اقتصاد مرفأ بيروت.. رئة لبنان المعيشية
اقتصاد مرفأ بيروت.. رئة لبنان المعيشية
لبلدٍ قائم على الاستيراد، انفجار المرفأ يعتبر كارثة إنسانية واقتصادية ومعيشية. فكون المرفأ، وخاصة الجمارك، مصدر نهبٍ وفساد، لكنه أساسي في أي مقترح لبناني إقتصادي متين، وإعادة لبنان على خريطة التجارة العالمية.
في الرابع من آب 2020، إنفجرت نيترات الامونيوم في مرفأ بيروت، وأدت إلى استشهاد 200 شخص، وإصابة أكثر 300 ألف آخرين، ودمار هائل في العاصمة، وطبعاً المرفأ.
قدّر البنك الدولي يومها الخسائر الناتجة عن الانفجار بين 6,7 و8,1 مليار دولار، فيما تراوحت قيمة الخسائر في المرفأ ومحيطه بين 3,8 و4,6 مليار دولار، أما الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تراجع إنتاج مختلف قطاعات الاقتصاد بما بين 2,9 و3,5 مليار دولار، وفق نتائج هذا «التقييم السريع للأضرار والحاجات» الذي قادته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبنتيجتها، انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبنان 0.4 نقطة عام 2020. وقدّر البنك الدولي كلفة إعادة إعمار المرفأ بـ 15 مليار دولار.
تبلغ مساحة المرفأ 1.2 مليون متر مربع، ويتألف من 4 أحواض، يصل عمقها إلى 24 متراً، ويضم 16 رصيفاً، ويرتبط مباشرةً مع 56 ميناء في القارات الثلاث، ويتعاون مع 300 مرفأ حول العالم.
يعتبر مرفأ بيروت أكبر نقطة شحن بحرية في لبنان، وعبره يدخل أكثر من 70 في المئة من الصادرات. وهذا أمر محوريّ، كون الاستهلاك المحلي قائم على الاستيراد، لا على الإنتاج المحلي. وبحسب أرقام الجمارك اللبنانية، بلغ حجم الاستيراد عام 2014 نحو 21 مليار دولار والتصدير 4 مليارات، وعام 2020 بلغ الاستيراد 11 مليار دولار والتصدير 4 مليارات دولار، وعام 2023 بقي التصدير عند الرقم عينه فيما الاستيراد بلغ 17.5 مليار دولار.
عام 2018، دخل إلى المرفأ نحو 7.05 ملايين طن من السلع، بنسبة 72 في المئة من إجمالي الواردات عبر البحر، مقابل صادرات بقرابة مليون طن، بنسبة 78 في المئة من الصادرات. كما نما متوسط حمولة المرفأ السنوي بين عاميّ 2005 و2018، من 4.48 ملايين طن إلى متوسط 8 ملايين طن. وشهد عام 2009 أكبر عدد للسفن التجارية التي نفذت عمليات شحن أو تخليص للسلع بـ 2400 سفينة تجارية. وبلغ إجمالي إيرادات المرفأ خلال عام 2019 نحو 200 مليون دولار، مقارنة مع 313 مليوناً عام 2018، في حين لم تتجاوز الإيرادات 90 مليوناً عام 2005.
في مقارنة الأعوام التي تلت الانفجار، بلغ إجمالي عدد التي دخلت إلى المرفأ عام 2022، 980 باخرة، ووصل حجم الوزن الإجمالي للبضائع إلى 4,406 ملايين طن، بنسبة 15 في المئة، بحسب بيانات «النشرة الشهرية للغرفة الدولية للملاحة». أما البضائع المستوردة فبلغ وزنها 3,613 ملايين طن بزيادة نسبتها 15 في المئة. وبلغت القيمة الإجمالية للواردات عبر 78 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2021.
يومها ارتفع الاستيراد بعد الحديث عن رفع سعر صرف الدولار الجمركي، وخاصة السيارات، لتخزينها وبيعها بأسعار مرتفعة لاحقاً. عام 2023، ارتفعت حركة المرفأ عما كانت عليه عام 2022، حيث بلغ عدد البواخر التي رست في المرفأ 283 باخرة، بارتفاع 8 في المئة عن عام 2022. أما وزن البضائع فبلغ 1.268 مليون طن مقابل 1.257 مليون طن، أي بارتفاع قدره 11 ألف طن. وأشارت إلى ارتفاع حركة السيارات في الربع الأول من عام 2023، وبلغت 20.051 سيارة مقابل 6.486 سيارة للفترة ذاتها من عام 2022، أي بارتفاع قدره 13.565 سيارة بنسبة 209 بالمئة.
وفي عام 2024، لم يعُد المرفأ للعمل بشكلٍ طبيعي كما قبل الانفجار، وقد شهد زيادة في نشاط الشحن، حيث بلغ إجمالي حركة البضائع 640,000 طن في آذار 2024، مقارنة بـ 481,000 طن في الشهر نفسه من عام 2023، بزيادة نسبتها 14.3 في المئة. وبحسب «بلوم إنفست» فقد انخفض إجمالي نشاط الحاويات بنسبة سنوية تقدر بـ 7.3 في المئة في نيسان 2024، وانخفاض نشاط النقل العابر بنسبة 9.06 في المئة، وانخفاض نشاط الحاويات بنسبة 6.52 في المئة. وبشكلٍ عام، انخفض حجم النقل العابر بنسبة 8.85 في المئة.
لعب المرفأ دور الوساطة التجارية بين الشرق الأوسط وأوروبا، حيث كانت تشكل التجارة والنقل نحو 20 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي بين عاميّ 2004 لغاية 2018، بلغ الاستيراد في تلك الفترة 51 في المئة من الناتج المحلي عام 2008، وتراجعت إلى 36 في المئة عام 2018، بحسب إدارة الإحصاء المركزي. أما من ناحية التصدير، فإنّ 50 في المئة من الصادرات خرجت من مرفأ بيروت، ومثلت السلع المصدرة بين 7 و15 في المئة بين عاميّ 2004 و2018.
يعتمد الاقتصاد اللبناني على الاستيراد، وانفجار المرفأ يعني تأثر الاستهلاك المحلي، فقد ترافق الانفجار مع تدهور سعر الصرف، حيث خسرت الليرة أكثر من 98 في المئة من قيمتها، وحجز أموال المودعين في المصارف.
يساهم المرفأ في الجباية عبر الرسوم الجمركية والضرائب المرتبطة بالتجارة. وقد ارتفع الدولار الجمركي من 1507.5 ليرة إلى 15 ألف في موازنة عام 2022، ثم 45 ألف باتفاق جرى بين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل في آذار 2023، ترافق ذلك مع قرار وزير الاقتصاد أمين سلام باعتماد سعر الصرف في السوق السوداء لبيع السلع والخدمات، في قرار بدولرة الاقتصاد بشكلٍ تام.
اليوم، هناك مساعٍ لاعادة إعمار المرفأ، وحصل على حق الاستثمار رجل الأعمال اللبناني-الفرنسي رودولف سعادة، كما حصل على حق استثمار مرفأ طرابلس. إذ فازت في عام 2022، شركة CMA Terminals، التابعة لشركة CMA CGM، بعقد امتياز لمدة عشر سنوات لإدارة وتشغيل محطة الحاويات في مرفأ بيروت. تعهدت الشركة باستثمار 33 مليون دولار في المحطة، مع التركيز بشكل رئيسي على استبدال وتجديد وشراء معدات جديدة.