستهلاك، رغم الأزمة الإقتصادية التي ضربت ما بقي من القطاعات الإنتاجية.

وفقاً لإحصاءات «دليل الصادرات والمؤسسات الصناعية اللبنانية» بين عاميّ 2014 حتى 2023، فإنّ الميزان التجاري للبنان حقّق فائضاً مع سوريا بقيمة 760.195 مليون دولار، حيث بلغ الإستيراد سوريا من لبنان 1.973.000 مليار دولار، وأتت بالمرتبة الأولى، تليها العراق التي بلغت قيمة ما استورده من لبنان 1.676 مليار دولار، مقابل تصدير بقيمة 48.974 مليون دولار، بفائض ربحي قدره 1.628.000 مليار دولار. وحلت قطر في المرتبة الثالثة باستيراد بلغت قيمته 1.152.002 مليار دولار، بفائض لصالح لبنان بلغ 954.323 مليون دولار.

وبشكلٍ عام، حقق لبنان فائض مع 6 دول عربية، وعجزاً مع 12 دولة، أبرزها مصر والكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث بلغ العجز لبنان مع مصر 3.986 مليار دولار، والكويت 1.835 مليار، ثم السعودية 1.401 مليار دولار، والإمارات 720 مليون دولار.

ظروف المنطقة، ساهمت بإبقاء عجز الميزان التجاري، من الحرب السورية، وإقفال الحدود البريّة التي أدت إلى تراجع التجارة البرية بشكلٍ كبير، وتراجع علاقات لبنان السياسية مع دول الخليج العربي، إضافة إلى إنفجار مرفأ بيروت الذي انعكس على عملية الإستيراد والتصدير. لكن في الوقت عينه، أدت هذه العوامل إلى ارتفاع حجم التصدير إلى سوريا، حيث غياب الضوابط على الحدود، والحاجة المحلية للتجار السوريين إلى البضائع بفعل العقوبات الغربية وقانون قيصر، كانت التجارة مع سوريا مرتفعة.

لكن في الأساس، المشكلة محليّة، ترتبط بضعف القطاعات الإنتاجية، والتي بدورها تتأثر بضعف البنى التحتية، مما يقلص حجم ما يمكن تصديره، إذ منذ تثبيت سعر الصرف عام 1997، حتى عام 2023، استورد لبنان بقيمة 390 مليار دولار، فيما صدّر بقيمة 79 مليار فقط.

عام 2022 ارتفع العجز التجاري إلى 15.5 مليار دولار، ويمثل 74 في المئة من الناتج المحلي، ويساوي هذا العجز أرقام عام 2019 فيما كان يمثل 30 في المئة من الناتج المحلي. وبين عاميّ 2019 و2023، انخفض الناتج المحلي 40 في المئة، عاد لبنان ليستورد بقيمة 10 مليار دولار، وهي القيمة نفسها قبل الأزمة. وقد بلغ العجز التجاري نسبة للناتج المحلي عام 2023، 78.3 في المئة، بعد أن كان 30 في المئة عام 2019. تمويل هذا العجز غير قابل للتدقيق خاصة وأنّ إقتصاد الكاش بات يمثل 46 في المئة من الإقتصاد، بحسب البنك الدولي، كما لم يقُم لبنان بإقرار الكابيتال كونترول أو قانون ضوابط رأس المال، وبالتالي لم يتم ضبط الواردات. فيما بلغت تحويلات المغتربين حتى عام 2023، 6.3 مليار دولار، بتراجع طفيف عن عام 2019، حيث كانت تبلغ 7.37 مليار دولار، لكن حصتها من الناتج المحلي ارتفعت من 14.28 في المئة عام 2019 إلى 35.75 في المئة عام 2023. هذا وساهمت المساعدات الإنسانية بإدخال العملة الصعبة إلى لبنان.

بحسب دراسة لسيبيل رزق، مديرة قسم السياسات العامّة في «كلّنا إرادة»، ورئيسة التحرير السابقة لمجلة Le Commerce du Levant، تقسم فاتورة الاستيراد على الشكل التالي:

- إرتفعت فاتورة استيراد المنتجات النفطية إلى 5.8 مليار دولار في العام 2022، بأكثر من 30 في المئة من مجمل الواردات.
- واردات الحبوب إرتفعت بنسبة 28 في المئة عام 2022، مقارنة بمتوسّط السنوات العشر الماضية، وتعزو الأمر إلى تأثيرات السعر في أعقاب الحرب في أوكرانيا. «أمّا لناحية الحجم، فقد كان أقل بنسبة 13% من متوسط السنوات العشر الأخيرة، ممّا يعني أنّ إستهلاك هذا العنصر الأساسي آخذ في الانخفاض، على الرغم من استمرار دعمه».
- تراجع واردات المنتجات الصيدلانية عبر القنوات الرسمية، حيث بلغت عام 2022، 50 في المئة من حيث القيمة و32 في المئة من حيث الحجم، مقارنةً مع متوسّطات السنوات العشر الماضية.
- واردات اللحوم إرتفعت 35 في المئة عام 2022، مقارنةً بعام 2021، وأقل بـ 10 في المئة عن متوسّط السنوات العشر الماضية، «وهو ما يعكس التغييرات في عادات أكل جزء من السكّان الذين أجبروا على تكييف مكوّنات غذائهم مع مداخيلهم».
- لفتت رزق إلى أنّ الواردات من المنتجات الفاخرة لم تتأثر بالأزمة، حيث حافظ السيغار على قيمة وحجم وارداته مما كانت عليه في السنوات العشر الماضية، فيما - ارتفعت نسبة استيراد الكافيار من حيث القيمة 80 في المئة مقارنةً بعام 2019، ومن حيث الحجم عاد إلى مستوى متوسط السنوات العشر الماضية.
- أما واردات السيارات فارتفعت إلى أعلى مستوياتها في سنوات العشر الأخيرة، بإجمالي 1.87 مليار دولار من حيث القيمة.
- بلغت قيمة إستيراد المعدات والمواد الكهربائية 1.67 مليار دولار، وبزيادة 543 في المئة عن العام 2020، و83 في المئة عن متوسّط السنوات العشر الماضية.
- وبلغ إجمالي قيمة واردات الألواح الشمسية والبطاريات للأنظمة الكهروضوئية نحو 405 ملايين و351 مليون دولار على التوالي في العام 2022، في مقابل 7 ملايين و68 مليون دولار على التوالي في العام 2019، حيث بلغت نسبتها 715 و285 في المئة بالمقارنة مع متوسط السنوات العشر الماضية.

- استورد لبنان هواتف محمولة بقيمة 354 مليون دولار في العام 2022، وهو الرقم الأعلى في السنوات العشر الماضية، وهي تزيد بنسبة 36 في المئة عن العام 2019، وأعلى بنسبة 75 في المئة من متوسط السنوات العشر الماضية.

بحسب اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، فإن لبنان بحاجة إلى نهج جديد في السياسة التجارية، وعزا تقرير صادر عام 2023 عن اللجنة، ضعف أداء لبنان في اتفاقيتيّ التجارة الحرة التي أبرمها لبنان مع الإتحاد الأوروبي والدول العربية، إلى أنّ الإتفاقيتين تعنيان بالتجارة الحدودية حصراً، إذ تمنحان «معاملة وطنية غير تمييزية للسلع والشركات الأجنبية، لكنها لا تتدخلان في السياسات الاقتصادية المحلية ذات  العلاقة بالسياسات التجارية»، كما أشار التقرير إلى أنّ ضعف الإنتاج الوطني وكثرة تدابيره غير الجمركية وتدهور قدرته التنافسية، تشلّ قدرة لبنان على توجيه صادراته إلى أسواقه التفضيلية. ولفت التقرير إلى أنّ «نظام التجارة المفتوحة الأحادي الجانب الذي اتبعه لبنان منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، والذي تضاءلت بموجبه الفجوة بين التعريفات الجمركية على الواردات غير التفضيلية والتفضيلية، من الزيادات الكبيرة في الواردات مصدر قلق حقيقي». وأدت هذه الأسباب إلى ارتفاع العجز التجاري إلى أكثر من 250 مليار دولار خلال العقدين المنصرمين.

وأشار التقرير إلى ضرورة إعادة النظر في السياسة الضريبية لتقليل إختلالات في الميزان التجاري، ومراعاة منظورين متعارضين عند التفكير في تعديل التعريفات الجمركية على السلع الكمالية. إذ يعتبر المنظور الأول أنّه لا ينبغي زيادة الرسوم على السلع الكمالية لتجنّب فروق كبيرة في أسعارها بين الداخل والخارج، مما سيؤدي إلى تدفق استهلاكها إلى الخارج وفقدان إيرادات ضرائبها المحلية. أما المنظور الثاني، فيمثل الجهات الداعية إلى «تفادي التخفيضات الضريبية» التي ترى أنّه من المناسب زيادة التعريفات الجمركية على السلع الكمالية، حيث أنّ تعريفاتها ليست السبب الرئيسي لارتفاع أسعارها المحلية، كما أنّ المكاسب المتوقعة من زيادة الضرائب من حيث تقليل إختلالات الميزان التجاري أعلى بكثير من خفض الإيرادات الضريبية.

ونظراً إلى أنّ للسلع الكمالية خصوصية، يجب أن تكون الزيادة في تعريفاتها معقولة وأن تعزّز بأدوات تكميلية مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الإستهلاك.