الإنتخابات النيابية في كسروان – جبيل 2026: معركة على المقعد الماروني الأخير
الإنتخابات النيابية في كسروان – جبيل 2026: معركة على المقعد الماروني الأخير
المقعد الماروني السابع محور الصراع، وحزب الله يواجه تحدياً حقيقياً في تأمين الحاصل المطلوب لمقعده الشيعي في ظل عزلة تحالفية مع الأطراف المسيحية.
تُعدّ دائرة كسروان – جبيل قلب الحضور الماروني في لبنان، حيث تتنافس فيها كلّ الأحزاب المسيحية الكبرى إلى جانب شخصيات محلية وازنة ذات تاريخ سياسي عريق. المشهد هنا مفتوح على إحتمالات متعدّدة مع دخول تحالفات جديدة وبقاء مقعد ماروني أخير محور الصراع الأساسي.
القوات اللبنانية تبدو اليوم القوة الأكثر تنظيماً ونفوذاً في الدائرة، وقد نجحت في نسج تحالف متين مع فؤاد البون، نجل النائب المخضرم منصور البون. عائلة البون تاريخياً هي عائلة سياسية عريقة عُرفت بتقديم الخدمات للناس في كسروان، لكنّها بقيت لسنوات خارج السلطة الفعلية ما جعل شعبيتها تتراجع تدريجياً. فهل سيتمكّن فؤاد البون من تأمين الأصوات الكافية لحصد المقعد الثالث وتصدق توقعات القوات بتأمينها مع حلفائها نحو 35 ألف صوت، أم تكون القوات قد أخطأت في هذا التحالف؟
كما تؤكد مصادر متابعة أنّ القوات ستعتمد في جبيل على تحالفها مع النائب زياد حواط، فيما سيكون مرشحها الرئيسي عن كسروان هو شادي فياض، المقرب من النائب ستريدا جعجع والمنظم لمهرجانات الأرز. لكنّ فياض يواجه إنتقاداً محلياً بسبب إمتلاكه مشروع "ذا بالمز" الذي اثيرت ضجة حول تعديه على مجرى نهر الكلب، والذي يقام رغم الإعتراضات كل صيف ويحاول أخصام القوات أبرازه كمشروع مخالف للقانون بالرغم من تأكيد فياض على إمتلاكه جميع الرخص القانونية و دفعه ضرائب باهظة، ولكن يستغل أخصام القوات المشروع لتشويه صورة فياض. هذا الجدل قد يؤثر على مستوى التصويت للقوات في المنطقة. فهل ستبقى القوات الطرف الأكثر أماناً في الدائرة أم تواجه مفاجآت بسبب سوء إختيارها لتحالفاتها ومرشحيها؟
في المقابل، يبرز النائب فريد الخازن، أحد أركان العائلات السياسية التاريخية في كسروان، مع قدرة على حشد حوالى 9000 صوت. وتشير معلومات محلية إلى أنّ الخازن يجري مفاوضات مع كلّ من التيار الوطني الحر والنائب الحالي نعمت فرام الذي يملك قاعدة انتخابية تقدّر بنحو 11,500 صوت، في محاولة لاختيار الحليف الأنسب لمعركة 2026. ووفق المصادر، يبقى خيار التحالف مع عديله فرام هو الأكثر ترجيحاً حتى الآن، لكنّ إحتمال التفاهم مع التيار الوطني الحر ما زال مطروحاً إذا اقتضت الحسابات الإنتخابية ذلك. التحالف الذي سيختاره الخازن قد يمنحه مع شريكه القدرة على تأمين مقعدين مارونيين على الأرجح.
أما التيار الوطني الحر فيخوض هذه الإنتخابات في وضع أضعف مما كان عليه في دورات سابقة. فبعد خسارته النائب سيمون أبي رميا في جبيل، الذي كان يُعدّ أحد أبرز وجوه التيار وقوته الأساسية، وتراجع شعبيته بشكل ملحوظ في كسروان، تشير التقديرات إلى أنّ التيار قادر على تأمين حوالى 15 ألف صوت بمفرده، وهو رقم قد يسمح له بحجز مقعد واحد على الأقل حتى من دون تحالفات كبيرة، لكن موقعه يبدو أضعف بكثير من السابق وسيخوض معركة دفاعية صعبة للحفاظ على هذا المقعد.
إلى جانب هذه القوى، هناك لاعبين أصغر لكنهم قد يغيّرون المعادلة. حزب الكتائب يملك حوالى 3500 صوت، بينما يمتلك الدكتور فارس سعيد قاعدة شخصية تقدَّر بنحو 6000 صوت. وقد تمكّن سعيد من الحفاظ على هذه القاعدة رغم حصار سياسي واضح تعرّض له من العونيين والقوات والثنائي الشيعي على حد سواء، خاصة وأنّ في جبيل ثقل شيعي، كما أقفل سعد الحريري أبواب دوائر الدولة بوجهه وحارب مناصريه فيها بحجة أنّ سعيد وقف إلى جانب السعودية أثناء احتجازه. لكنّ المشهد في 2026 يبدو مختلفاً، إذ يُتوقّع أن تنمو شعبيته أولاً بفعل فكّ الحصار مع ضعف القوى التي كانت تقوده سابقاً، خصوصاً التيار الوطني الحر وإختفاء سعد الحريري عن المشهد، وثانياً مع وصول شقيقه كريم سعيد إلى حاكمية مصرف لبنان، وعلاقة فارس القوية برئيس الجمهورية جوزاف عون الذي يعتبره من أقرب المقربين إلى القصر فالدكتور سعيد هوالشخصية المارونية التي تملك ثقلاً سياسياً وشعبياً وثقافياً وأخلاقياً ويمكنه لعب أدواراً كبيرة. فهو من صاغ مصالحة الجبل وعقد إتفاق إطلاق سمير جعجع من السجن وحمل قضية المسيحيين مع البطريرك صفير في ظلّ حكم الأسدين، وهذه المواقف تبقى حاضرة في وجدان المسيحيين ما يمنحه زخماً سياسياً ودعماً إضافياً يمكن أن يعزّز موقعه في المعركة المقبلة.
ويبقى المقعد الشيعي في جبيل مرجّحاً لمصلحة حزب الله الذي يملك نحو 9500 صوت. لكنّ التحدي أمام الحزب يكمن في أنّ هذا الرقم أقل من عتبة الحاصل الإنتخابي البالغة نحو 15 ألف صوت، ما قد يجبره على البحث عن حليف. غير أنّ معظم القوى المسيحية المؤثرة تتجنب التحالف معه خشية خسارة الشارع الماروني، ما يترك الحزب أمام معضلة حقيقية عليه حلّها قبل موعد الانتخابات.
في المحصلة، تبدو ملامح المشهد الإنتخابي في كسروان – جبيل حتى الآن على الشكل الآتي: القوات اللبنانية بتحالفها مع فؤاد البون في موقع قوي قد يمنحها ثلاثة مقاعد على الأرجح، بينما يتوقف مصير فريد الخازن على خياره النهائي بين التحالف مع النائب الحالي نعمت فرام أو التيار الوطني الحر، في حين يبدو التيار الوطني الحر قادراً على الحفاظ على مقعد واحد بمفرده رغم تراجعه. يبقى المقعد الماروني السابع ساحة المعركة الأكثر حساسية، بينما يواجه حزب الله تحدياً حقيقياً في تأمين الحاصل المطلوب لمقعده الشيعي في ظل عزلة تحالفية مع الأطراف المسيحية.
هذا التحليل يُعدّ قراءة أولى للمشهد الإنتخابي في هذه الدائرة، وقد تشهد الخريطة تغييرات كبيرة في الأشهر المقبلة مع بقاء أكثر من نصف عام حتى موعد الإستحقاق النيابي.