خطوة نحو عدالة مؤجلة وذاكرة لا تموت
خطوة نحو عدالة مؤجلة وذاكرة لا تموت
نصّار، بخطوته الأخيرة، لم يُقدِم فقط على كسر جدار الخوف، بل وجّه رسالة مزدوجة: الأولى إلى الداخل، بأنّ الدولة قادرة متى شاءت على تفعيل مؤسّساتها واستعادة هيبتها.
إعادة تحريك ملف الإغتيالات السياسية في لبنان، خطوة اتّخذها وزير العدل عادل نصّار ووُصفت بالمفصلية على الساحة اللبنانية.
قرار غير إعتيادي في ملفّ طالما شغل الرأي العام وأثقل ذاكرة اللبنانيين، جاء بعد أعوام من الجمود القضائي والتجاذب السياسي، ويحمل في طيّاته أكثر من دلالة أو بيان روتيني ويتجاوز بعده الإداري ليلامس جوهر العدالة ومفهوم الدولة القادرة على محاسبة المرتكبين أياً كانت مواقعهم.
جرح حاولت السياسة طمسه، قضية الإغتيالات شكّلت أحد أكثر الفصول ما بعد إغتيال الرئيس رفيق ظلمةً وتشابكًا ما بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري في ظلّ أداء سياسي قيّد إستقلال القضاء وحوّل القضايا الكبرى إلى أوراق تفاوض.
ملفات شكّلت علامات فارقة في الذاكرة اللبنانية: من إغتيال طوني فرنجية وعائلته، إلى محاولة إغتيال الرئيس كميل شمعون، وإغتيال الوزير بيار الجميّل، والنائب أنطوان غانم، والوزير إيلي حبيقة، والصحافيين جبران تويني وسمير قصير، والشيخ صالح العريضي وإغتيال الشيخ احمد عساف ومحاولة إغتيال المهندس مصطفى معروف سعد وقضية الحوادث والمواجهات التي حصلت في محلة بورضاي في بعلبك وغيرهم ممّن طُويت ملفاتهم من دون إجابات.
فمنذ العام 2005، تراكمت الملفات وتحوّلت القضايا إلى أرقامٍ في أدراج القضاء، فيما بقيت الأسئلة الكبرى معلّقة: من يملك حقّ إقفال ملفّات الإغتيال؟ ومن قرّر أنّ العدالة يمكن أن تُدار بالسياسة؟
نصّار، بخطوته الأخيرة، لم يُقدِم فقط على كسر جدار الخوف، بل وجّه رسالة مزدوجة: الأولى إلى الداخل، بأنّ الدولة قادرة — متى شاءت — على تفعيل مؤسّساتها واستعادة هيبتها.
والثانية إلى الخارج، بأنّ لبنان، رغم إنقساماته، لا يزال إحياء منطق العدالة ممكناً فيه حين تتوافر الإرادة.
إعادة فتح هذا المسار تمثّل لحظة تذكير بأنّ العدالة لا تموت بالتقادم، وأنّ الجرائم التي هزّت الكيان اللبناني لا يمكن أن تُطوى بمرور الزمن أو تبدّل التوازنات.
في بلدٍ بات فيه إغتيال الحقيقة أخطر من اغتيال الأشخاص، تأتي هذه الخطوة لتذكّر بأنّ العدالة ليست ترفًا، بل ركيزة لأي مشروع دولة.
وإذا كانت الحكومات السابقة قد تواطأت بالصمت أو بالعجز، فإنّ المبادرة الأخيرة تشكّل منعطفًا جريئًا نحو استعادة ما تبقّى من هيبة الدولة أمام مواطنيها.
فاللبنانيون، الذين تعبوا من الشعارات الفارغة، يريدون اليوم أفعالاً لا بيانات. يريدون قضاءً لا يخضع للوصاية، ووزراء لا يخافون من كسر الطوق السياسي