مثلث الصراع داخل إيران.. والأسوار «المحصّنة»
مثلث الصراع داخل إيران.. والأسوار «المحصّنة»
الركن الأول للصراع القائم داخل إيران يتمثَّل بالمحافظين المرتبطين بمكتب الإرشاد الذي يديره الخامنئي، هم لا يسعون إلّا إلى دوام الحال في إيران، طالما هم المسيطرون، أما وفاة رئيسي، فلا تبدو ضربة قوية لهذا التيار.
في تصريحه الأول بعد وفاة رئيس الجمهورية الإيرانية، قال نائبه، محمد مخبر، إنّ «أطر النظام الإيراني وأسسه متينة، ولن تكون هناك مشكلات في إدارة البلاد».
ومخبر هذا استلم بالفعل المهام التنفيذية للبلاد بعد وفاة رئيس بلاده إبراهيم رئيسي، وسيكون رئيساً لإيران ريثما يقرّر الشعب الإيراني، في 28 تموز المقبل، هوية الرئيس الجديد. إلّا أنّ تصريحه الأول المتعلّق بأوضاع النظام أتى في وقت طُرحت فيه علامات استفهام حول قدرة صمود النظام الإيراني أمام فقدان رئيسه، وأمام قلة حيلة إيران خارجياً هذه الأيام، كما حالها الإقتصادية الصعبة.
وإن كان فقدان رئيس دولة مثل إيران يشكل ضربة مهمة لاستقرارها، إلّا أنّ النظام السياسي القائم فيها لا يتعلق بشخص رئيسي بالذات، وذلك ببساطة، لأنّه لا يسيطر على عملية صنع القرار جدياً في الداخل، ولا يملك قدرة حقيقية على صنع السياسات الكبيرة في البلاد. لكن ذلك لا يعني أنّ النظام الإيراني سيبقى دون «خضات» قد تقضّ مضجعه في الأسابيع القليلة المقبلة، خاصة وأنّ الصراع على النفوذ في أوجه داخل أسوار دولة إيران الإسلامية «المحصّنة».
صاحب القرار الحقيقي داخل أسوار تلك البلاد هو المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، ذو الـ85 عاماً، المريض والمنهك صحياً، والذي يمسك بالحرس الثوري الإيراني، ذي الحضور الواسع في الداخل الإيراني والخارج أيضاً، والذي يشكل، بالحقيقة، قاعدته الشعبية والعسكرية الأساسية.
حتى الرئيس الذي توفي في حادثة الطائرة يوم الأحد، هو من صنع خامنئي بذاته، وهو من اختاره ليكون رئيساً للبلاد واستخدمه كأداة في سياساته القائمة، منذ عام 2018، بهدف ترقية الموالين له. فيما فقدان الأداة لا يعني الشيء الكثير بالضرورة، طالما الأصل لا يزال يسيطر على إيران بشكل واضح. لقد كان اختيار رئيسي مدروساً عندما تبوأ الرئاسة عام 2021، إذ إنّه يمثل غلاة التيار المحافظ، وكانت وظيفته الأساسية ترقية المحافظين لتشديد السيطرة على كامل مفاصل الحكم الإيراني، في مقابل محاولات الإصلاحيين تعزيز نفوذهم بالاتكال على النقمة الشعبية من الحال الإقتصادية السيئة في إيران.
على المقلب نفسه، يتصاعد نجم إبن خامنئي، مجتبي، كخليفة محتمل لوالده. يعمل هذا الرجل البالغ 54 عاماً، في مكتب المرشد الأعلى، وهو صاحب نفوذ ومقدرة في الداخل الإيراني حتى من دون الحاجة إلى أن يكون منتخباً أو معيناً بشكل رسمي من أحد. وفيما تعرف الولايات المتحدة الأميركية قدرات هذا الرجل ودوره في الداخل والخارج، وأفردت له سلسلة من العقوبات منذ عام 2019، «بسبب استخدام مبالغ مالية ضخمة في قضايا مرتبطة بالفساد»، يعرف المعارضون الإيرانيون كذلك مدى وطأة هذا الرجل وتحكّمه بالمؤسسات العسكرية الإيرانية، وأعماله القمعية نحوها، وهو يحظى بدعم المحافظين المتشددين داخل النظام أمثال سعيد جليلي (كبير المفاوضين النوويين) ومهرداد بازرباش (وزير الطرق والتنمية الحضرية) وغيرهم.
الركن الأول للصراع القائم داخل إيران يمثل، إذاً، المحافظين المرتبطين بمكتب الإرشاد الذي يديره الخامنئي، وهم لا يسعون إلّا إلى دوام الحال في إيران، طالما هم المسيطرون، بشكل غالب، على كامل السياسة الإيرانية وعملية صنع القرار. أما وفاة رئيسي، فلا تبدو ضربة قوية لهذا التيار، بقدر ما تبدو فرصة مهمة لصعود مجتبي في سلم النفوذ والسلطة داخل النظام.
أما الركن الثاني في الصراعات الداخلية الإيرانية، فيقوم على مجموعة من البيروقراطيين ورجال الدين العاملين في المؤسسات الرسمية، والذين يتعاونون حيناً ويتخاصمون أحياناً أخرى. من هؤلاء يبرز رئيس البرلمان الإيراني الحالي، محمد باقر قاليباف، الذي يملك قاعدة شعبية مهمة داخل النظام، وله إرتباطات واسعة فيه، بحكم شغل مناصب عدة في السابق، بما في ذلك عمدة العاصمة طهران وقائد شرطتها قبل ذلك. كذلك يبرز إسم غلام حسين محسني إيجه، رجل الدين والسياسي ورجل المخابرات المهم الذي يشغل الآن رئاسة السلطة القضائية الإيرانية، وكان قد تولى وزارة الإستخبارات والأمن القومي في إيران في فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد.
هؤلاء، وكثيرون غيرهم، من كبار السن الذين يواظبون على الترقي منذ حلول الخامنئي مرشداً أعلى للجمهورية عام 1989، يرون أنفسهم أمام فرصة إستثنائية للحلول مكان الرئيس المتوفي أو حتى المرشد الأعلى بعد سنوات، ويحافظون، مثل كل من يبغي ترقي السلم صعوداً، على علاقة مع المرشد الأعلى وإن أبدوا تمايزاً بسيطاً عنه بين الحين والآخر.
أما الركن الثالث، والأخير، من مثلث الصراع القائم في إيران، فيقوده محمد خاتمي، الرئيس الإيراني السابق، وأبرز شخصية في التيار الإصلاحي. وفي الواقع، هناك «أنواع" متعددة من الإصلاحيين في إيران، كالتقليديين، والمعتدلين والراديكاليين، إلّا أنّ خاتمي يبقى النقطة الجامعة بينهم ويحظى بدعم أغلبية أطياف التيار الإصلاحي. وهو، حالياً، يرأس المعارضة الإيرانية التي ترى ضرورة في إجراء إصلاحات جذرية في بنية النظام الإيراني، وتتكل على السند الشعبي بين الحين والآخر.
المثلث هذا يتصارع على السلطة والنفوذ في إيران، وسيتصارع، على الأرجح، إنتخابياً، في تموز القادم للوصول إلى السدّة الرئاسية، على الرغم من أنّ قرار المرشد الأعلى، الخامنئي، يبقى الأساس في تحديد من يحقّ له الترشّح ومن يُمنع من ذلك، وصولاً إلى رئيس جديد يكون موالياً له. وفيما يبقى الخامنئي الشخصية الأساسية داخل أسوار إيران المحصّنة، والتي تحدّ من تهوّر الساسة وأي محاولة لضرب بنية النظام القائم، ستكون الأيام صعبة على الإيرانيين ونظامهم السياسي بعد غياب الخامنئي، وليس خلال وجوده.