أيام أم ساعات تفصل عن الحرب؟ … والرهان بين الحسم والإستنزاف

أيام أم ساعات تفصل عن الحرب؟ … والرهان بين الحسم والإستنزاف

  • ٠٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

) الحرب ليست إستنتاجاً تحليلياً، بل خط سير يتقدّم كل يوم، والبلد يستعدّ لا شعورياً لمواجهة قادمة.

تتزايد الإشارات الدبلوماسية والأمنية التي تؤكّد أنّ لبنان يقف أمام لحظة مفصلية، وأنّ الحرب مع إسرائيل لم تعد إحتمالاً نظرياً أو ورقة ضغط تفاوضية، بل مساراً جارياً بدأ تنفيذه في الميدان. مصدر دبلوماسي مصري مطّلع قال إنّ الحرب ستندلع قبل أو مباشرة بعد مغادرة بابا الفاتيكان لبنان، في إشارة واضحة إلى أنّ التوقيت بات محسوباً بدقة وأنّ إنطلاقة النار تنتظر الإشارة السياسية لا أكثر. هذه المعطيات تأتي بعد الضربة الجوية في السادس من تشرين الثاني، والتي باتت تُقرأ اليوم كمرحلة تمهيدية للحرب لا كضربة معزولة، حيث كانت إسرائيل تختبر فيها جهوزية الدفاعات، ونقاط الضعف في منظومة الردع التابعة لحزب الله، وتقدير حجم رد الفعل.

 

في المقابل، تظهر في تل أبيب قناعة بأنّ هذه الحرب إذا اندلعت يجب أن تكون خاطفة وسريعة، وأن تُحسم قبل العام الجديد، وأن يتم إستنزاف قدرة حزب الله القتالية عبر ضربات جوية مكثّفة وضرب نقاط القيادة والسيطرة والإتصالات الفنية والمخازن. الفلسفة الإسرائيلية الحالية تقوم على منع الحرب من التمدّد زمناً، لأنّ أي حرب طويلة ستدخل إسرائيل في معادلة إستنزاف صاروخي قد يفقدها القدرة على الإستمرار داخلياً وسط ضغوط إقتصادية وإجتماعية وسياسية. لذلك، الأوساط العسكرية الإسرائيلية تقول صراحة إنّ الضربة الأولى يجب أن تسحق 60% من القوة القتالية للحزب قبل أن يتمكن الأخير من فتح الجبهات بعمق.

 

لكن في المقابل هناك تقييمات عسكرية إسرائيلية أخرى أكثر واقعية، تشير إلى أنّ الحرب لن تكون نزهة. فالحرب البريّة، مهما كانت محدودة، تعني الدخول إلى بيئة قتالية معقّدة، حيث يمتلك حزب الله خبرات تراكمية من سوريا واليمن والعراق، كما يمتلك قدرات قتالية في القتال داخل القرى المفتوحة وعبر الأنفاق، وقدرته على إسقاط وحدات مشاة إسرائيلية في كمائن نارية ليست نظرية، بل دروس سبق لإسرائيل أنّ دفعت ثمنها في جنوب لبنان وفي غزة. بمعنى آخر، هناك تفاؤل سياسي في تل أبيب لا تشاركه القيادة العسكرية بكامله.

 

من جهة أخرى، لا بدّ من الإشارة إلى رهان مغاير داخل حسابات المقاومة. حزب الله يبدو مستعداً لدخول مواجهة طويلة إذا لزم الأمر، ويراهن على منطق التعب الطويل الذي أثبت نجاعته تاريخياً في الساحات المفتوحة، تماماً كما فعلت حركة طالبان مع الولايات المتحدة طوال 25 عاماً حتى خرجت واشنطن مرهقة إلى طاولة التفاهم. الخيار ليس بالضرورة الإنتصار الحاسم في أيام قليلة، بل القدرة على تحويل المواجهة إلى حرب إستنزاف تمتدّ سنيناً بحيث يتآكل الطرف المعتدي ويتوجه في نهاية المطاف إلى صفقة أو تهدئة بشروط مختلفة.

 

إسرائيل من جانبها تراهن على استراتيجية مغايرة تماماً. رهان على سحق سريع ومباغت لعصب الحزب وقوته القتالية كي تُحكم السيطرة قبل أن يتحول الصراع إلى نزاع مطوّل تفقد فيه الدولة الإسرائيلية هامش المناورة.

 

على مستوى النتائج الميدانية، لا خلاف على أنّ الدمار في الضاحية الجنوبية والبقاع سيكون واسعاً وكبيراً، لأنّ الضاحية هي مقر القيادة والسيطرة الإعلامية والسياسية للحزب، والبقاع هو المخزن الاستراتيجي الأعمق. أي حرب ستكون حرباً على رأسي المنظومة، رأس القيادة ورأس المخازن. لكن الخطر الأكبر ليس في حجم الدمار، بل في حجم النزوح الداخلي المتوقع. فكما حصل في حرب تموز، ولكن على نطاق أوسع، مئات الآلاف قد يتوجهون من الجنوب والضاحية نحو البقاع وبيروت، وإذا ضُربت البقاع بكثافة، قد نشهد حركة نزوح نحو الحدود السورية. هذا ليس سيناريو خيالياً، هذه نتيجة طبيعية لمسار عملياتي يعتمد على استهداف المركز اللوجستي للحزب قبل نقاط التماس.

 

وسط هذه الصورة، الدولة اللبنانية تبدو خارج الحساب، تنتظر وتراقب. الخارج يحدد التوقيت، والداخل عاجز عن التأثير. ومع بداية العدّ العكسي، تظهر الحقيقة كما هي. الحرب ليست إستنتاجاً تحليلياً، بل خط سير يتقدم كل يوم، والبلد يستعدّ لا شعورياً لمواجهة قادمة، قريبة، وقاسية جداً.