ما هي «أرض الصومال»؟ ولماذا تدخل إسرائيل على خط الإعتراف بها؟
ما هي «أرض الصومال»؟ ولماذا تدخل إسرائيل على خط الإعتراف بها؟
أرض الصومال ليست دولة فاشلة انفصلت عن دولة ناجحة، بل كياناً حاول النجاة من فشل شامل.
تُطرَح «أرض الصومال» مجدداً في النقاشات الإقليمية، لكن هذه المرة ليس بوصفها حالة أفريقية هامشية، بل كعنصر يدخل تدريجياً في حسابات الأمن الإقليمي والبحري، وخصوصاً مع تزايد الحديث عن دور إسرائيلي غير مباشر في دعم مسار الإعتراف بها. في الظاهر، يُقدَّم الأمر كملف قانوني - سياسي عالق منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكن القراءة الأعمق تكشف أنّ ما يجري يتجاوز مسألة «دولة غير معترف بها» إلى إعادة رسم توازنات في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
أرض الصومال هي كيان أعلن إنفصاله عن الصومال عام 1991، عقب انهيار الدولة المركزية في مقديشو. منذ ذلك التاريخ، بنت مؤسساتها الخاصة، حكومة، برلمان، جيش، أجهزة أمن، عملة وطنية، وحدود تخضع لسيطرة فعلية. عملياً، تتصرف كدولة كاملة الأركان، لكنها قانونياً لا تزال خارج النظام الدولي، نتيجة رفض الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة فتح باب الإعتراف بها خشية من خلق سوابق إنفصالية.
الإنفصال لم يكن قراراً ظرفياً، بل نتاج مسار دموي. فخلال حكم سياد بري، تعرّض شمال الصومال لقمع غير مسبوق، بلغ ذروته بقصف مدن كاملة، وعلى رأسها هرجيسا، في أواخر الثمانينيات. هذا الحدث شكّل قطيعة نفسية وسياسية عميقة مع فكرة الوحدة، وجعل العودة إلى الدولة الصومالية المركزية خياراً مرفوضاً شعبياً في الشمال حتى اليوم.
بعد 1991، سلكت أرض الصومال طريقاً مغايراً لبقية الصومال. أعادت بناء نظامها عبر تسويات عشائرية داخلية، لا عبر وصايات خارجية. نظّمت انتخابات، شهدت تداولاً سلمياً للسلطة، ونجحت في فرض حدّ أدنى من الإستقرار في بيئة إقليمية شديدة الاضطراب. في المقابل، بقيت الدولة الصومالية في الجنوب رهينة الإنقسامات، والجماعات المسلحة، والتدخلات الأجنبية.
من هنا، تبدأ المقارنة السياسية، أرض الصومال ليست دولة فاشلة انفصلت عن دولة ناجحة، بل كياناً حاول النجاة من فشل شامل. وهي، خلافاً لما يُروَّج أحياناً، ليست كياناً إسلامياً متطرفاً. صحيح أنّ المجتمع محافظ وأنّ الإسلام حاضر في الدستور، لكن السلطة مدنية، ولا وجود لحركات جهادية فاعلة أو مشروع «إسلام سياسي» حاكم. بل إنّ أجهزتها الأمنية تخوض مواجهة مستمرة مع تنظيم «الشباب»، وتمنع تحوّل أراضيها إلى منصة للتنظيمات العابرة للحدود.
في هذا السياق، يدخل العامل الإسرائيلي. اهتمام إسرائيل بأرض الصومال لا ينبع من تعاطف سياسي أو اعتراف أخلاقي، بل من حسابات استراتيجية بحتة. الموقع الجغرافي للكيان، المطل على خليج عدن والقريب من مضيق باب المندب، يمنحه أهمية استثنائية في زمن تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة توتر مفتوحة، من هجمات الحوثيين إلى الصراع غير المباشر مع إيران.
بالنسبة لإسرائيل، أمن الملاحة بات أولوية قصوى. أي كيان مستقر، معادٍ للتنظيمات الجهادية، وغير خاضع للنفوذ الإيراني، يتحول تلقائياً إلى شريك محتمل. أرض الصومال، في هذا الإطار، تُقرأ كفرصة، استقرار محلي، قابلة للتعاون الأمني، وموقع يسمح بالمراقبة والإنذار المبكر على أحد أخطر الممرات البحرية في العالم.
يضاف إلى ذلك بُعد سياسي أوسع. إسرائيل لطالما اعتمدت سياسة بناء علاقات مع أطراف «غير مركزية» في محيطها الإقليمي، لتعويض العداء مع الدول العربية الكبرى. دعم مسار الإعتراف بأرض الصومال ينسجم مع هذه العقيدة، ويتقاطع أيضاً مع مصالح دول خليجية، ولا سيما الإمارات، التي استثمرت في ميناء بربرة وترى في استقرار هذا الكيان ركيزة لمشاريعها اللوجستية في البحر الأحمر.
مع ذلك، لا يعني هذا أنّ إسرائيل حسمت خيار الإعتراف الرسمي. حتى الآن، يندرج الدعم في إطار سياسي وأمني غير معلن بالكامل. الإعتراف الصريح يبقى رهناً بموقف واشنطن وبحسابات دولية أوسع، خصوصاً في أفريقيا، حيث لا يزال هاجس تفكك الدول قائماً بقوة.
في الخلاصة، أرض الصومال ليست تفصيلاً جغرافياً منسياً، بل كياناً يفرض نفسه بحكم الأمر الواقع. أما دخول إسرائيل على خط دعمه، فليس إنقلاباً في السياسة الدولية بقدر ما هو إنعكاس لتحولات أعمق في أمن البحر الأحمر وصراع النفوذ الإقليمي. وبينما يبقى الإعتراف الرسمي مؤجلاً، فإنّ الوقائع على الأرض تشير إلى أنّ هذا الكيان بات جزءاً من حسابات الكبار، شئنا أم أبينا.

