إسرائيل وايران.. تحالف تاريخي مستتر!

إسرائيل وايران.. تحالف تاريخي مستتر!

  • ٢٢ نيسان ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

العلاقة بين اليهود والفرس منذ قدم التاريخ.. مسرحية مواجهات اليوم تغطّي المصالح المشتركة!

ليس من جديد أنّ الطرفين الأخطر في الإقليم، هما إسرائيل وإيران. إسرائيل الكيان الذي يحتلّ فلسطين، وإيران حاملة المشروع الذي قوامه بسط أجندتها في سائر دول الشرق الأوسطية. والتلاعب في المشاهد السياسيّة العربيّة بأذرعٍ عسكريّة كـ«حزب الله» و«كتائب الحوثيين» وغيرها، أو التدخّل العسكري المباشر، كما هو الحال في سوريا، الذي تعتبره إيران حجة محقّة لمقاومة الكيان الصهيوني ومشروعه في الشرق. أمّا المواجهات الأخيرة بين الطرفين، بدت كمسرحية عنوانها «الرّد على الرّد»...

عبوراً بالزمان والمكان إلى القرون الأخيرة من الألف الثاني قبل الميلاد، في بلاد ما بين النهرين،  يتبيّن أنّ تاريخ العلاقات بين الفرس واليهود، له مكانة مهمّة في دراسة السياسة الشرق الأوسطية، ونلاحظ أنّ التحالف بينهما هو منذ قدم التاريخ. 

الفرس يحرّرون اليهود من بابل
في العهد الفارسي، حاز اليهود على مكانة كبيرة، وأهمية وظيفية لدى الملك الفارسي قورش. 
عاشت هذه الطائفة قبل العودة الى القدس في بابل، و أصبحوا في غضون مدة وجيزة أغنى أهل بابل، بحسب كتاب دراسة للتاريخ - «أرنولد جوزف توينبي». فتقلّدوا مناصب مهمّة في الدولة الرسمية آنذاك، وحصلوا على إمتيازات مالية مهمّة، والأهم في هذه الأحداث، أنّهم إستطاعوا التواصل سرّاً مع ملك الفرس قورش، فكانوا الأداة له لإحتلال بابل. والجدير ذكره، أنّ اليهود كانوا مكروهين من جميع الشعوب التي أحاطتهم. فقد عاداهم المصريون والآراميون والفلسطينيون الكنعانيون والآشوريين والبابليون والكلدانيون والإغريق ممّن خلفوا الإسكندر المقدوني والروم والنصارى والأنباط ثم العرب المسلمون.. ولم يصادق اليهود في كلّ تاريخهم القديم إلّا المجوس الفرس الذين حالفوهم ونصروهم. 
والتاريخ خير دليل، فقد أطاح اليهود بملك بابل نبوخذ نصر الثاني، بتحالفهم مع الفارسيين، ووعدهم الملك قورش بالعودة إلى القدس وبناء هيكل سليمان. فبعدما

استطاع الملك قورش الأخميني هزيمة مملكة بابل، اعتبروه اليهود منهم، ورفعوه في نفوسهم وأدبياتهم إلى مقام الأنبياء وهم أول من قالوا بأنّه ذو القرنين.

اليهود في خدمة السياسة الفارسية
بالإشارة إلى أنّه على الرغم من اتّباع الفرس سياسة عسكرية خلال مرحلة التوسّع، إلّا أنّهم تجنّبوا إتّباع سياسة النفي والتشريد، وكانوا يكتفون بتنصيب مراقب سياسي في كلّ منطقة لديهم. إلى ذلك، استفاد الفرس من اليهود، إذ اعتبروا أنّ الطائفة اليهودية، تساعد في  تشكيل توازن فعّال تجاه المجتمع الموالي للمصريين وقتها، واعتمدوا اليهود كجواسيس لهم. 
وهي نفس السياسة التي اتّبعها الإستعمار الفارسي، آواخر القرن التاسع عشر حينما تبنّى الحلّ الصهيوني، من خلال إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ليلعب هذا الكيان، دوراً مركزياً في خدمة أجندات إستراتيجية غربية في المنطقة العربية.

فقد استفاد الفرس من اليهود على الصعيدين السياسي والمالي، وحتى اليوم يقوم الرأي الإيراني حول اليهودية على الأساس نفسه الذي وضعه الإمبراطور قورش عند تحريره اليهود من السَّبْي البابلي، وهو أنّ اليهود جنس له شبه كبير بالجنس الآري (الفارسي)، ويمكن الإستفادة منه من خلال إغرائه بالمال.

أمّا من الجانب الحضاري، نجد أنّ الإسرائيليين، قد تأثّروا بالفرس، فاستخدموا العملة الفارسية، التي عثر عليها، في القرن السادس في القدس. كما أنّهم تأثّروا بالديانة الفارسية، فأخذوا عنها بعض التقاليد مثل البعث، الحساب، الملائكة والجن… وبحسب سفر أستير في الكتاب المقدّس، فإنّ اليهودية كانت تتواجد في بلاد فارس منذ زمن الملك الأخميني أحشوريش الأوّل.
ونظراً إلى تعاليم اليهود الدينية، لا بدّ من التطرّق إلى كتاب التلمود، فقد جاء في عزرا 1:1: «أن كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ أصدر أمره بعودة بني إسرائيل لبلادهم سنة  536 ق م، وإعادة بناء الهيكل».

كما إنّ التعاليم في التلمود تمثّل إنعكاس للنفسية الفارسية التي أعطت نوعاً من الشرعية والقداسة لجميع الرذائل اليهودية من الحقد والظلم والكذب. إذ قد ادّعى لاحقاً كهنة الطائفة الفريسية أنّ الله أوحى للنبي موسى أثناء الأربعين يوماً التي قضاها في طور سيناء، تعاليم غير التوراة التي كتبها له في ألواح. 

صراعات الفرس والعرب
فكما يظهر مدى التناغم الفارسي اليهودي عبر عدّة محطات تاريخية، ثقافية ودينية، كذلك يتماهى هذا الإندماج مع موضوع الصراع العربي الفارسي. 
ومن أقدم لحظات الصراع بين العرب والفرس هو ما حدث في عهد الملك سابور الثاني (309- 379م) الذي أغار بعض العرب على أطراف مملكته وغنموا منه مغانم كبيرة واحتلّوا جزءاً من أرضه، فشّن حملةً كبيرةً للإنتقام عام 350م، وقتل عدداً كبيراً من أهل«البحرين»، وقيل أنّه روى الأرض بدماء أبناء تميم وبكر وعبد القيس….

وهكذا لا يخلو التاريخ من إشتباكات كثيرة متتالية بين العرب والأمّة الفارسية، تذكّرنا بها الإشتباكات في العصر الحديث بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية.   

الجالية اليهودية الإيرانية

فلعلّ مصالح مشتركة، جمعت إسرائيل وإيران منذ قدم التاريخ، ناهيك عن إعتراف الأخيرة بدولة إسرائيل بعد الإعلان عن تأسيسها عام 1948. أمّا بعد ذلك، حدثت موجة كبيرة من هجرة يهود إيران، وكانت الموجة الثانية بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. وتجدر الإشارة إلى أنّ ربع مليون يهودي من أصل إيراني يعيشون في إسرائيل اليوم. 

بالمحصّلة، إذا دقّقنا في التاريخ القديم والحديث، لا نجد أي معركة واحدة بين الفرس واليهود، لا بل العكس أكان في عهد الدولة الساسانية أو في عهد الإمبراطورية الفارسية أو في عهد الإمبراطورية الصفوية. ولم تنقلب العلاقات بين هاتين القوتين، إلّا بعد عام 1979. 
من جهة أخرى، تعدّ إيران نفسها العرّابة على مشروع مقاومة إسرائيل في الشرق، متجاهلة التاريخ المشترك الذي يجمعهما، فلما لا تكون هذه المقاومة تلبّي من جديد مصالح إيرانية، في الشرق الأوسط ؟