التفاح في لبنان: تحديات الإنتاج والتصدير في ظل الأوضاع الاقتصادية والمناخية
التفاح في لبنان: تحديات الإنتاج والتصدير في ظل الأوضاع الاقتصادية والمناخية
يُعدّ التفاح أحد أهم المحاصيل الزراعية في لبنان، حيث يعتمد المزارعون في العديد من المناطق على هذه الزراعة كمصدر دخل أساسي. لكن في السنوات الأخيرة، واجهت زراعة التفاح تحديات كبيرة نتيجة لتغيرات المناخية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، ما أثر على الإنتاج والتصدير. من قضاء بشري إلى بسكنتا والعاقورة، وصولًا إلى الشوف، يتشابه واقع المزارعين في معاناتهم من انخفاض الإنتاج وارتفاع تكاليف الزراعة، مما يدفع البعض إلى اعتماد أساليب زراعية جديدة للتأقلم مع الظروف الصعبة.
التفاح في بسكنتا :
في حديث مع المهندس شربل حبيقة حول واقع زراعة التفاح في لبنان وتحديات تصديره، أكد أن إنتاج التفاح هذا العام شهد تراجعًا كبيرًا بسبب الظروف المناخية، حيث أشار إلى أن الإنتاج الوطني العام الماضي بلغ 5 ملايين صندوق، بينما لا يتجاوز هذا العام مليونين. أما في بسكنتا، فإن الإنتاج لن يتخطى 200 ألف صندوق.
وفيما يتعلق بتصدير التفاح، أوضح أن الأسواق الخارجية، مثل مصر، تواجه تحديات كبيرة، منها صعوبة شحن الدولارات والوضع الاقتصادي المتردي، مما يؤثر سلبًا على قدرة لبنان على تصدير التفاح إلى الخارج. وأشار أيضًا إلى أن التجار أحيانًا يستبدلون التفاح بفاكهة أخرى مثل المانجا لمواجهة هذه الأزمات.
وعن أسعار التفاح هذا العام، كشف حبيقة أنها تتراوح ما بين 5 و15 دولارًا، حسب نوع المنتج، مشيرًا إلى وجود تفاوت كبير في الأسعار. ودعا المزارعين إلى تحسين إنتاجهم والاهتمام بالجودة لزيادة فرص التصدير.
وفيما يتعلق بالأساليب والتقنيات الجديدة لتحسين الإنتاج، أشار حبيقة إلى أن المسؤولية تقع جزئيًا على التجار الذين يتفقون فيما بينهم على تحديد أسعار معينة في بعض المناطق، مما يؤدي إلى استغلال الوضع لصالحهم.
أما بالنسبة لدور التعاونيات في بسكنتا، فقد أكد وجود أكثر من تعاونية تلعب دورًا أساسيًا في دعم المزارعين، سواء من خلال المساعدة التقنية لتحسين الإنتاج أو في عملية التسويق. وشدد على أهمية التعاونيات في توحيد جهود المزارعين والتفاوض على أسعار أفضل.
وعن الحلول المقترحة، دعا حبيقة إلى تحسين دور الإرشاد الزراعي، خاصة فيما يتعلق بالتقنيات الحديثة والتقليدية وتقديم برامج تسميدية موجهة للمزارعين. كما شدد على ضرورة الرقابة على المبيدات المستخدمة لضمان إنتاج سليم وصحي، بما يضمن سلامة الغذاء ويعزز ثقة التجار والمزارعين في المنتج اللبناني.
وفيما يتعلق باستيراد التفاح من الخارج في ظل وجود كميات كبيرة من التفاح اللبناني، دعا حبيقة إلى رفع الجمارك على المنتجات المستوردة لحماية الإنتاج المحلي، مؤكدًا على أهمية وضع خطة دولية لتعزيز هذا الاتجاه.
التفاح في بشري :
في مقابلة خاصة مع «بيروت تايم»، تحدث المهندس جان مراد عن واقع إنتاج التفاح في قضاء بشري، حيث أوضح أن القطاع يعاني منذ أكثر من سبع سنوات، مشيرًا إلى أنّ المزارعين يتعرضون لخسائر متتالية نتيجة التغيرات المناخية والأسعار المنخفضة. وأكد مراد أنّ الأشجار هذا العام تعاني من قلة الإنتاج، إذ يحمل الموسم ربع المحصول المعتاد.
وأشار مراد إلى أنّ أشجار التفاح في قضاء بشري تنقسم إلى طفرات عديدة من أصناف «الغولدن والريد ديليسيوس»، بعضها حديث نسبيًا. أما عن مسألة الجودة، فقد شدد مراد على أن ترسبات المبيدات تُثير قلق التجار، مما يؤدي إلى تفاوت في نوعية التفاح المصدر، حيث يتم تصدير أغلب التفاح اللبناني إلى مصر، بينما تذهب النوعية الأجود إلى دول الخليج. وكمية الإنتاج في قضاء بشري في المواسم الطبيعية يصل إلى حوالي مليون صندوق، يحتوي كل صندوق على 20 كيلوجرامًا من التفاح، إلا أنّ هذا الموسم شهد تراجعًا ملحوظًا ليصل الإنتاج إلى 250 ألف صندوق فقط.
وفي إطار الجهود المبذولة لتحسين إدارة المحصول، أشار مراد إلى أنّ هناك 40 مزارعًا من المنطقة حصلوا على شهادة «الإدارة المتكاملة لمحصول التفاح» (ICM) من شركة CCPB الإيطالية. هؤلاء المزارعون كانوا جزءًا من مشروع بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة العالمية (FAO)، ما ساهم في تحسين الممارسات الزراعية وزيادة الجودة.
وحول الزراعات البديلة، أكد مراد أنّها تحتاج إلى استراتيجية طويلة المدى من قبل الدولة ولفت إلى ضرورة أن تقوم الأخيرة بتحديد الأصناف الزراعية الملائمة لكل منطقة، بالإضافة إلى إبرام اتفاقات مع الدول المستوردة. وأوضح أن هناك أصنافًا جديدة مثل الطفرات الحديثة من تفاح «Gala» يتم تشجيع المواطنين على زراعتها، ولكنها تواجه أيضا تحديات الأمراض الفطرية والحشرية مع التغيرات المناخية. وأضاف أنّه إذا اتجه الجميع إلى زراعة نفس الصنف، ستعود المشكلة نفسها مع تراكم الإنتاج.
وعن دور التعاونيات الزراعية، ذكر مراد أنّ قضاء بشري يضم عشرة تعاونيات زراعية، مشيدًا بدور تعاونيات حدث الجبة، بزعون، وحصرون، التي تلعب دورًا أساسيًا في دعم المزارعين. وأوضح أن التعاونيات تجمع بين المزارعين لتحقيق هدف مشترك وهو تحسين الإنتاج والتصدير.
وفيما يخص الأسعار، أفاد مراد بأن أسعار التفاح هذا العام تراوحت بين 12 و20 دولارًا للصندوق، موضحًا أن هذا الارتفاع جاء نتيجة انخفاض الإنتاج وزيادة حجم الثمرة، ما ساعد تجمّع مزارعي التفاح في القضاء على توحيد سعر التفاح ورفعه، وهو ما أثار اعتراض بعض التجار.
أما بالنسبة لإستعمال المبيدات الممنوعة، فقد أشار مراد إلى أنّ هناك جهودًا لزيادة الوعي بين المزارعين، وخاصة من خلال حملات توعوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم ذلك، إنّ الالتزام الكامل لم يتحقق بعد.
واختتم مراد حديثه بتسليط الضوء على أهمية فتح أسواق جديدة للتفاح اللبناني، مشددًا على ضرورة أن تقوم الدولة بوضع استراتيجية لتوسيع الصادرات وخاصة العمل على إعادة فتح سوق المملكة العربية السعودية. وأشار إلى أنّ التفاح في قضاء بشري يتميز بطعمه الفريد بفضل المناخ الملائم في المنطقة، لافتًا إلى وجود معمل فرز حديث في منطقة بيت منذر، وهو من المعامل القليلة المتخصصة في لبنان.
ميشال ناصيف: «التحديات التكنولوجية والتغليف تعرقل تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية»
أكد ميشال ناصيف، مدير شركة واكيم جروب، أن شركته تمتلك مستودعات تبريد وأن العمل التكنولوجي في مجال الفرز الزراعي أصبح أسهل، لكنه أوضح أنّ هذا لا يحل جميع المشاكل. وأشار إلى أنّ من بين المشاكل التي تواجه القطاع الزراعي في لبنان هي التصدير، حيث يلعب التغليف والتصنيف دورًا هامًا.
كما أنّ السوق اللبناني ما زال يعتمد بشكل كبير على استخدام البلاستيك في التغليف، بينما يجب أن نتطور نحو استخدام الكرتون والحصول على شهادات مثل ISO وHASSP، حيث ترفض العديد من الدول استيراد منتجاتنا بسبب عدم الامتثال للمعايير الدولية.
وأوضح ناصيف أنّ الفرازات التكنولوجية لا تؤثر على الأسعار بشكل مباشر، لكنها توفر العمالة في لبنان الذي يفتقر إلى المنافسة العالمية. وأشار إلى أنّ إحدى ميزات التفاح اللبناني هي قدرته على التحمل لفترات طويلة من التخزين البارد، مما يميزه عن منتجات أخرى. ورأى أنّه يجب على المزارع أن يكون واعيًا ويدير موارده بحكمة، في حين تتحمل الدولة مسؤولية كبيرة في دعم هذا القطاع.
التفاح في العاقورة :
في مقابلة مع الصحافي والمزارع جليل الهاشم حول واقع زراعة التفاح في العاقورة، قال إنّ المنطقة تتميز بنوعية تفاحها بفضل التربة والمناخ، إضافة إلى نوعية المطاعيم المستخدمة. موضحاً أنّ العاقورة حددت أصناف التفاح المزروعة، مثل Double Red وScarlett وGala، وهي أصناف أمريكية مطلوبة في الأسواق.
وأكد الهاشم أنّ الإنتاج السنوي في العاقورة يتراوح في الموسم الطبيعي بين 500 ألف و600 ألف صندوق، لكن هذه السنة لم يتجاوز 150 ألف صندوق بسبب المشاكل المناخية التي أثرت على الإنتاج.
وأضاف أنّ الأساليب والتقنيات الزراعية في العاقورة قد تطورت بشكل كبير، حيث ساهمت البرك الترابية في ضخ المياه إلى الأنهار، والتحول إلى الري بالتنقيط أدى إلى توفير المياه بشكل أكبر. وأشار إلى أنّ المزارعين يتابعون التطورات في الزراعة الحديثة في أوروبا وأمريكا لتطبيقها محليًا.
أما بالنسبة للأسعار، أكد الهاشم أنّ تفاح العاقورة يعتبر من الأعلى سعرًا بسبب استخدام المطاعيم الجديدة التي تحسن من نوعية الإنتاج.
وفيما يتعلق بالتعاونية الزراعية في العاقورة، أشار الهاشم إلى أنّها غير فعالة حاليًا، وطالب بتطعيمها بمزارعين جدد وبالحصول على دعم من المؤسسات التي تساعد في تحسين العمليات الزراعية وتنميتها.
التفاح في الشوف :
في مقابلة مع المزارع جليل العلي من منطقة الشوف، الذي يتبع التقنيات الحديثة في زراعة التفاح، أكد أنّ معظم أشجار التفاح في المنطقة يتراوح عمرها بين 15 و20 سنة. ورغم وجود العديد من التعاونيات الزراعية، أشار إلى أنّها غير فعالة وغير مجدية في المنطقة، مضيفًا: «أشعر أن غيابها قد يكون أفضل لأنها لا تقوم بأي دور فعلي».
بصفته مزارعًا محترفًا، اقترح العلي العودة إلى الزراعة المكثفة واعتماد أصناف جديدة من التفاح. وأوضح أنّ الزراعة المكثفة تعتمد على تربية الأشجار على السقالات، مما يسمح بزراعة أشجار قزمة عالية الإنتاجية، وهي مطلوبة عالميًا لجودتها وأسعارها المرتفعة.
وأكد العلي أن تطبيق هذه التقنية الحديثة في زراعة التفاح أدى إلى زيادة الإنتاج بشكل ملحوظ، حيث ارتفع الإنتاج في الدنم الواحد من 2 طن إلى 9 أطنان من التفاح من الفئة الأولى. وأشار إلى أن هذه الأصناف الجديدة تجلب أسعارًا أعلى بكثير، حيث ارتفعت من 80 ألف ليرة إلى 200 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد.
وأنّ هذه الأساليب الحديثة لا تساهم فقط في رفع نسبة الإنتاج، بل تساعد أيضًا في تخفيض تكاليف الزراعة وتحسين جودة التفاح المنتج، ما يجعله مرغوبًا أكثر في الأسواق العالمية ويساهم في تحسين فرص التصدير.
وأكد العلي أنّ الزراعة الحديثة ليست فقط عن تقنية جديدة، بل تتطلب أيضًا التعليم والتدريب المستمر للمزارعين، حيث يمكن أن تسهم ورش العمل والندوات في رفع مستوى الوعي والمعرفة حول الأساليب الحديثة والممارسات الزراعية الأفضل.
وعن التحديات التي تواجه زراعة التفاح في الشوف، ذكر العلي أن المناخ المتقلب وارتفاع كلفة المدخلات الزراعية، مثل الأسمدة والمبيدات، يشكلان عائقًا كبيرًا. والمزارعون يحتاجون إلى دعم أكبر من الحكومة أو المؤسسات الخاصة لتحسين إنتاجهم وتقليل التكاليف.
كما دعا العلي إلى أهمية تحسين نظام الري ورفع مستوى البنية التحتية، خاصة فيما يتعلق بشبكات المياه، حيث يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الإنتاجية.
التوصيات العامة :
بعد إجراء هذه المقابلات المتعددة، يتضح أن زراعة التفاح في لبنان تعاني من مجموعة من التحديات التي تتطلب تعاونًا مستدامًا بين المزارعين والتعاونيات الزراعية والحكومة. يُنصح بأن تشمل الحلول:
1. التوجيه والتدريب: إقامة ورش عمل ودورات تدريبية للمزارعين حول التقنيات الزراعية الحديثة وإدارة المحاصيل.
2. تحسين تسويق المنتجات: إنشاء استراتيجيات تسويقية فعالة تهدف إلى فتح أسواق جديدة للتفاح اللبناني، وخاصة في دول الخليج.
3. دعم حكومي: تقديم الدعم المالي والفني للمزارعين لتعزيز قدرتهم التنافسية وتحسين جودة الإنتاج.
4. تحفيز التعاونيات: دعم وتعزيز دور التعاونيات الزراعية لتكون فعالة في تسويق المحاصيل ودعم المزارعين.
5. رفع الوعي البيئي: القيام بحملات توعية حول استخدام المبيدات والممارسات الزراعية المستدامة لضمان سلامة المنتجات وتحسين سمعة التفاح اللبناني في الأسواق العالمية.
ختامًا، تبقى زراعة التفاح في لبنان أحد القطاعات الحيوية التي تحتاج إلى الابتكار والدعم المستدام لتحقيق النجاح والاستدامة.