المدارس الخاصة في لبنان: أسعار نارية ورفض للتدقيق المالي... من يحمي حقوق الأهالي؟
المدارس الخاصة في لبنان: أسعار نارية ورفض للتدقيق المالي... من يحمي حقوق الأهالي؟
تشهد الساحة اللبنانية اليوم واحدة من أشدّ المعارك غير المعلنة بين الأهالي والمدارس الخاصة، مع تصاعد أزمة موازنة المدارس وارتفاع الرسوم بشكل ناري يثقل كاهل الأسر. في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، يزداد الغموض حول كيفية تحديد المدارس الخاصة لرسومها السنوية، ورغم الدعوات المتكررة للتدقيق في موازناتها، تصر المدارس على التمسك بسريّة حساباتها، مما يثير تساؤلات كثيرة حول شفافية هذه المؤسسات التعليمية ودورها الفعلي في الأزمة
على مدى السنوات الماضية، تحولت المدارس الخاصة في لبنان من ملاذ آمن للتعليم إلى عبء مالي ثقيل على الأسر. ارتفاع الأسعار لا يُقارن بتحسن مستوى التعليم أو تطوير الخدمات، ب يترافق مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع نسب الفقر. السؤال المحوري هنا: كيف يمكن لمدرسة تطالب برسوم خيالية أن ترفض الكشف عن تفاصيل موازنتها؟ وما هي الأسرار التي تحاول هذه المؤسسات إخفاءها؟
أصبحت المدارس الخاصة تشكل ما يشبه «الحصن الحصين» الذي يصعب الإقتراب منه، حيث تستغل الثغرات القانونية لرفض التدقيق في موازناتها. هذا الرفض العلني يضعها في دائرة الشك، حيث يثار الشك في وجود تلاعب بالأرقام لتحقيق أرباح هائلة على حساب الطلاب والأهالي. فإذا كانت المدارس تؤدي رسالتها التربوية بأمانة وشفافية، فلماذا الخوف من التدقيق؟
وبينما تبرّر بعض المدارس رفضها للتدقيق بذريعة الحفاظ على خصوصية مؤسساتها، يرى البعض الآخر أنّ هذا الرفض ما هو إلا محاولة للتغطية على فضائح مالية. ففي حين يُطالب الأهالي بمعرفة كيفية إنفاق أموالهم، تصر إدارات المدارس على أنّ تكاليف التشغيل وارتفاع الأسعار العالمية هي السبب وراء رفع الرسوم. لكن، أين الحقيقة؟ ولماذا لا تقدم المدارس حساباتها بشكل شفاف وواضح؟
الرفض المتكرر للتدقيق المالي يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات. هل تعاني المدارس الخاصة من فساد داخلي يجعلها تخشى من الكشف عن حساباتها؟ أم أنّ القضية أعمق من ذلك، حيث أصبحت هذه المؤسسات تُدار كأنّها شركات ربحية تهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الأرباح، بغض النظر عن التبعات الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع؟
المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الرقابة الفعالة من الدولة، حيث تُترك المدارس الخاصة لتحديد رسومها بلا رقيب أو حسيب. وفي ظل هذا الوضع، يبقى الطالب اللبناني وأسرته هم الضحية الأولى، حيث يجدون أنفسهم بين مطرقة التعليم الجيد وسندان الرسوم الباهظة.
مع إقتراب العام الدراسي الجديد في لبنان، تتفاقم أزمة الأقساط المدرسية بشكل غير مسبوق، حيث تشير التقارير إلى إرتفاع الرسوم بنسبة تتراوح بين 30% و50% في بعض المدارس الخاصة مقارنةً بالعام الماضي. هذا الارتفاع الجنوني يضع الأهالي أمام خيارات صعبة، إذ يتوجب على العديد منهم إما التخلي عن تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة أو اللجوء إلى استدانة الأموال لتغطية هذه التكاليف الباهظة.
وفقًا لتقرير صادر عن «المرصد اللبناني للتعليم»، فإنّ متوسط القسط السنوي في المدارس الخاصة بات يتجاوز 10,000 دولار، وهو مبلغ يتجاوز بكثير دخل معظم العائلات اللبنانية، خاصة في ظل تدهور قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار. هذا الواقع المأساوي يضع الأسر في موقف لا تُحسد عليه، حيث تشير الأرقام إلى أن أكثر من 60% من الأسر اللبنانية تعاني من صعوبة في تأمين تكاليف التعليم الخاص.
وفي تقرير صادر عن «جمعية حماية المستهلك»، يتبين أنّ هناك تضارباً كبيراً في الأرقام بين المدارس المختلفة، حيث تتراوح الزيادات بين 20% و80%، دون وجود مبررات واضحة أو معلنة. هذا التباين أيضاً يطرح علامات إستفهام حول مدى شفافية هذه المؤسسات التعليمية، ويفتح الباب أمام الشكوك حول استغلال الأزمة الإقتصادية لتحقيق أرباح غير مشروعة.
مع بداية العام الدراسي، من المتوقع أن نشهد مزيداً من الاحتجاجات من قبل الأهالي، حيث بدأت بعض المجموعات بتنظيم اعتصامات أمام المدارس للمطالبة بتجميد الرسوم أو تخفيضها. وقد صرّح بعض أولياء الأمور بأنهم يفكرون في اللجوء إلى القضاء لفرض تدقيق في موازنات المدارس، خاصة في ظل غياب أي دور فعّال من الدولة في تنظيم هذا القطاع.
وفي هذا السياق، أشارت دراسة أجرتها«الجامعة الأميركية في بيروت» إلى أنّ استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى تزايد الفجوة التعليمية في لبنان، حيث ستصبح المدارس الخاصة حكراً على النخبة القادرة على دفع الرسوم الباهظة، بينما سيضطر الباقون للجوء إلى المدارس الحكومية التي تعاني بدورها من ضعف التمويل والبنية التحتية.
في الختام، فإنّ أزمة الأقساط المدرسية في لبنان تعكس فشلاً مركباً على مستوى المؤسسات التعليمية والدولة. وما لم يتمّ اتخاذ خطوات حازمة لتصحيح هذا الوضع، فإنّنا سنشهد مزيداً من التدهور في مستوى التعليم، وزيادة الضغط على الأسر اللبنانية التي تعاني أصلاً من ضغوط اقتصادية لا تطاق. إنّ الوقت قد حان لمساءلة هذه المدارس وإلزامها بالكشف عن حساباتها، حفاظاً على مستقبل الأجيال القادمة.