الضغوط السياسية على القاضية نصار: «من بايدن وجرّ»... والقوات: أحزاب أخرى تحمي اسحق عبود!

الضغوط السياسية على القاضية نصار: «من بايدن وجرّ»... والقوات: أحزاب أخرى تحمي اسحق عبود!

  • ١٧ أيلول ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

ملف التزوير في بلدية داربعشتار تابع... اسحق عبود خارج السجن والقرار الظني مؤجل: المردة والتيار «يكفان» يد العدالة

استجواب، فتوقيف، فادّعاء، فسجن رهن التحقيق... هذا ما حصل مع رئيس بلدية داربعتشار في الكورة، اسحق عبود، الذي سجن 53 يوما، رهن التحقيق، وذلك بعد عمل جبار للنيابة العامة الإستئنافية في الشمال، التي -وعلى الرغم من عرقلة الملف لعامين بحصانات سياسية- ادّعت عليه منذ شباط الماضي بتهمتي التزوير واستعمال المزور، وهي عقوبات تصل إلى جرم الجناية.
«يا عدالة ما تمّت»، فمسار العدالة هذا تعطّل، بأسلوب التعطيل الأحدث لدى أحزاب المنظومة التي تحمي عبود، الذي لجأ لمخاصمة قاضي التحقيق الأول في الشمال، سمرندا نصّار، ما كف يدها مؤقتا، وأخّر صدور القرار الظني.
هكذا وببساطة، أخلي سبيل عبود بكفالة مالية، ومع أنه ملاحق بجرم جزائي، عاد ليمارس مهامه على رأس البلدية، فيما القرار الظني "مجمد" في ظل عدم إقرار تشكيلات قضائية للهيئة العامة للنيابة العامة التمييزية، لتبت بطلبات كف يد القضاة، وتحرر عشرات الملفات المعطلة سياسيا، وفي طليعتها انفجار مرفأ بيروت.  
قد تسألون، من يحمي عبود؟ والجواب، أتى على لسان القاضية نصار خلال إحدى جلسات استجوابه مستنكرة ضغوطا سياسية على أعلى المستويات بقولها: «بعد في بايدن ما دقّلي"». و«بايدن» في عبارة نصار، لم يكن القوات اللبنانية التي جاءت بعبود رئيسا للبلدية. 
في حديثه لبيروت تايم، يجزم النائب فادي كرم، بأننا «لم ولن نتدخل في هذا الملف، وننتظر كلمة القضاء». أما عن استشراس التيار الوطني الحر والمردة في منع المحاكمة عن عبود، فتعلق مصادر أخرى في القوات بالقول «هناك أحزاب ذات تمثيل محدود في داربعشتار، تحاول كسب عبود لصالحها لحسابات انتخابية، عل غطاءها له يكون بوابة لها للدخول لداربعشتار». 
الملف الذي فتحته «بيروت تايم» في جزء أول، فضح عرقلة المحافظ رمزي نهرا للتحقيقات لأكثر من عامين برفضه رفع الحصانة عن عبود (رابط المقال)، نستكمله في هذا الجزء لكشف التدخلات السياسية، على مستوى الأحزاب مباشرة هذه المرة، وفي طليعتها التيار الوطني الحر والمردة، والتي تعرض لها القضاء أثناء سجن عبود، وخططت لتجميد القرار الظني بعد إطلاق سراحه بكفالة مالية، وتدعم اليوم إطلالاته السياسية، لـ«تشرع» بقاءه على رأس البلدية. 

لحظة التّوقيف: عامل المُباغتة

إنه الإثنين، 12 شباط الماضي. كان يوما عاديا عند غالبية اللبنانيين. لكنه لم يكن كذلك لدى رئيس البلدية إسحق عبود. ولو كان يعلم يومها أنّ جلسة الإستماع الروتينية له في النيابة العامة في الشمال، ستنتهي بتوقيفه، لما ذهب في ذلك النهار سيرا على الأقدام إلى النيابة.
فبعد عرقلة المحافظ رمزي نهرا المتكررة للتحقيقات برفض رفع الحصانة عن عبود خلال مرحلتي التحقيق، لم يكن أمام المحامي العام الإستئنافي القاضي طارق طربيه، إلا فصل الملف إلى ملفين اثنين لتحريره، عبر طلب رفع الحصانة عن عبود هذه المرة من النيابة العامة التمييزية، فعبود المتهم بجرم تزوير مستندات رسمية واستعمالها، وفق الجرم المنصوص عنه في المادة 459 و459/454 عقوبات، إحدى التهم الموجّهة إليه، وهي تزوير كشف فني ادعى صدوره عن اتحاد بلديات الكورة، تقع خارج مهامه كرئيس للبلدية.

تهمتان ومالك العقار والمستفيد من التزوير واحد 

فعبود متهم بإعطاء رخصة سكن مزوّرة للبناء 2623 بناء على كشف فني مزور، تنقسم التهم الموجهة له لتهمتين اثنتين، واحدة مرتبطة بدوره الوظيفي، وواحدة من خارج دوره كرئيس للبلدية:
-التهمة الأولى وهي استعمال المُزوّر. وهي تهمة مثبتة.
إذ مارسها عبود من ضمن صلاحياته كرئيس بلدية، أصدر رخصة سكن مزورة للعقار 2623 بناء على كشف فني مزوّر بحوزته، ادّعى صدوره من اتحاد بلديات الكورة.
-التهمة الثانية وهي التزوير، المثبتة عبر اتحاد بلديات الكورة نفسه، عبر إحالة جزم فيها الإتحاد ردا على سؤال قائمقام الكورة، بأنّ الكشف الفني مزور، بقوله أنه "غير صادر عنه»... 
تفصيل آخر أشار إليه الإتحاد، تمثل بكشفه عن حالة العقار، الذي رفض اعطاء الكشف الفني له في وقت سابق، "بسبب مخالفات عدة في البناء».
كل المعطيات، تقاطعت، لتشير بأصابع الاتهام نحو عبود. فله المصلحة الأولى بتزوير الكشف الفني، وإعطاء رخصة السكن المزورة لعقار هو مالكه ومهندسه ومتعهد البناء. ومع رفض الموافقة من اتحاد بلديات الكورة، نتيجة مخالفات البناء في العقار، بقي حل واحد أمام عبود، وهو تمرير الرخصة ولو بالتزوير، وبما أنه رئيس البلدية مانح الرخصة، سهّل ذلك حصول عقاره غير المطابق، على رخصة سكن مزورة، بناء على كشف فني مزور.
وفيما استعمال المزور، أي استعمال الكشف الفني لإعطاء رخصة السكن على أساسه، حصل ضمن صلاحيات عبود البلدية، على عكس فعل التزوير للكشف الفني، وهو مستند لم يصدر عن اتحاد بلديات الكورة، بل حصل من خارج صلاحيات عبود كرئيس للبلدية... مكن فصل الملفين، القاضي طربيه من طلب رفع الحصانة من مدّعي عام التمييز في حينه غسان عويدات، الذي جاء جوابه بالموافقة، فتمكنت النيابة العامة الاستئنافية في الشمال من توقيف عبود خلال التحقيق معه في شباط الماضي، والإدعاء عليه.
فنقل في حينه إلى سجن قصر العدل في طرابلس، قبل أن ينتقل الى مستشفى وطيلة فترة سجنه، تنهال الضغوط السياسية....

ضغوط منذ اللحظة الأولى

منذ اللحظة الأولى لتوقيفه رهن التحقيق وادعاء النيابة العامة في الشمال عليه وتحويل الملف إلى قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار، مورست الضغوط على النيابة العامة في الشمال للإفراج عن اسحق عبود، ولم يكتف بالإتصالات بل وصل الأمر بحماة عبود للقدوم شخصيا للنيابة. أما الهدف فكان واحدا: إطلاق سراح عبود بأي ثمن. 
وأول الغيث كان بوصول المحافظ رمزي نهرا إلى النيابة العامة خلال ساعة فقط من توقيف عبود. فـ"واسطة" عبود لدى نهرا الذي عطّل تحقيقات النيابة العامة الاستئنافية لعامين برفضه رفع الحصانة عن عبود، وصلت هذه المرة للتدخّل مباشرة بالقضاء.
ووفق معلومات "بيروت تايم» فقد بقي نهرا قرابة الساعة ونصف الساعة في النيابة العامة، يحاول دون جدوى تعطيل سير العدالة. أما القاضي طربيه، فقد أقفل هاتفه بعد أن أتمّ واجبه، في رد جازم على عدم الانصياع للضغوط السياسية. 
لتنهال بعدها اتصالات «المحبين» من الباحثين لهم عن موطئ قدم في داربعشتار، ويرون بعبود "مفتاحا انتخابيا" لذلك. وبمجرد تحويل ملف عبود إلى قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار، انتقلت الضغوط من النيابة العامة، إلى القاضية نصار.

القاضية نصار: "بعد في بايدن ما دقّلي"

وبحسب معلومات بيروت تايم، وفي وقت تدخّل أحد نواب التيار الوطني الحر، طالبا أن تكون القاضية «رحومة» بحق عبود، كان أحد محامي النائب طوني فرنجية يتدخلون للهدف نفسه.
الضغط على القضاء، اختصرته نصار وفق عبارة "الكل دقولي... الكل يعني الكل». وهو ما لم تستطع القاضية إخفاءه وفق مصادر تابعت جلسة التحقيق الأولى مع عبود. وبحسب معلومات «بيروت تايم»، لم تستطع القاضية إخفاء غضبها حيال الضغوط السياسية التي تعرضت لها، فاستهلت الدقائق الأولى من الجلسة، لتنبّه عبود من أنّ اللجوء للإتصالات والضغط السياسي لن يغيّر في مجرى القضية شيئا. 
ومما قالته نصار في تلك الجلسة عن مستوى الضغوط السياسية، متوجهة لعبود «ما بقى تخلي المحامية ومرتك يدقولي ما ضل حدا ما دقلي. من بايدن ونزول». 
وما يقطع الشك باليقين بأن التيار نفسه تدخل لصالح عبود، قول القاضية «إذا مفكرين إنو إنا الجهة اللي بتمون عليي رح تمون عليي مغلطين كتير». 
علما أن نصار ورغم اشتداد الضغوط السياسية عليها، أظهرت حسما في هذا الملف خلال التحقيقات بقولها «أنا بهيدا الملف ماشية للآخر».

اتحاد البلديات مصرّ على توريط نفسه

والتأمل في مجريات التحقيق، يجعلنا نتوقف عند الكشف الفني المزور، فصحيح أن نموذج الورقة «غير صادر عن الاتحاد»، لكنه كان يحمل توقيع رئيس المكتب الفنّي ر. س. 
والسؤال: كيف وصل توقيع مدير المكتب الفني للإتحاد إلى ورقة مزورة غير صادرة عن الاتحاد؟ وإذا لم يكن الاتحاد نفسه متورطا، من هم الأفراد المتورطون في عملية التزوير؟
علما أن القاضية بدورها استمعت لثلاثة موظفين في الاتحاد من بينهم مدير المكتب الفني، ومن المرجح أن تكون توصلت لخلاصة نهائية حول جميع المتورطين بتزوير الكشف الفني، تضمنها في القرار الظني، 
لكن اتحاد البلديات لم يكن صبورا، فتحقيق بهذا الحجم قد يجر لانكشاف فضائح أخرى تطال موظفين في الاتحاد، لكن ما دفع برؤساء بلديات في الكورة للمجيء إلى قصر العدل بهدف رؤية القاضية نصّار بعد أيام من توقيف عبود، كان أبعد بكثير من حماية موظفين، فالخوف الحقيقيّ كان من أن تكر سبحة فتح ملفات رؤساء بلديات في الكورة، وتكريس مبدأ المحاسبة وإسقاط الحصانات السياسية عنهم.
فالحال أنّ محاسبة عبود ليست إلا بداية لسقوط آخرين، وكان لا بُدّ من منع هذا الكأس، فهبّ رئيس اتحاد البلديات ربيع الأيوبي لنجدة عبود، وتنفيذ هذه المهمة.
وفي معلومات «بيروت تايم»، فقد قدم رئيس اتحاد بلديات الكورة ربيع الأيوبي ورئيس بلدية أميون مالك فارس، ورئيس بلدية كفرصارون ميشال الحلو، ورئيس بلدية كفرعقّا الياس ياسين إلى قصر العدل، في محاولة فاشلة لرؤية القاضية سمرندا نصار، فلم يحصلوا إلا على فنجان قهوة، وعادوا خالي الوفاض.

القوات تعترف: أحزاب تدعم عبّود

من جهته، النائب في القوات اللبنانية، فادي كرم، أكد لـ"بيروت تايم" أن هناك سياسة عامة لدى القوات اللبنانية، بعدم التدخل في أي ملف قضائي، وترك الحكم للقضاء. 
أما كنائب عن الكورة، فلم أتدخل لا حين أوقف عبود ولا حين أفرج عنه ولن أتدخل في القضية، احتراما للمسار القضائي، وأترك للقضاء الكلمة الفصل.
وفي وقت يرفض كرم التعليق على تدخّل التيار الوطني الحر وتيار المردة في الملف، تؤكد مصادر متابعة لوضع بلدة داربعشتار، في القوات اللبنانية، "تدخّل أحزاب" دون أن تسميها، لكنها في المقابل تفصّل أسباب ذلك التدخل، وتعزوه بصراحة للحسابات الانتخابيّة في البلدة.
وتشرح المصادر، أن وضعية البلدة ذات الأغلبية القواتية بنسبة 70% مقابل30% مشرذمين بين مردة وتيار وحزب سوري قومي إجتماعي، تجعل القوات "مرتاحة على وضعها» ولا تحتاج لاستغلال ملف قضائي لغايات انتخابية، فهذا يخالف مبادئنا ووضعنا القوي انتخابيا في البلدة، عى عكس الوضع الضعيف للأحزاب الأخرى، التي تستغله اليوم بدعم عبود، علها تستميل أصواتا انتخابية تؤيده.
وتلفت المصادر إلى أن اختيار عبود رئيسا للبلدية لم يكن يوما خيارا سياسيا، «فلائحة البلدية كانت تآلفا سياسيا، فيه أحزاب عدة، ولم تخض القوات معركة انتخابية فيها على عكس بلدات أخرى»، من هنا، تقارب القوات الملف بعين غير سياسية، فمن يدعمون عبود أو يخاصمونه اليوم، قد يكونون أحيانا من فريق سياسي واحد، لكن الأحزاب الأخرى تحاول استغلال هذا الحدث لتخلق لها موطئ قدم في البلدة، و«تبيّض وجهها»، علها تزيد أصواتها وتكسب عائلات جديدة. 
وعن إمكانية ترشيح عبود لدورة ثانية رغم مواجهته تهما جزائية بالتزوير واستعمال المزور، تعود للتأكيد بأننا لم نختره في المرة الاولى كخيار سياسي، وهذا أمر نتركه لأهالي الضيعة، ولكلمة القضاء اللبناني في القضية.
هكذا تقف القوات اللبنانية على الحياد، ريثما يصدر الحكم بحق عبود، فلا هي تبرأت منه بالعلن رغم تهم الفساد الموجهة إليه، ولا هي استشرست للدفاع عنه كأحد المحسوبين عليها. 
ويبقى موقفها في الانتخابات البلدية المقبلة، إن لناحية ترشيحه أو رفض ترشيحه، هو التعبير الأدق عن موقفها المبطن اليوم تجاه عبود، وكيفية تعاطيها مع الفساد عندما يأتي «من أهل البيت».
3 جهات تحمي عبود

التّدخلات السياسية، يمكن قراءتها بإعطاء شرعية ومدّه بهيبة ليس لدحض التهمة عنه بل لضمان استمراره بالعمل دون خجل.
في تكريم لأحد أطباء داربعشتار، بحضور المحافظ نهرا واسحق عبود، حضر النائب في التيار الوطني جورج عطالله.  فهل غاب عن نائب الكورة، أن عبود يواجه دعوى قضائية؟
في عشاء لتيار المردة، حضره النائب طوني فرنجية منذ شهر، كان عبود من أبرز المدعوين. فهل غاب عن منسقي العشاء، أن عبود، ملاحق قضائيا؟ 
في تكريم للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، من قبل رؤساء بلديات في الكورة، اختير عبود بانتقاء بين عدة رؤساء بلديات، قدموا للبطريرك الراعي درعا تكريميا. فهل غاب عن رؤساء البلديات أن عبود ملاحق قضائيا ولم يجدوا "أمثل" منه لتمثيلهم؟
كل هذا ولم نحسب حسابا لانتماء عبود السياسي، المفترض أنه قواتي، أو أقله، ليس عونيا، ولا محسوبا على المردة لكن للحسابات الانتخابية كلام آخر.

حكم القضاء... وحكم الأهالي

الدعوى التي تم تقديمها هي دعوى مخاصمة القضاة تقدمت لجانب الهيئة العامة لمحكمة التمييز وقد تبلغت قاضي التحقيق الاول في الشمال سمرندا نصار بالدعوى. 
وإن من شأن دعوى مخاصمة القاضية نصار، عرقلة سير العدالة ومنع قاضي التحقيق من اصدار قراره الظني بحق رئيس البلدية خاصة أن الهيئة العامة لمحكمة التمييز متوقفة عن متابعة النظر بالدعاوى المقدمة أمامها بسبب عدم إجراء التشكيلات القضائية لأعضائها من القضاة.
أخذها التيار الوطني والمردة واتحاد بلديات الكورة على عاتقهم، تغطية عبود سياسيا، ليصبح اليوم في عداد الفارين من وجه العدالة، بتعطيل صدور القرار الظني، الذي بات «مع وقف التنفيذ»، ريثما يبت بمخاصمة القاضية، أو بمعنى آخر، ريثما يبت بتشكيل الهيئة العامة للتمييز، وإلى حين تحرير ملف مرفأ بيروت، فإن عبود كالموظفين الذين عادوا للعمل في مرفأ بيروت "مكمّل" على رأس البلدية.... أما حكم القضاء فمؤجل، وكذلك حكم أهالي داربعشتار، مع التأجيل المستمر للانتخابات البلدية...