أين كان أصحاب المبادرات الرئاسية ومن أين جاؤوا؟
أين كان أصحاب المبادرات الرئاسية ومن أين جاؤوا؟
إنّهم يبادرون بعدما طرحوا رئاسة الجمهورية في أسواق النخاسة الإقليمية والدولية وبعضهم يتأبط ذراع الإيراني و البعض الآخر ذراع الأميركي، وآخرون ذراع القطري والسعودي والفرنسي والمصري، كما أنّ بعضهم متلذّذ بالفراغ الدستوري وبالتفاوض بإسم اللبنانيين وباستقبال السفراء والموفدين.
هل جاؤوا مع هوكشتاين ولودريان أم مع سفراء اللجنة الخماسية؟ فمن يتابع تحركات المبادرين من الكتل النيابية اللبنانية يظنّ للوهلة الأولى أنّهم قد قدموا لتوّهم من بلدان بعيدة يستطلعون أخبار السياسة اللبنانية والعوائق التي تحول دون إنتخاب رئيس للبلاد في ظلّ أسوأ وأخطر الأزمات الوجودية التي تعصف بلبنان، وفي ظلّ هذا التدحرج المخيف من تحلّل مؤسسات الدولة.
يجولون على بعضهم البعض ويدورون حول أنفسهم وكأنّهم قد تنبهوا فجأة من سبات عميق، وكأنّم يتعرّفون إلى بعضهم البعض للمرّة الأولى، ولا يعرفون مواقف بعضهم البعض من هذا الإستحقاق الدستوري الداهم، ومن كلّ ما تتعرّض له البلاد. يجولون ويستصرحون بعضهم البعض مثل القطط التي تلحس المبرد وتتلذّذ بطعم دمائها.
يجولون ويجتمعون ويصرّحون في تكرار للمواقف مملّ وقاتل ولكن بصيغ لغويّة جديدة.
معظم المبادرين إن لم نقُل جميعهم هم من الذين قادوا البلاد الى الإنهيار وساهموا في سرقة أموال اللبنانيين وفي تجويعهم وإذلالهم وتشتّت الشباب اللبناني في كلّ أنحاء الأرض، والذين يتتّبعون أصحاب المبادرات الرئاسية تفاجئهم هذه الطهرانية وهذه البراءة في توصيف الرئيس العتيد وفي توصيف العوائق وكأنّهم أبرياء من دم هذا اللبنان، وكأنّهم لم يعرقلوا يوماً أي إنتخابات رئاسية أو تشكيل أي حكومة، وكأنّهم لم يتبؤوا يوماً أي موقع سلطوي، ولم يبيعوا ولم يشتروا ولم يشاركوا يوماً في الحكومات والصفقات والعمولات ولم يهدروا فلساً واحداً ولم يهرِّبوا أموالاً الى الخارج، وكأنهم مستقلون في أفكارهم ومواقفهم المعلنة وغير مرتبطين بأي جهة.
لقد أصيب معظم اللبنانيين بالقرف واليأس وهم يتابعون الحوارات والمواقف المتلفزة والتي يغيب عنها أيّ هم معيشي أو أي خارطة طريق لمعالجة واحدة من الأزمات العديدة التي يعانون منها. ويعرف اللبنانيون كما المبادرين أنّ في تحركاتهم مضيعة للوقت وإلهاء عن الأسباب الحقيقية لأوجاع لبنان، واللبنانيون باتوا شبه متأكدين أنّ هذه المبادرات هي محاولة للشفاء الشخصي ومحاولة خلاص فردي إذ يحاول أصحابها إيجاد مخارج لأزماتهم الذاتية أو أزمات كتلهم النيابية المصابة بالعقم والجفاف. كما يحاولون إيجاد مبرّرات لإلتفافهم المنتظر على مواقف كانوا قد أعلنوها سابقاً أو تحالفات كانوا قد نسجوها، أو هم في طور حجز مكان لهم بعد حرب غزة وحرب الجنوب في حال كان هنالك من تسوية ما.
يجول أصحاب المبادرات على بعضهم وفي تجوالهم عجز عن تعديل موازين القوى وإستسلام للواقع المخيف وخوف من تسمية الأمور بأسمائهاالحقيقية من دون لفّ ودوران، ومن دون أن يُسائلوا من يقفل مجلس النواب واضعاً المفاتيح في جيبه، ومن دون أن يُسائلوا من يشاغل إسرائيل في ظلّ هذا الفراغ القاتل . لذا هم يتشاطرون ويتبارون في صياغة المآزق صياغة لفظية سرعان ما تغدو فاقدة الصلاحية صباح اليوم التالي.
إنّهم يبادرون بعدما طرحوا رئاسة الجمهورية في أسواق النخاسة الإقليمية والدولية وبعضهم يتأبط ذراع الإيراني والبعض الآخر ذراع الأميركي، وآخرون ذراع القطري والسعودي والفرنسي والمصري، كما أنّ بعضهم متلذّذ بالفراغ الدستوري وبالتفاوض بإسم اللبنانيين وباستقبال السفراء والموفدين. وهكذا فإنّ أهل السلطة أو ما تبقّى منها يتساجلون ويتهادنون فوق جثّة البلاد المسجّاة في العواصم القريبة والبعيدة دون أدنى أيّ شعور بالخجل، وإن لم يخجلوا منا فليخجلوا من فشلهم، ومما إقترفت أيديهم من ذبح للبلاد وأهلها، وفي التنكّر لمعنى لبنان.
أين كانوا؟ ومن أين جاؤوا؟وكأنّهم لم ينغمسوا يوماً في وحول السياسة اللبنانية، أو كأنّهم لم يقترعوا يوماً على ثيابنا، ولم يشاركوا في تعذيبنا وصلبنا.
فإلى متى سيبقى كلام المبادرين في العموميات؟. وإلى متى يسجّلون الوجع اللبناني ضدّ مجهول؟