ترامب يعيد تفويض سوريا... هل يكرر لبنان خطيئة ١٩٧٣؟

ترامب يعيد تفويض سوريا... هل يكرر لبنان خطيئة ١٩٧٣؟

  • ١٧ كانون الأول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

السؤال اليوم ليس احتمال الحرب الداخلية، بل ما إذا كان لبنان سيصمد ككيان موحد أمام خطر التفكك، التقسيم، واستنزاف مؤسساته في زمن إقليمي لا يرحم، ولا يترك هامشاً للأخطاء

في عام 1973، اتخذت الدولة اللبنانية قراراً سياسياً مموّهاً بالعجز، لكنها في الواقع خضعت فيه لضغط الشارع اليساري والقوى المؤيدة للفصائل الفلسطينية، فامتنعت عن نزع سلاح المنظمات الفلسطينية المسلحة. يومها قيل إنّ «الظرف لا يسمح»، وإنّ أي مواجهة ستفجّر البلد. النتيجة كانت معروفة، انفجار الحرب الأهلية، اجتياح إسرائيلي للجنوب، ودخول الجيش السوري إلى معظم الأراضي اللبنانية، وتحول لبنان إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية.

بعد أكثر من خمسين عاماً، يقف لبنان أمام مشهد يكاد يكون نسخة أكثر خطورة في عام 2026، تبدو الدولة اللبنانية عاجزة مرة أخرى عن اتخاذ قرار سيادي واضح بنزع سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية، لكن هذه المرة تحت ضغط القوى الموالية لإيران، لا تحت راية «القضية الفلسطينية» وحدها. الذريعة تغيّرت، لكن الجوهر واحد، دولة ضعيفة، قرار مصادَر، وسلاح خارج الشرعية يتحكّم بمصير البلاد.

 

التحوّل الأخطر اليوم يكمن في ميزان القوى الإقليمي. إسرائيل، التي لا تستطيع خوض حرب برية واسعة في البقاع بسبب كلفتها البشرية والعسكرية، تبحث عن مسارات بديلة لتحقيق هدفها الاستراتيجي، وهو إنهاء البنية العسكرية لحزب الله.  هذه المرة البقاع ليس الجنوب، والجغرافيا هناك لا تسمح بعمليات برية طويلة من دون أثمان باهظة، وهو ما يجعل خيار التفويض الإقليمي أكثر حضوراً من أي وقت مضى.

في هذا السياق، يعود العامل السوري إلى الواجهة. فدمشق ليست مجرد جار جغرافي، بل لاعب أساسي في معادلة السلاح في لبنان. ومن وجهة نظر دولية، سوريا هي الجهة الوحيدة القادرة عملياً على الدخول إلى البقاع ومناطقه الخلفية، حيث الثقل العسكري واللوجستي لحزب الله، من دون أن تتحمّل إسرائيل كلفة «النعوش» التي لا تريدها. هكذا يصبح الحديث عن دور سوري في نزع السلاح جزءاً من سيناريو قيد التداول، لا مجرد تكهّن سياسي.

 

المواقف الأميركية تعزز هذا المنحى. فالتصريحات التي أطلقها دونالد ترامب حول تفويض دول إقليمية للتدخل في لبنان ونزع سلاح حزب الله بالقوة لم تكن زلة لسان. هي تعبير عن قناعة متنامية في واشنطن بأنّ الدولة اللبنانية فقدت القدرة على الإمساك بقرارها السيادي، وأنّ الحل لن يأتي من الداخل بل عبر صدمة خارجية تفرض وقائع جديدة.

إذا استمر الشلل اللبناني، فإنّ السيناريو المقبل لن يكون نسخة طبق الأصل عن حرب 1975. الاحتلال الإسرائيلي للجنوب قد يعود تحت عنوان «الأمن الوقائي»، فيما قد يدخل الجيش السوري إلى البقاع والشمال بذريعة «منع الانهيار الشامل». عندها لن نكون أمام حرب أهلية تقليدية، بل أمام إعادة رسم نفوذ وحدود الأمر الواقع، وتقاسم غير معلن للأدوار بين قوى إقليمية.

 

السؤال الجوهري اليوم لم يعد ما إذا كان لبنان متجهاً إلى حرب أهلية ثانية، بل ما إذا كان الكيان نفسه لا يزال متماسكاً بما يكفي لتجنّب سيناريو أخطر، سيتجلى في تفكك بطيء، وتقسيم فعلي بلا إعلان، ودولة تُستنزف حتى آخر مقوماتها، تماماً كما حصل بعد 1973، لكن في زمن إقليمي لا يرحم، ولا يترك هامشاً للأخطاء.