أفاد تقرير نشرته في 24 كانون الثاني 2025، هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأنّ نحو 50 ألف امرأة قتلت على يد أحد أقاربهن في عام 2024، أي بمعدل إمرأة واحدة كل 10 دقائق. وأوضح التقرير أنّ 60% من هذه الجرائم ارتكبها شركاء حميمون أو أفراد من الأسرة، بينما بلغت نسبة الجرائم المرتكبة بحق الذكور من قبل شركائهم أو أفراد أسرهم 11% فقط.
بالرغم من أنّ هذا الرقم أقل قليلاً من الرقم المسجل عام 2023، إلا أنّ التقرير حذّر أنّه لا يعكس إنخفاضًا حقيقيًا في العنف ضد النساء، بل يرتبط باختلافات في توفر البيانات وإجراءات التوثيق في الدول المختلفة. وسجّلت هذه الجرائم في كل القارات، وكانت أفريقيا الأعلى نسبة بنحو 22 ألف حالة.
وأكدت الأمم المتحدة أنّ جرائم قتل النساء لا تحدث منعزلة، بل غالبًا ما تكون إمتدادًا لسلسلة من العنف المستمر، تبدأ بسلوكيات التحكم والتهديدات والمضايقات، بما في ذلك عبر الإنترنت. وأوضحت مديرة قسم السياسات لدى هيئة الأمم المتحدة للمرأة، سارة هندريكس، أنّ منع هذه الجرائم، يستوجب تطبيق قوانين تراعي كيفية ظهور العنف في حياة النساء والفتيات وتحاسب الجناة قبل تحوّل الأمر إلى جريمة قتل.
من جهته، قال المدير التنفيذي بالإنابة لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، جون براندولينو، إنّ التقرير يذكّر بضرورة تحسين استراتيجيات الوقاية واستجابات العدالة الجنائية لجرائم قتل النساء، مشيرًا إلى أنّ المنزل لا يزال مكانًا خطيرًا، بل قاتلًا في بعض الأحيان، لعديد من النساء والفتيات حول العالم.
لبنان: أرقام كفى عنف واستغلال
في لبنان، تشير بيانات منظمة كفى، أنّ 89% من شكاوى الخط الساخن 1745 الخاصة بالعنف الأسري تعود إلى نساء، وأنّ 57.5% من الحالات يكون المعتدي فيها الزوج، يلي ذلك نسبة لافتة من الذكور في العائلة من آباء، إخوة، أبناء أو طليقين.
تؤكد كفى أنّ هذه الأرقام لا تعبّر عن مشاكل عائلية عابرة، بل تعكس بنية سلطوية تُكرّس السيطرة الذكورية وتبرّر العنف ضد النساء. وترى المنظمة أنّ إقرار قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء ليس رفاهية أو مطلبًا شكليًا، بل ضرورة وطنية عاجلة لحماية الفئات الأكثر هشاشة.
وتشير البيانات إلى أنّ النساء غالبًا ما يترددن في التبليغ عن العنف نتيجة الخوف من الإنتقام أو حرمانهن من أطفالهن، إضافة إلى غياب الدعم الكافي من المؤسسات الأمنية والقضائية، ما يزيد من حجم الأزمة ويحول المنازل إلى فضاء غير آمن للنساء والفتيات.
العنف الأسري في ظل غياب الحماية
وفق كفى، فإنّ العنف ضد النساء في لبنان ليس فقط مسألة جسدية، بل يشمل العنف النفسي والمعنوي، مثل الصراخ والتهديد والحرمان من الموارد الأساسية، بما في ذلك منع المرأة من التواصل مع أسرتها أو الجيران أو الحصول على مستلزمات الحياة اليومية. وتوضح المنظمة أنّ إستمرار العنف يعود جزئيًا إلى عدم كفاية آليات التبليغ والمتابعة القضائية، ما يحرم النساء من الحماية القانونية الفعالة.
وتؤكد كفى أنّ القانون اللبناني رقم 293/2014 يوفر إطارًا قانونيًا لحماية النساء من العنف الأسري، لكنه لا يزال غير مطبق بشكل كامل على أرض الواقع. فإصدار أوامر حماية فورية أو متابعة البلاغات يواجه تأخيرات وعراقيل إدارية وقضائية، بينما تبقى الثقة بالقضاء محدودة، مما يضع النساء في دائرة من الخطر المستمر.
أهمية التشريعات وحماية النساء
مواجهة العنف ضد النساء تتطلب استجابة سياسية وتشريعية جذرية، وليس مجرد تفعيل نصوص قانونية أو حملات إعلامية. ويشير التقريرالمذكور إلى أنّ حماية النساء لا تبدأ من القانون وحده، بل من ضمان تنفيذ هذا القانون بشكل صارم ومستمر، وتوفير مراكز حماية وآليات دعم قانونية ونفسية فعالة.
كما تؤكد كفى على ضرورة أن تتبنى الدولة سياسات تمنع المعتدي من العودة إلى ممارسة العنف، سواء من خلال أوامر منع التعرّض أو برامج إعادة تأهيل، مع مراعاة السرية وحماية الخصوصية للنساء والفتيات المعنّفات. فبدون هذه الإجراءات، يظل القانون مجرد نصوص على الورق، والنساء معرضات للخطر في كل لحظة.
تعكس الأرقام أنّ العنف ضد النساء في لبنان ليس مسألة فردية أو عائلية بسيطة، بل ظاهرة ممنهجة متجذرة في بنية إجتماعية ذكورية، تؤدي إلى إصابة النساء بالفقدان والخطر والقتل في بعض الحالات. ما يدعو إلى ضرورة تعزيز الوعي المجتمعي، وتمكين النساء من التبليغ، وتحسين أداء القضاء والقوى الأمنية، وتوفير حماية حقيقية على الأرض.
في ظلّ هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: من يحمي النساء في لبنان؟ فكل يوم تمرّ فيه أزمة العنف الأسري دون تدخل فعال، يمثل تهديدًا مباشرًا لحياة النساء والفتيات، ويؤكد ضرورة أن يتحول القانون من نصوص مكتوبة إلى إجراءات حماية فعلية، تضمن للنساء حقهن في الحياة والكرامة والأمان.