مطمر الجديدة يطفح... عودة إلى أزمة النفايات
مطمر الجديدة يطفح... عودة إلى أزمة النفايات
المطمر الذي فُتح أساسًا كحلّ مؤقت، تآكلت قدرته تحت ضغط التمديد المتكرر، وغياب أي بدائل أو رؤية مستدامة.
لم يكن المشهد الذي عاشه اللبنانيون يوم أمس مشهدًا طارئًا، بل حلقة جديدة في مسلسل أزمات النفايات المتكرّرة. توقّفت شاحنات شركة رامكو عن جمع النفايات لعدّة ساعات بعدما بلغ مطمر الجديدة أقصى طاقته الاستيعابية بمعدل نحو 1.2 مليون طن منذ تشغيله عام 2016. الشركة أعلنت تعليق عملها في بيروت والمتن وكسروان، قبل أن تُستأنف العمليات مؤقتًا بقرار من مجلس الإنماء والإعمار، لتجنّب تكدّس النفايات في الشوارع.
لكن هذا الإستئناف لم يكن سوى تأجيلٍ محدودٍ للأزمة، لا أكثر. فالمطمر الذي فُتح أساسًا كحلّ مؤقت، أصبح منذ سنوات عنوانًا للفشل في إدارة هذا الملف على المستوى الوطني، حيث تآكلت قدرته تحت ضغط التمديد المتكرر، وغياب أي بدائل أو رؤية مستدامة.
الأرقام تكشف عمق المأزق: نحو 5 آلاف طن من النفايات تُنتج يوميًا في لبنان، يُعاد تدوير أقل من 10% منها، فيما يُدفن أو يُحرق الباقي في مطامر غير مجهّزة أو يُرمى في البحر. ومع إرتفاع كلفة المحروقات وتراجع قدرة البلديات المالية، وصلت منظومة المعالجة التقنية إلى حافة الإنهيار. فالخلايا امتلأت، والفرز عند المصدر يكاد يكون رمزيًا، ما يجعل كل طن نفايات عبئًا ماليًا وبيئيًا إضافيًا.
ورغم التحذيرات المتكرّرة، لا تزال الدولة تتعامل مع الملف بعقلية «الإطفاء السريع»، من دون سياسة وطنية واضحة أو خطة مستدامة لإدارة النفايات.
الحلول الواقعية لا تحتاج إلى وعود جديدة بل إلى قرارات فورية وتنفيذية: نقل منسّق إلى مطامر بديلة وفق آلية توزيع عادلة، تجهيز خلايا جديدة بمعايير بيئية، وتفعيل شبكات الفرز والتدوير بدل الطمر والحرق. فالأزمة اليوم لم تعد تقنية فحسب، بل سياسية وتنظيمية بامتياز.
التحذير واضح، إذا لم يُتخذ القرار سريعًا، ستتحول شوارع العاصمة مجددًا إلى مكبّات مفتوحة، فيما المطامر القائمة تقترب من أن تصبح قنابل بيئية موقوتة.
فلبنان، الذي يدور منذ عقد في حلقة النفايات المغلقة،فيما العالم الأكثر كثافة سكانية وجد حلولاً مستدامة، ليثبت هذا البلد الصغير مرة أخرى أنّ الحلول المؤقتة لا تؤجّل الإنفجار... بل تراكمه.