حماس مهزوزة في غزة وقوية في الضّفة.. من هم قادة غزّة الجدد

حماس مهزوزة في غزة وقوية في الضّفة.. من هم قادة غزّة الجدد

  • ١٧ آذار ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

توضع اليوم في تل أبيب، خواتيم خطط «اليوم التالي بعد حرب غزة»، وإن كان ذلك يتمّ بسريّة تامّة وخلف الكواليس، ولايزال رئيس حكومة الطوارئ بنيامين نتنياهو، يرفض الدخول في تفاصيل اليوم التالي مع دائرة كبيرة من المسؤولين في «الكنيست»، أو أمام الرأي العام الإسرائيلي.

وتُفسّر المعارضة الإسرائيلية التي يقودها عضو «الكنيست يائير لابيد» ذلك، بخوف نتنياهو من المحاسبة السياسية والشعبية والقضائية، بعد الحرب، إذ يحمله الرأي العام الإسرائيلي بغالبيته، مسؤولية هجوم السابع من أكتوبر، بحسب آخر الإستفتاءات الإسرائيلية غير الرسمية.

وفي اليوم التالي، حكم فلسطينيّ جديد لقطاع غزة، لا يمّت ل«حركة حماس» بصلة. وفي السياق، يقول رئيس الأركان الإسرائيلي أنَّ قواته قد دمّرت 18 كتيبة مقاتلة للقسّام، من أصل 24 كتيبة، ويؤكد بحسبه، أنَّ قواته قادرة على تدمير كل الكتائب مع دخول رفح، التجمّع الأخير للفلسطينيين. 

أكثر من ذلك، حدّدت إسرائيل أماكن تواجد الأسرى ويحيى السينوار معاً، وهي تقول أنَّهم في أنفاق خان يونس، حيث الأسرى يُحيطون بالسنوار.

وعلى خطّ الأسرى نفسه، يأتي المقترح الأخير ل«حركة حماس» القائم على إطلاقها لأسيرات ومرضى مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين. تل أبيب لم ترّد حتى الساعة على هذا المقترح، إلا أنَّ حماسة نتنياهو للعب ورقة الأسرى لم تعُد بالحجم نفسه، مع تركيزه على الهدف الأهم الذي يُشكل له العقبة الأكبر أمام المعارضة الإسرائيلية، وهو تدمير «حماس» مهما كان السبب، وسحب السلطة في غزة من تحت بساط الحركة وقيادييها. 

إسرائيل أكَّدت أمام المجتمع الدولي أنَّ لا نيّة لها للسيطرة على القطاع، إلا أنَّها وفي معرض اليوم التالي، وضعت خطة ممنهجة لتسليم القطاع إلى سلطة فلسطينية لا تمّت بصلة لحكومة محمود عباس في رام الله، بأي صلة. علما أنَّ الأسماء المقترحة «فتحاوية»، لها تجربة بشكل أو بآخر مع «حركة فتح». 

وبحسب ما نقلت «يديعوت أحرونوت»، ثمّة إسمان، هما الأكثر تداولاً لقيادة القطاع. وثمّة من ربط الأخطاء الناجمة عن سقوط المساعدات على المدنيين في غزة، بخطة ممنهجة لنتنياهو قوامها ترويج ضرورة خلق خلية فلسطينية تُنسق مع إسرائيل ولا رابط بينها وبين «حركة حماس»، تتحول تدريجياً من خلية إلى سلطة قائمة بنفسها. 

وعلى هذا الخط، يأتي أولاً محمد دحلان، الشخصية الفلسطينية المتموّلة المقيمة اليوم في العاصمة المصرية القاهرة. دحلان، الذي إستثمر مؤخراً بالإعلام العربي من باب قناة الغد، وزار تل أبيب وعائلته أكثر من مرّة بعد طوفان الأقصى، هو رجل إستخبارات من الطراز الرفيع. طُرد من حركة فتح، إلّا أنَّ علاقاته مع الإسرائيليين بقيت قوية كحضوره في الأوساط الفلسطينية. 

ولد دحلان في خان يونيس في قطاع غزة عام 1961، درس في مؤسسات «الأنوروا» في القطاع وتخرّج من الجامعة الإسلامية في غزة. إعتقلته السلطات الإسرائيلية عدّة مرات بين عامي 1981 و1986 بعد تأسيسه الذراع الطلابي ل«حركة فتح». أتقن اللغة العبرية ودرس المجتمع الإسرائيلي عندما كان في السجن. تبوأ مناصب عدة في حركة فتح بعد ترحيله في العام 1987. بعد توقيع أوسلو، عاد لغزة رئيسا لقوات الأمن الوقائي ونسج علاقات إستخباراتية قوية مع الإسرائيليين والأميركيين. إنتفض على ياسر عرفات بعد رفض الأخير تعيينه وزيراً للداخلية عام 2002. في العام 2011 طرده محمود عباس من الهيئة القيادية لحركة فتح بسبب تّهم جنائية ومالية أطلقت عليه. حُكم عليه بالسجن غيابياً عام 2014.

الإسم الثاني هو، ماجد فرج، مع إستبعاد معلومات فلسطينية مطلعة خاصة ب«بيروت تايم»، قدرة إسرائيل على تليين هذا الرجل الذي وإن كان قد نسّق معها من ضمن خطط التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي التي أرستها إتفاقية أوسلو، إلا أنَّه لا يخرج من عباءة السلطة الفلسطينية، التي تحاول إعادة إنتاج نفسها بأطر محدّدة. والبعض يرى بذلك، خطوة للأمام يقوم بها محمود عباس للتسويق لسطلته في اليوم التالي بغزة. وهذا الأمر مقبول أميركياً إلّا أنَّه غير مقبول إسرائيلياً. علما أنّ السلطة الفلسطينية على لسان مستشار الرئيس عباس، محمود الهباش، رفضت ربط إستقالة حكومة محمد أشتيه وتكليف عباس لمحمد مصطفى بتشكيل حكومة جديدة، بخانة الإستجابة للمطالب الأميركية، بغية تعزيز ورقة عودة السلطة إلى غزة التي خرجت منها عام 2007. 

وعلى عكس محمد دحلان، إنّ علاقة فرج بالسلطة الفلسطينية التي ينتمي إليها أصلا، ممتازة. بدأ فرج حياته السياسية في الجبهة الشعبية قبل المشاركة في تأسيس «شبيبة حركة فتح»، هو رئيس المخابرات الفلسطينية، منذ العام 2009. سُجن فرج في أولى محطات حياته النضالية لأكثر من مرّة، في السجون الإسرائيلية حيث تعلّم ونال الشهادات في تلك الفترة. ويُقال أنّ الفترات التي أمضاها بالسجن توازي 6 سنوات، مجتمعةً.  بعد صفقة القرن، وعند أعلن «ترامب» نقل السفارة الأميركية إلى القدس، قد كلّف عباس ماجد فرج، ترؤس وفد فلسطيني إلى واشنطن لإقناع واشنطن بخطورة هذه الخطوة التي تقضي على مشروع حلّ الدولتين. وكان إختيار فرج بسبب  شبكة علاقاته القوية مع الأميركيين. إلى ذلك، لعب فرج أدواراً بارزة في الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، وكان إجتمع مراراً بمسؤولي «حماس». إلا أنَّه وفي العام 2020 تمّ تفكيك خلية إرهابية في رام الله كان هدفها تصفية أفراد عائلة فرج. وقد إتُهمت «حركة حماس» بذلك. 

في المحصّلة، يرى متخصّصون بالشأن الإسرائيلي، أنَّ تل أبيب تُخبّئ أسماءً فلسطينية لم تعلن عنها بعد. فيما تركز اليوم على سلخ أهل قطاع غزة عن «حركة حماس». وهذا الأمر لا يبدو بالصعب، حيث تتفاقم اليوم أصوات الغزاويين  الذين بات 85% منهم مهجّرون خارج القطاع. وقد إعترفت قيادات في الحركة أمثال محمد نزال بوجود إستياء شعبي فلسطيني من «حركة حماس» والحرب التي طالت ونشرت الفقر والمرض وخلّفت أرتالاً من الشهداء. هذا بالإضافة إلى تجّار الحرب، الذين يتاجرون بآلام الفلسطينيين في شتّى المجالات، من تأمين الأكل والشرب، إلى تأمين الترحال خارج القطاع. ولكن أمام ذلك، ثمّة مئات الآلاف من الشباب الذين آمنوا بالجهاد وبمقاومة «حركة حماس» التي تراجعت شعبيتها في غزة فيما تقدمت في الضفة الغربية لتقلب القاعدة وتصبح: حماس مهزوزة في غزة وقوية في الضفة الغربية. أما السلطة، فتبحث عن موطئ قدم لها، وتعي أنَّ ثمة من يؤيدها في القطاع إن خُيّر بينها وبين «حماس». ولكن، تبقى أهداف إسرائيل بعيدة عن الحركتين، ويبقى لها أسماء فلسطينية محضّ إسرائيلية لم تُعلن عنها بعد.