ذاكرة السمك الفاسد ذاكرتنا.. ألف صحتين!

ذاكرة السمك الفاسد ذاكرتنا.. ألف صحتين!

  • ٢٣ آذار ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

إجتمعت لجنة الإقتصاد النيابية للنظر في ملف سلامة الغذاء، لاسيّما الأرز المُسرطن الذي تفاعل اللبنانيّون معه وكأنّه «تريند» شبيه بقصص «التيكتوتكرز» التي تضجّ فيها مواقع التواصل ليومين، وتموت في اليوم الثالث.

الأمر كارثي. والكارثة تكمن بتهاون المؤتمنين على سلامة الغذاء، والتعاطي «السطحي» مع السُّم الذي يتناوله الناس على موائدهم. فالشُحنة التي استوردتها شركة «السلطان»، لصاحبها رجل الأعمال عماد الخطيب، والتي بلغت حمولتها 40 طناً من الأرُز، فيما 24 طنّاً منها مُسرطنة، قد أَفرغت كلّ محتوياتها المسرطنة منها وغير المسرطنة وبيعت في الأسواق. فيما تعاطت اللجنة الإقتصادية النيابية مع هذا الملف بهدوء وكأنّ الأمر عاديّ.

أكَّد مدير عام وزارة الزراعة، لويس لحود في الإجتماع، أنَّ شركة «السلطان» قامت ببيع الأرز الفاسد في الأسواق ولم تنتظر الكشف على البضاعة وتصرّفت بالشحنة المخالفة للمواصفات، وبهذا  قد خالفت الشركة التعهّد رقم 57، ثمّ عمدت إلى تضليل المكلّفين بالكشف، عبر إستبدال العيّنة، دون أن يُستلحق الأمر بالمحاسبة القضائية الضروريّة.

والكارثي، أنَّ الدولة اللبنانية التي لا تملك نظام «تتبّع» قادر على مراقبة المواد الغذائية، لم يجِد مفتشوها أيًّا من الأكياس غير المطابقة للمواصفات خلال جولاتهم على بعض السوبرماركت، وهي أكياس بالّلون الأخضر، علامتها التجارية (دعوة)« DAAWAT» وقد إقتصر عمل المفتشين على هذا الحدّ. علماً أنَّ شركة «السلطان» تستطيع بكل سهولة، إستبدال أكياس الأرز المسرطن بأكياس «هديل» مثلا، حيث أنّ العلامتين التجاريتين "دعوة" و«هديل» مملوكتان من الشركة نفسها.

 

لا إجراءات عقابية، من الوزارات المعنية بحقّ الشركة، التي لاتزال تسوّق لمنتجاتها على مواقع التواصل الإجتماعي وتوزّعها على المحال. صحيح أنَّ ملفها بات في عهدة القضاء، إنَّما لا يُعوّل كثيراً على القضاء بهذا الخصوص، حيث في لبنان  ليست هناك جهة واحدة قادرة على البتّ بما إذا كانت المواد الغذائية صالحة أو غير صالحة، بحيث تتوفر أربعة مختبرات لهذا الغرض وهي: مختبر الجامعة الأميركية في بيروت، مختبر لاري في الفنار، مختبر البحوث الصناعية IRI في الحدث - الشويفات، ومختبر RBML. وقد حدث سابقاً، أن أكَّد مختبر من تلك المختبرات سلامة عيّنة، فيما كذَّب مختبر آخر جودتها.

شحنة السيد عماد الخطيب تلك التي تضمنت أطناناً من الأرز المسرطن، بقيت ثمانية أشهر في عنبر من عنابر مرفأ بيروت. تقول وزارة الاقتصاد إنَّ مؤسّسة الجمارك اللبنانية ووزارة الزراعة قامتا بما يجب القيام به تجاه شحنة «السُّم»، دون تبليغ وزارة الإقتصاد. لتسلك المواد السّامة طريقها إلى لبنان والأسواق بهدوء وكأنّ سمّاً لم يكُن! 
وتتبرأ وزارة الإقتصاد من مسؤوليتها تجاه شُحنة «الخطيب» المُسرطنة على إعتبار أنَّ إعطاء تأشيرة الدخول لشحنات الأرز من مهام  وزارة الزراعة التي حاولنا الإتصال بالمدير العام فيها لويس لحّود مرّتين دون تلقي أي جواب. وقد طرحنا هذا الملف عليه عبر «الواتساب» دون أن يكون لكلامنا صدىً. 

الأكيد، أنَّ ما قامت به وزارة الإقتصاد غير كافٍ. ومفتشوها زاروا متاجراً للبحث عن أكياس «دعوة». وعادوا أدراجهم بصمت. لم يكن معهم معالي الوزير أمين سلام، معاليه الذي دخل متاجراً أول رمضان برفقة ترسانة من أمن الدولة. ويا ليت تلك الترسانة وُظّفت لمحاسبة كل من يتاجر بمواد مغشوشة ويبيعها بالأسواق. لا سيّما أنَّ وزارة الإقتصاد ذهبت إلى شركة «السلطان»، سألت عن الأرز المسرطن وكان الجواب أنَّه قد تم بيعه.ستبقى سلامة الغذاء في لبنان صعبة المنال طالما مصالح الشركات المستوردة أهم من صحة المواطنين. ولا حلّ إلّا عبر تطبيق قانون سلامة الغذاء والاتفاق على آلية لانتخاب أعضاء الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء، كي تباشر بعملها.

طُرحت أهمية الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء في آخر إجتماع للجنة الاقتصادية النيابية، دون أن تتطرّق اللجنة إلى ما هو أبعد من الإشارة إلى دور الهيئة في وقف كل التجاوزات التي تطرأ على ملف سلامة الغذاء بحيث أن الأجهزة المطلوب منها اليوم ضمان سلامة الغذاء غير مُفعّلة بسبب تضارب المصالح والصلاحيات. ولا بدّ للمتاجرة بسلامة الغذاء أن تنتهي، وأن تُعتمد نتائج الفحوصات المخبرية الدقيقة والموثوقة، خصوصاً وأنَّ المختبرات الأربعة التي تعترف الجهات الرسمية بفحوصاتها قدّمت نتائج متباينة في أكثر من مرّة.