تحرّك العسكريين… بين النيّة الصافية واستغلال السياسيين
تحرّك العسكريين… بين النيّة الصافية واستغلال السياسيين
الهاجس الأكبر أن يُستخدم وجع العسكريين مرّة جديدة كوقود في معارك سياسية لا علاقة لها بمطالبهم. فهم يستحقون أكثر من وعود متكررة وشعارات موسمية، يستحقون فعلاً أن يشعروا أنّ تضحياتهم لم تذهب هدراً.
عاد مشهد العسكريين المتقاعدين إلى الواجهة، في تحرك جديد يطرح تساؤلات حول أهدافه الفعلية: هل هو تحرك تلقائي صادق نابع من معاناة حقيقية، أم أنّه مدفوع بمحركات سياسية تريد إعادة إنتاج زعامات ضائعة أو توظيف وجع هؤلاء في بازار المصالح؟
منذ سنوات، شهدت الساحة اللبنانية تحركات مشابهة، حيث استُخدم العسكريون كواجهة لمعارك لم تجلب لهم شيئاً. يكفي التذكير بأحد العمداء الذي لم يكن يفارق الشاشات، قبل أن يختفي من المشهد من دون أن يتحقق للعسكريين أي مطلب أساسي. يومها كانت الأجندة سياسية بامتياز، ووجد المتقاعدون أنفسهم ضحية إستغلال مضاعف: من جهة الدولة التي تجاهلت حقوقهم، ومن جهة القوى التي رفعت شعارات على حساب وجعهم.
اليوم، يطلّ النائب شامل روكز كمحور في هذا الحراك، وسط تساؤلات عن رغبته في استرجاع زعامة خسرها. لكن في المقابل، هناك أصوات بين العسكريين تؤكد أنّ النية صافية هذه المرة، وأنّ التحرك نابع من مأساة إجتماعية حقيقية. أحد الضباط المتقاعدين يقول:«نحن عشنا أيام العز، قدّمنا أنفسنا كرمال الوطن، واليوم وضعنا أصعب من المتسولين».
المفارقة أنّ هؤلاء العسكريين الذين كانوا يوماً من الطبقة الميسورة، باتوا اليوم في مواجهة مباشرة مع الفقر والذل. ومع ذلك، يلوح سؤال أخطر: ماذا لو كان التحرّك هذه المرة جزءاً من معركة سياسية مدفوعة، هدفها إجبار الحكومة على زيادة الرواتب، حتى ولو أدى ذلك إلى تسريع الإنهيار الإقتصادي؟ في هذه الحال، كيف سيكون موقف فخامة الرئيس، الذي لولا انتخابه رئيساً لكان واحداً منهم، يواجه الفقر والذل نفسه في دولة تخلّت عن أبنائها؟
يبقى الهاجس الأكبر أن يتكرر سيناريو الإستغلال السابق، وأن يُستخدم وجع العسكريين مرّة جديدة كوقود في معارك سياسية لا علاقة لها بمطالبهم. لكن الأمل الذي يعبّر عنه كثيرون بينهم هو أن يكون هذا التحرّك مختلفاً، وأن يثمر نتيجة حقيقية تعيد لهم بعضاً من حقوق ضائعة وكرامة مسلوبة. فهم يستحقون أكثر من وعود متكررة وشعارات موسمية، يستحقون فعلاً أن يشعروا أنّ تضحياتهم لم تذهب هدراً.