بيروت بعد ٤ آب: بين رهاب الصوت وجراح النفس

بيروت بعد ٤ آب: بين رهاب الصوت وجراح النفس

  • ٠٢ آب ٢٠٢٤
  • تمارا طوق

كيف حوّل إنفجار المرفأ صوتاً عادياً إلى كابوس وحالة مرضية ، ورهاب صوت تحطّم الزجاج إرثٌ مؤلمٌ من ذاكرة بيروت.

ترك إنفجار مرفأ بيروت ندوبًا عميقة في نفسية اللبنانيين، تجاوزت الأضرار الجسدية والمادية. ومن بين التبعات النفسية الأكثر شيوعًا وانتشارًا صوت الإنفجار وأصوات الزجاج المحطم.
فقد ارتبطت الأصوات العالية وصوت تحطم الزجاج بشكل لا واعٍ بلحظة الإنفجار المدمرة، لتصبح منبهًا للخطر والصدمة لدى الكثيرين. ويُعرف هذا التأثير بـ «الاستجابة المشروطة»، حيث يُصبح الصوت المرتفع المحايد مُرتبطًا بحدث صادم وهو الانفجار، مما يُثير مجموعة من ردود الفعل الجسدية والنفسية المُشابهة لتلك التي حدثت أثناء الصدمة الأصلية.

فلنبدأ حديثنا في التفريق والتمييز بين الخوف والهلع أو ما يُعرف بالـ Panic، والقلق الذي يُعرف بالـ Anxiety  وأخيراً الصدمة. وسط هذه الحالات وتعدّد المصطلحات من الطبيعي بأن يكون اللّبناني الكائن الوحيد الذي يستطيع القول أنّه يمرّ بها يوميّاً  فقط لأنّه متواجد داخل حدود بلده الأم. لكن  المخيف في الأمر أنّ هذه المصطلحات  باتت بديهيّة ويومية حيث تأقلم معها.

توضح المعالجة النفسية نادين غنيمة، في حديثها مع «بيروت تايم»، أنّ  الخوف هو ردّ فعل طبيعي ينتج عن نظام داخلي يربط بين الدماغ والجسم، ويُعتبر آلية دفاعية مُتأصلة لتحذير الفرد من مصدر مُحتمل للخطر.  وينقسم  الخوف إلى  نوعين  رئيسيين: الخوف الفطري الذي يولد مع الإنسان، والخوف المكتسب من البيئة والتجارب الحياتية، والذي قد يُشكّل مصدرًا للألم النفسي.
أما  الهلع  والقلق  والصدمة  النفسية،  فهي  حالات  أكثر  تعقيدًا  وتتطلب  تفصيلاً  دقيقًا  لفهم  خصائصها  وأسبابها  وطرق  التعامل  معها.  
إنّ  التفريق  بين  هذه  المفاهيم يُعدّ الخطوة  الأساسية لفهم التأثير النفسي للأوضاع الراهنة على الفرد والمجتمع،  ويساهم في تحديد السبل المناسبة للتعامل مع هذه المشاعر والتخفيف من حدتها.
وفي الكلام عن «الخوفين الأساسيّين»، فإنّ الخوف الأوّل يولد معنا، وهو الخوف من الأصوات العالية والتي تكون آليّة في الأذن. والنوع الثاني من الخوف هو الخوف من الوقوع أو السقوط والذي هو عبارة عن خوف من أنّنا نسقط دون وجود شيئ يسندنا والإحساس بفقدان السيطرة. فمن خلال هذين الخوفين تولد مخاوف أخرى مثل الخوف من الموت وفقدان أشخاص معيّنين. ويتأسس القلق والفوبيا. ومن خلال الأصوات المرتفعة المفاجئة والخوف من السقوط دون سند يمكننا الإستنتاج لماذا نحن نتعرّض لأنواع كثيرة من الصدمات والـ trauma  في حياتنا ونشعر بالعجز وفقدان السيطرة. 
تُعدّ الصدمة النفسية، أو ما يُعرف بالـ Trauma، حالةً نفسيةً مُعقدةً تتجاوز الشعور بالخوف البسيط. ففي ظلّها،  يُصبح الإنسان عاجزًا عن فهم وتفسير ما يواجهه، وتُغلق الأبواب أمام مشاعره التي تُصبح حبيسةً داخله.  

ويسيطر الحاضر بشكل مطلق على إدراكه،  مُجبِرًا إياه التركيز على لحظته الراهنة فقط، وذلك بسبب الشعور الخانق بالخوف الذي يُسيطر على كيانه دون أدنى قدرة على السيطرة عليه.  فيُصبح الإنسان حبيسًا لِشعوره، عاجزًا عن الخروج من دائرته  بمفرده.
وتضيف غنيمة «التروما التي أشهدها في عيادتي الطبيّة ليست «تروما» بل هي PTSD أو ما يُعرف بمجموعة عوارض تدل بأنّ نوع من التروما قد حدث. أو يكون الشخص قد تعرّض لنوع من الأصوات العالية جدًّا مثل إنفجار خلال النوم وهذا ما حصل في الرابع من آب»
بعد تعرّضه لهذا النوع من الصدمة وبعد اعتبارها أمراً عادياً، يصادف الإنسان خلال يومه وهو يسير في الشارع صوتاً قوياً جرّاء حادث سير أو سقوط مادة صلبة أو غيرها وعلى الفور تأتي ردّة الفعل غريبة و مبالغ فيها. وهذه «ردة الفعل» هي عوارض الصدمة وليست الخوف الفطري.
ففي الرابع من آب 2022 تعرّض عدد كبير من اللّبنانيين لكلّ هذه المؤثرات ولم تكُن عقولهم مهيئة للكارثة، إذ داهمهم الخطر والمفاجأة والخوف جرّاء الصوت والشعور بالوحدة والعجز من التحكّم.
وللأسف اللّبناني هو الضحيّة الوحيدة لمنافقي الدولة ومستوردي النيترات، والصدمات هي ثمرة «زعرناتهم». أقلّ ما يمكننا أن نوحّد الصرخة ولو لمرّة  ولنذكر شهداء 4 آب وكلّ منّا يكون الصوت الصارخ أينما وجد، ولنخضع لعلاج نفسي ونشفي جروحنا النفسيّة كما نشفي تلك الجسديّة.