عاجل: رئيس توافقيّ
عاجل: رئيس توافقيّ
لا أحد يعرف كيف توافَق اللبنانيّون، على الشيء وعكسه، على رأس هرم أقوى دولةٍ في العالم، ولم يفلحوا في تقاربٍ طفيف بأكثر الأمور بديهيّةٍ في إحدى أصغر دول العالم.
خبر عاجل: توافقَ، بالإجماع، على الرئيس في لبنان.
في بلدٍ، دستوره هو أقلّ نصوصِه هيبة، التوافق، في كلّ شيء، هو كلّ شيء. لا مُهل، على صفحات الدستور، تُحترم ولا أصول ولا موجبات. لا روحه تجد إلى التطبيق طريقًا ولا حرفيّته. التوافق فوق الكتب الناظمة، وأحيانًا، فوق السمّاويّة. غريب أمر هذا البلد. فأهله لا يتّفقون على أيّ شيء، ويطلبون التوافق في كلّ شيء. تلا عهد ثاني الأخوين الجمَيّل، من دون رتابة حفظ الألقاب، نيّفٌ وشهران من اللا توافق والفراغ. وبعد لحّود، نصف عام. أمّا بعد أول «الميشالين»، 818 يوماً. وبعد الثاني، ما زالت المدّة مفتوحةً، بعد عامين على الفراغ أو الشغور. لا توافق حتّى على التوصيف. في قاموس الكرامة والشعب العنيد، التوافق سمةٌ فائقة الندرة والتعقيد والصعوبة، لكنّها، للحَسن الزهيد من الحظ، ليست مستحيلة.
«توافق بلا طائِف ولا دوحة»
يتوافق مديد فترات الفراغ، طرديًّا، مع إرتفاع معدّلات الهرمون السياسيّ عند أنبياء السلطة والزعامات والحكم والقوّة غير الشرعيّة في لبنان. وهم لا يتوافقون على التزامهم الواجبات القانونيّة، إلّا تحت مِجهر وصاية المهجر. غريبٌ أن يُدهَس القانون بالتراضي الداخليّ، ويُنفَذُ بالقوّة الخارجيّة. لكنّ، وعلى عكس كلّ الصعّاب والتوقّعات، توافق اللبنانيّون، بالإجماع الكامل، على رئيسٍ للبلاد. بسحر ساحرٍ، اتّفقت كلّ ألوان الطيف السياسيّ اللبنانيّ، فائق الزركشة، على مرشّحٍ واحدٍ، كامل الأوصاف، للمنصب الرفيع. فألف مبروك للجميع، من أقصى اليمين إلى أقسى اليسار، التوافق على فخامة رئيس بلاد العمّ سام: العمّ دونالد. وإن ليس واضحًا، عمَّ هم، إلى هذا الحدّ، متوافقون.
«توافق على منافاة»
لا أحد يعرف كيف توافَق اللبنانيّون، بالشيء وعكسه، على رأس هرم أقوى دولةٍ في العالم، ولم يفلحوا في تقاربٍ طفيف بأكثر الأمور بديهيّةٍ في إحدى أصغر دول العالم وأكثرها هامشيّة. دولةٌ، لم تعُد «قطعة سما» إلّا في الموسيقى الفولكلوريّة، ولا يمرّ، فيها، يوم واحد، دون أن تساورها الفتن. منهم من رأى في ترامب خشبة خلاصٍ من حقد نتنياهو على البلد، ومنهم من تحمّس له لدفعه بالحرب إلى خواتيم توراتيّة. خصومٌ وأعداء توافقوا على جنون رجلٍ واحد، تعليلًا للنفس بآمالٍ متناقضة. ممانعون وسياديّون، ليبراليّون وشيوعيّون، محافظون وتقدّميّون مالوا، جنبًا إلى جنب، نحو حامل شعار «إعادة أمريكا إلى عظَمتها»، غافلون، جميعًا، أنّ عظَمة لبنان لا تزيد في عَظَمَة الولايات الخمسين، ولا تنقص منها مثقال ذرّةٍ واحدة.
«أغنية فيروز بغير كلماتها»
جميلٌ هذا التوافق، بين اللبنانيّين، على قضايا على هذا القدر من الأهميّة والتأثير. هُم، ربّما، لم يستسيغوا إهداره على قضايا ركيكةٍ وهامشيّة، مثل إنتخاب رئيسٍ لبلادٍ تئن تحت نتن سلطة النيترات وحقد سلطة الإبادة، أو مثل إيواء نازحين شرّدتهم القنابل أو إطعام عائلةٍ نهبتها المصارف. قد يكون ترامب مُحِبّا لصهره وأصوله اللبنانيّة. قد يُسيل صحن الحمص وأطايب مطبخنا لعابه. قد يُطرَب لأغاني فيروز، ولكن، عندما «بتِتلُج الدني وبتشَمّس الدني»، تبقى إسرائيل هي التي يحبّها الرئيس السابع والأربعين، أكثر من أرزتنا… «ت تِخلص الدني».