حسن سلوم.. من الأوزاعي الى رحابة العالم
حسن سلوم.. من الأوزاعي الى رحابة العالم
ليست قصة نجاح مادي، إنّما قدرة على النجاة، والمهارة، وصنع الفرص من لا شيء، وكلّ بداية قصة، تبدأ معها حياة جديدة، هذه هي قصة الشاطر حسن.
«هي قصة تشبه المعمودية من طفولة فقيرة ومحاصرة بالخوف وعيش الضرورات، وفي حيّ متواضع حيث التماس مع البحر والرغبة في السفر، ومع البرّ حيث العنف اليومي والطريق المسدود أما الأحلام. بين جدران قديمة ودفاتر مدرسية مستعملة، وحلم مؤجل، بدأ الطفل حسن يحلم أن يصنع لنفسه مكاناً في هذا العالم المتداعي. كان يعرف أنّ العالم خارج جدران الوطن الصغير أرحب وأوسع، وأنّ الأحلام ممكنة وتحقيقها متاح. على وقع أصوات مكنات المصانع وبجد وإصرار ولدت شركة «سلوم لخطوط الإنتاج والتبريد الصناعي»، من حلم، من شغف، من طموح لبناني حقيقي. ليست قصة نجاح مادي، إنّما القدرة على النجاة، والمهارة، وصنع الفرص من لا شيء، وكلّ قصة تبدأ، تبدأ معها حياة جديدة، هي قصة الشاطر حسن.»
تفاصيل الحلقة الكاملة على منصة بيروت تايم على يوتيوب مع ريميال نعمة ضمن بودكاست
IN MY DNA
على الرابط التالي
https://www.youtube.com/watch?v=JLdFfP_tEs0
صانع الفرصة
حسن سلوم يضع المغامرة عنواناً رئيسياً لتجربته في الغربة، هي مغامرة من يترك بلده، لإستكشاف الذات والعالم؛ مغامرة حياة المغترب اللبناني الذي يغادر وطنه للإنطلاق نحو المجهول وإكتشاف عوالم جديدة. كون المرء حين يخطو أولى خطواته على متن الطائرة، فإنّه يبحر نحو المجهول، تاركاً خلفه كل ما هو مألوف في وطنه. أما بالنسبة لحلم العودة الى لبنان، يعتبر سلوم أنّ اللحظة التي تسبق السفر، لا ينشغل بال المرء فيها بالتفكير في يوم العودة، إنّما ينصب إهتمامه على وجهته القادمة وما يخبئه له القدر. متسائلاً: إلى أين أنا ذاهب؟ ما هي التحديات التي ستواجهني؟ ما هي الحياة الجديدة التي تنتظرني بعاداتها وتقاليدها المختلفة؟ إنّه المجهول الذي يرافق المهاجر في كل خطوة من خطوات بناء حياته في بلدان الإغتراب.
الخير من أجل الخير يرتد على صاحبه
من البداية لتحصيل الشهادة في فرنسا ومساعدة المهاجرين في الترجمة وتسيير أمورهم بقصد الخدمة، الى أن جاءته فرصة لمساعدة أحد الأشخاص في صفقة تجارية كبيرة، والمردود الصغير كان بارقة أمل لبدء خطوة جديدة، لينتهي به المطاف في ألمانيا وتأسيس شركته، فضلاً عن إلتئام شمل العائلة بعد سنوات من البعد عن الأولاد والزوجة، وأيضاً بعد ليالٍ قاسية من الشوق والشعور بالغربة، والتي تعكس معاناة اللبناني الذي يعيش البعد من أجل الإستمرار في تحقيق طموحه. اليوم شركة «سلوم لخطوط الإمداد والتبريد الصناعي»، تزدهر أعمالها، في ظلّ منافسة قوية من الشركات العملاقة، ولديها فروع في ألمانيا وفرنسا.
إرث اللبنانيين في الأعمال
أما ماذا يعني أن تكون لبنانياً في عالم الأعمال والمصانع؟ يقول إنّ مجرد الإشارة الى أنّ رجل الأعمال لبناني الجنسية، تطلق عليه صفات الشخص الفطن والواسع الحيلة، ولا يمكن الإستهانة به في أي صفقة تجارية، إنطلاقاً من فكرة أنّه يمتلك القدرة على إيجاد الحلول المبتكرة وإستغلال الفرص المتاحة في أي بلد، ليؤسس عملاً ناجحاً يفيد به نفسه ويفيد البلد الذي يحتضنه. هذا نتيجة السمعة التي بناها اللبنانيون في الخارج، خاصة في الدول العربية القريبة.
طفل خدماتي وصاحب همّة
العودة بالذاكرة إلى الوراء، إلى طفولتك والمكان الذي نشأت فيه. لو طلبت منك أن تختار مشهداً واحداً من تلك الفترة، إلى أين تأخذنا؟
تأخذني الذاكرة إلى أول عمل قمت به في طفولتي. كنت طفلاً في التاسعة من عمري، وكان والدي يرفض فكرة عملي في مهنة شاقة جسدياً، إذ كان يرى أنّ طفولتي يجب أن تكون بمنأى عن التعب والمشقة، وأنّ عليّ التركيز على تعليمي فقط. لكن شغفي ورغبتي في تعلّم صنعة أستفيد منها مستقبلاً كانا دافعي الأقوى. كنت أرى أنّه من واجبي كشخص أن أتعلم شيئاً خلال العطلة الصيفية يعود عليّ بالنفع في مسيرة حياتي. صحيح أنّ عمل طفل في التاسعة من العمر مرهق. لكن الظروف البيئية والمجتمعية في محيطي آنذاك كانت تجعل من عمل الصبيان أمراً طبيعياً ومقبولاً، بل مفضلاً.
أما عن نشأته فيقول، لقد نشأت في منطقة الأوزاعي، وهي منطقة شعبية كانت تفتقر في حقبة الثمانينيات والتسعينيات إلى أبسط مقومات الحياة كالكهرباء والمياه النظيفة. كان الفقر والحاجة والحرب هي العناوين الأبرز لتلك المرحلة. أتذكر كيف كنت أساعد أفراد عائلتي وجيراني في جلب الماء من خزان عام كبير، حاملاً تلك العبوات الزرقاء الشهيرة. كما كانت مهمتي أيضاً تزويد مولد الكهرباء الصغير على سطح منزلنا بالوقود وتشغيله لإنارة البيوت وتشغيل الثلاجات. لقد كنت، رغم صغر سني، صاحب همة، أبادر لتقديم الخدمات، ومن الأشخاص الذين يملؤهم الفضول، أسأل دائماً: كيف يمكن إصلاح هذا الشيء؟ كيف نعالج هذه المشكلة.
الحلم بالإكتفاء الذاتي
الصبي الصغير كان حلمه ينبع من واقعه؛ لطالما رأى حوله بيئة أنهكها العوز المادي، عزم في قرارة نفسي ألا يعيش تجربتهم. لم يكن حلمه الثراء بحد ذاته ذاته، بل كان حلم الإكتفاء الذاتي؛ كي لا يعيش ظروف العوز التي يعاني منها مجتمعه. فلم يكن الفقر عائقاً يوماً أمام تحقيق أحلامه، إذ إنّ الفقر ليس سبباً للفشل، فحيث هناك هدف ومثابرة، إنّ النجاح مضمون. أما الدافع الأساسي الذي ألهمه للإستمرار في تحقيق أحلامه، وفي العطاء وفي التفكير في المستقبل، فهي كلمات الشكر والإطراء الإيجابي الذي كان يتلقاه من الآخرين في طفولته تقديراً لخدمات يقدمها لهم.. فضلاً عن يقينه أنّ المجتهد يستطيع مواجهة الأعباء الحياتية.
مدرسة «الفرير» جعلتني أسأل من أنا؟ من الآخر؟
النشأة في جو عائلي يجمع بين نقيضين أب عسكري صارم وأم صبورة وحنون. الأب كانت قسوته نابعة من قلقه على مصلحة أبنائه وقد ورث عنه الدّقة والإنضباط في العمل، وعن الأم الصبورة والحنونة، التي كانت تجيد التدبير وإدخار القرش على القرش، ورث القدرة على التخطيط والحلم، فجمع الميزتين معاً.
بالرغم من الظروف الإقتصادية المتواضعة التي كانت تعيشها العائلة، لقد سعت الى تأمين نوعية تعليم جيد لأبنائها فكانت مدرسة «الفرير» الوجهة المنشودة، يعتبر حسن أنّ الفضل في ذلك يعود لوالدته. لأنّها كانت تعي تماماً بأنّ العلم هو السلاح الحقيقي للمستقبل، فلم تكلّ من البحث والسؤال عن أفضل صرح تعليمي لأبنائها، ومن خلال أسئلتها الدؤوبة، بالإضافة إلى علاقات والده العسكرية ونصائح أصدقائه، وقع الإختيار على مدرسة «الفرير» لتكون الإنطلاقة لبناء المستقبل. في حينه كان محط كلام الوالدين «بعد عنا قسط المدرسة» أمر دفعه الى تحمّل مسؤولية القيام بواجباته. لم تنتهِ القصة هنا فمدرسة الفرير كانت الصدمة الثقافية الأولى، مناخ مدرسي جديد، وخلفيات ثقافية ودينية مختلفة، «جعلتني أسأل من أنا؟ من الآخر؟ بدءًا من اللهجات إلى غيرها من الإختلافات. لم تشكّل لي عائقاً، لقد تربيت في الأحياء الشعبية التي تنمي الصلابة في النفس للتمكّن من مواجهة الحياة.»