سقط جبران في إمتحان الحساب الإنتخابي
سقط جبران في إمتحان الحساب الإنتخابي
لا يصمد خطاب «نحن وحدنا في المعارضة» ولا مقولة «أخذوا نواباً بأصواتنا» أمام الوقائع التي تكشفها الأرقام.
لم يكن تصريح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن أنّ «التيار اليوم وحده في المعارضة، وأن الثنائي الشيعي أخذ نواباً بأصواتنا» مجرد موقف سياسي عابر، بل محاولة واضحة لإعادة تركيب المشهد الإنتخابي بما يخدم التموضع السياسي الجديد للتيار. غير أنّ العودة الهادئة إلى الأرقام، بعيداً عن الخطاب التعبوي، تكشف صورة مغايرة تماماً لما يحاول باسيل ترسيخه.
في دائرة البقاع الغربي – راشيا، تُظهر النتائج أنّ الأصوات العونية بلغت نحو 3576 صوتاً فقط، مقابل حوالى 9157 صوتاً لأصوات الثنائي الشيعي، فيما كان الحاصل الإنتخابي بحدود 10800 صوت. هذه المعطيات تؤكد أنّ التيار لم يكن قادراً على بلوغ الحاصل أو التأثير في النتيجة من دون الرافعة التصويتية التي وفّرتها أصوات الثنائي، ما يُسقط عملياً مقولة أنّ مقاعد الآخرين جاءت على حسابه.
الصورة نفسها تتكرر في زحلة، حيث نال التيار الوطني الحر حوالى 5554 صوتاً، مقابل نحو 16500 صوت لأصوات الثنائي الشيعي، مع حاصل انتخابي بلغ حوالى 12600. هنا أيضاً، يتبيّن أنّ الوزن الحاسم داخل اللائحة لم يكن عونياً، وأنّ أي تمثيل تحقق كان نتيجة التحالف لا نتيجة فائض شعبي مستقل.
أما في بعلبك – الهرمل، فتبلغ المفارقة ذروتها. التيار حصل على نحو 11400 صوت، في مقابل ما يقارب 140 ألف صوت لأصوات الثنائي الشيعي، مع حاصل انتخابي بلغ حوالى 18700. في هذه الدائرة تحديداً، يصبح الحديث عن أنّ الثنائي «أخذ نواباً بأصوات التيار» مقلوباً بالكامل، إذ إنّ التيار نفسه كان بحاجة أساسية إلى هذا التحالف لتثبيت حضوره النيابي.
وفي بيروت الثانية، تتوضح الصورة أكثر. الأصوات العونية لم تتجاوز 2000 صوت، مقابل حوالى 32000 صوت لأصوات الثنائي الشيعي، فيما بلغ الحاصل الانتخابي حوالى 13800. عملياً، لم يكن للتيار وزن انتخابي يسمح له بالتأثير في النتائج، بل كان وجوده مرتبطاً بقوة اللائحة التي ينتمي إليها.
وتبرز دائرة بعبدا كنموذج إضافي يُسقط سردية باسيل. ففي هذه الدائرة، حصد التيار الوطني الحر نحو 12000 صوت، فيما بلغ الحاصل الانتخابي حوالى 14000 صوت، ما يعني أنّ التيار لم يكن قادراً بمفرده على تأمين مقعد نيابي. في المقابل، حصد الثنائي الشيعي حوالى 19600 صوت، وهو ما شكّل العامل الحاسم في تأمين الحاصل والفوز. من دون هذا التحالف، لم يكن للتيار أي مقعد مضمون في بعبدا، ما يجعل الادعاء بالاستقلالية الانتخابية بعيداً عن الواقع.
ولا تقتصر الوقائع على هذه الدوائر. ففي الشوف – عاليه، كما في عكار، نال التيار الوطني الحر مقعداً ثانياً في كل دائرة على خلفية أصوات حلفاء الثنائي الشيعي ضمن اللوائح المشتركة، وليس نتيجة قوة عونية ذاتية مستقلة. هذا الواقع تؤكده نتائج الفرز وتوزّع الأصوات التفضيلية، ويُظهر أنّ هذه المقاعد لم تكن لتتحقق لولا هذا الغطاء التحالفي.
الاستثناء الوحيد نسبياً يظهر في كسروان – جبيل، حيث يمتلك الثنائي الشيعي حوالى 9500 صوت، وهو رقم لا يكفي وحده لتأمين حاصل انتخابي ومقعد نيابي. هنا فقط يمكن القول إنّ الثنائي يحتاج إلى أصوات التيار لتأمين الفوز، لا العكس. لكن تعميم هذه الحالة الخاصة على مختلف الدوائر يشكّل قفزاً فوق الوقائع ومحاولة لتضليل الرأي العام.
في الخلاصة، لا يصمد خطاب «نحن وحدنا في المعارضة» ولا مقولة «أخذوا نواباً بأصواتنا» أمام الحساب الرقمي البارد. في معظم الدوائر، كان التيار الوطني الحر مستفيداً من التحالفات لا متضرراً منها. أما إعادة تسويق سردية معاكسة اليوم، فهي جزء من معركة سياسية جديدة، لكنها تبقى بعيدة عن الحقيقة التي تكشفها الأرقام بلا مواربة.
ومن باب النصيحة من القلب، وقبل أي استحقاق انتخابي مقبل، قد يكون من المفيد العودة إلى المدرسة… ودراسة الحساب من جديد.

