تعتبر مسألة الميثاق الوطني اللبناني وضرورة العيش ضمن إطار الدستور من القضايا المُتكررة في الخطاب السياسي اللبناني. لكن، رغم تكرار هذه الشعارات، فإنّ الواقع يُظهر فشلًا واضحًا في تطبيقها على أرض الواقع.
فمن جهة، تُعتبر هذه الشعارات بمثابة «مُهدئات» سياسية تُستخدم لتهدئة المخاوف من الأسوأ، وإخفاء حقيقة عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لتنفيذها. من جهة أخرى، لا يُمكن تجاهل الواقع المُر الذي يُظهر تآكلًا مستمرًا للنظام السياسي اللبناني، وغياب ثقة بين المكونات اللبنانية، وإنعدام كفاءة السلطة و إنعدام نيتها على حل المشكلات المُلحة، والتصدّي للمشاكل التي تهدّد الكيان اللبناني.
وسط هذه الأجواء، استقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل في بكركي، على رأس وفد من التيار.
الراعي: لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك
وبعد اللقاء، قال الراعي إنّ شعبنا يصلّي إلى الله من أجل خلاص لبنان من الحرب، ومن أجل إنتخاب رئيس للجمهوريّة هو الضامن الوحيد دستوريًّا لوحدة الشعب اللبنانيّ، وهو وحده يعيد للمجلس النيابي سلطته التشريعيّة المفقودة، وإلى السلطة الإجرائيّة المستقيلة سلطتها التنفيذية في الإدارة والتعيينات وغيرها.
وإعتبر الراعي أنّ غياب لبنان هو من دون شكّ أحد أكبر وخز ضمير للعالم. فلا يمكن التلاعب بلبنان أيًّا تكن الأسباب الخفيّة وراء عدم انتخاب رئيس له بعد عمر تجاوز المئة سنة. وعدم انتخابه يضرب ميثاقيّة العيش المشترك على مستوى مجلس النواب والحكومة وشرعيّة ممارستهما مع غياب أو تغييب الرئيس المسيحيّ، فمقدّمة الدستور تنصّ على أنّ «لا شرعيّة لأيّ سلطة تناقض العيش المشترك» (ي). وختم الراعي «يا ليت المسؤولين السياسيّين عندنا يفقهون كلّ هذا، فيضعوا قضيّة لبنان فوق كلّ إعتبار».
باسيل: العرف الأخطر هو إستسهال الفراغ الرئاسي
بدوره، أشار باسيل إلى أنّه في صيف ٢٠٢٢ استبقى التيار الفراغ الرئاسي والتقى البطريرك الراعي في الديمان وقلنا يومها «أنّنا معنيون أن نبادر في الاستحقاق الرئاسي وألا ننتظر».
ولفت إلى أنّ مصلحة التيار هي أنّ يدعم أحداً ومستعد أن يلتقي كقوى وكتل مسيحية مع الأطراف كافة لإطلاق انتخاب رئيس جديد للبلاد، مؤكداً «طلبت من الراعي يومها أن يجمعنا وأن يكون لنا مرشحنا لأنّه إن لم يكن كذلك فإنّ الآخرين سيكون لهم مرشحهم وكل الخطوات ستكون ردة فعل ولن نكون مبادرين في الاستحقاق الأساسي في البلد».
وشدد على أنّ البطريرك كان مقتنعاً في حينها ولكن لم يستطع جمعنا لأنّ الجهات الباقية لم توافق على هذا الأمر ودخلنا بالفراغ والطرف الآخر هو من رشح، مؤكداً على أنّ ما يقوم به التيار هو تحت عنوان واحد، أنّ هناك عملية منع أو تعطيل لإنتخاب رئيس للجمهورية، فهل سنتصدى لها او نسهلها؟
وأوضح أنّ التيار شدّد على ضرورة تأمين تفاهم على رئيس توافقي، وهناك شرطان أساسيان يجب أن يتمتع بهما، بناء الدولة وحماية لبنان، مشيراً إلى أنّ المقاومة معنية بالجهد الذي تقوم به ولكن «نحن أيضا معنيون بأن نطمئن الفريقين أن الرئيس سيتطلع إلى بناء الدولة وحماية لبنان»، وفق قول باسيل.
عوده يستذكر غسان تويني: لو كان حيّاً لكان أول الرافضين لما نعيشه!
وعلى صعيد متصل، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
وقال إنّ المسؤولين لا يسمعون أنين الشعب ولا يرون بؤس الحالة التي وصل إليها معظم أبناء هذا البلد. سنوات مرت على انتفاضة المواطنين وعلى تفجير العاصمة وعلى انهيار البلد. انتهت ولاية مجلس النواب السابق والرئيس السابق، وانتخب نواب آخرون فلا هم قاموا بواجبهم الدستوري ولا الحكومة طبقت برنامجا إنقاذيا. ماذا ينتظرون؟ ألا يعرفون أنّ الجسم بلا رأس يموت؟ ألا يدركون جميعهم، نوابا وحكومة وزعماء، أنّ البلد إذا زال لن يبقى ما يحكمونه أو من يمثلونهم أو يتزعمون عليهم؟ ولن تبقى مراكز يتسابقون إليها وكراس يتنافسون عليها؟ منذ أيام استذكرنا إنساناً كبيراً نتذكره كل يوم، وهو من ترك أثراً كبيراً في أجيال هذا البلد وفي تاريخه.
غسان تويني، شعلة الحرية، وعنوان الإيمان والثقافة والإنفتاح، الثائر على الظلم والجهل والتعصب وتلوث الفكر وانحطاط الأخلاق، المدافع عن لبنان ودوره، والرافض جعله ساحة يتقاتل عليها الآخرون، حامل لواء الديمقراطية والحق والعدالة، القائل: «لا حياة للبنان ولا مستقبل للتعايش فيه من دون ديمقراطية. السيادة كالإستقلال تبنى من الداخل ولا تؤخذ من الخارج بأمن مستعار قد فشل، فكيف بدفاع مستعار؟». لو كان حيا لكان أول الرافضين لما نعيشه من خرق للدستور وتعطيل لانتخاب رئيس واستباحة للبلد ولحقوق الشعب.
فرنجية يردّ على باسيل ويسترجع زمن الرؤساء الأقوياء
في الذكرى الـ46 لمجزرة إهدن، تمحورت كلمة رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية حول الملف الرئاسي. فرنجية تحدّث عن دور الموارنة في لبنان الذي يجب أن يكون جامعا. واعتبر أن على الموارنة في لبنان «الحفاظ على النظام الاقتصادي الحر واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي ». ورأى أن مسيحيي لبنان بخطر إن كان لبنان بخطر. فرنجية، مرشح الثنائي الشيعي لرئاسة الجمهورية، تحدّث عن «الرؤساء الأقوياء» مستذكرا كميل شمعون وسليمان فرنجية وفؤاد شهاب. ومن ثم تحدّث عن تراجع هذا الدور بعد «اتفاق الطائف».
وفي كلمته دعا فرنجية لجلسة انتخابية يواجه فيها جعجع، واعتبر أنه «إذ أردنا أن نمضي بنظرية التيار الوطنيّ الحر في شأن أن يكون رئيس الجمهورية الأكثر تمثيلًا للمسيحيين فيجب أن يكون رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الرئيس إذًا لأنه يملك الاكثرية اليوم».