دير مار مارون عنايا قد يُدرج معلماً دينياً عالمياً؟

دير مار مارون عنايا قد يُدرج معلماً دينياً عالمياً؟

  • ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
  • كاسندرا حمادة

بالفيديو.. إختيار المعلم الديني العالمي ليس أمرًا عشوائيًا؛ فهو يعتمد على الإرث الروحي المتجذّر في المكان والأحداث العجائبية المرتبطة به، وأثره على المجتمع المحلي والعالمي.

لبنان على موعد مع حدث روحي قد يصبح تاريخيًا، مع زيارة البابا لاوون الرابع عشر لدير مار شربل في عنّايا، حيث قد يُعلن محبسة القديس معلماً دينياً دولياً. هذا الإعلان لن يكون مجرد تكريم لمكان أو شخصية، بل نقطة تحوّل تجعل لبنان محطة روحية عالمية تجمع بين القداسة، التاريخ، والإلهام الإنساني. محبسة مار شربل، التي تضم رفات القديس الحبيب على قلوب اللبنانيين والمسيحيين حول العالم، تعتبر مركزًا للتأمل والعبادة، ومصدرًا للأمل والسكينة الروحية لكل من يقصدها، بغض النظر عن الإنتماء الديني أو القومي.

فماذا يعني أن يصبح معلماً دينياً روحيا؟

بداية، المعلم الديني العالمي ليس مجرّد موقع مقدس، بل هو رمز إيماني يحمل رسالة روحية تتجاوز حدود المكان والدولة. يتميز هذا النوع من المعالم بقيمته التاريخية والدينية، وقدرته على جذب الحجاج والزوار من مختلف أنحاء العالم، الذين يأتون للعبادة والتأمل والبحث عن الأمل والسكينة.

أما اختيار المكان المناسب لإعلان معلم ديني عالمي ليس أمرًا عشوائيًا؛ فهو يعتمد على القداسة المتجذرة في التاريخ الروحي للمكان، العجائبية أو الأحداث المميزة المرتبطة به، وأثره على المجتمع المحلي والعالمي.

هذا المفهوم يرتبط بدير مار مارون عنايا، خاصة شهد حياة نسك وقداسة ومعجزات مار شربل، والقيم الرمزية المحلية كجسر تواصل بين الثقافات والأديان.

فالقديس شربل، الذي وُلد في بلدة بقاع كفرا الشمالية عام 1828، عاش  حياة الزهد والصلاة والقدرة على الشفاء الروحي والجسدي للناس، وقد تحوّلت حياته ومواهبه الروحية إلى إرث عالمي يقدّر من قبل المؤمنين والمقدسين في كل القارات.

من جهة زيارة البابا للمحبسة، فهي  تعكس أهمية الإعتراف العالمي بهذا الإرث الروحي، حيث سيصبح الموقع ليس فقط رمزًا محليًا أو وطنيًا، بل نقطة التقاء للحجاج والزوار الباحثين عن المعنى الروحي العميق.

ومن هنا، مع إعلان محبسة مار شربل معلماً دينياً دولياً بعد زيارة البابا، ينضم دير مارون في عنّايا إلى قائمة الكاتدرائيات والمعالم الدينية العالمية.

ومنها، كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان مكانة مركزية، بُنيت بين 1506 و1626 فوق ضريح الرسول بطرس، الأسقف الأول للكنيسة، وهي تحفة معمارية تعكس روعة عصر النهضة.

كما قاد بناءها كبار المعماريين والفنانين مثل مايكل انجيلو، لتصبح مثالاً على التوازن بين الفن والدين. وتستقطب الكاتدرائية ملايين الحجاج والزوار سنويًا، الذين يأتون للصلاة، لمشاهدة هذه الأعمال، أو للتأمل في المكان المقدس الذي يرمز إلى قلب المسيحية الكاثوليكية. كما تُعدّ نقطة انطلاق للمناسبات الدينية الكبرى مثل عيد الفصح ومراسيم تعيين الباباوات.

وفي الأراضي المقدسة بفلسطين، ترتبط المواقع بحياة يسوع وصلبه وقيامته، مثل كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم، البنيتان منذ القرن الرابع. كنيسة القيامة، تأسست  في القرن الرابع بأمر الإمبراطور الروماني قسطنطين، وتضم ضريح المسيح ومواقع أخرى مرتبطة بالأحداث المركزية في حياته، مما يجعلها مقصدًا رئيسيًا للحجاج على اختلاف كنائسهم من جميع أنحاء العالم.

من أبرز التقاليد التي تنفرد بها يوم سبت النور، الذي يُعدّ رمزًا للقيامة والنهضة الروحية. حيث تُشعل الشموع المقدسة ويشارك الحجاج في طقس ديني يرمز إلى النور المنتصر على الظلام، ويُحتفل به بحضور آلاف المؤمنين من مختلف الطوائف المسيحية.

أما في فرنسا، فمزار سيدة لورد بمياهه العجائبية منذ ظهور العذراء للقديسة برناديت سوبيرو عام 1858، وحملتها رسالة عيش المحبة وخدمة للمرضى والفقراء، ويدعو الزوار لتجربة روحانية متجددة.

في البرتغال، شهد مزار سيدة فاطيما ظهور العذراء للأطفال الرعاة عام 1917، حاملة دعوة عالمية للصلاة من أجل السلام والخلاص من الحروب والجوع والاضطهاد، ليصبح المزار نقطة جذب رئيسية للحجاج من كل أنحاء العالم.

بينما في إسبانيا، يستقطب طريق سانتياغو الحجاج سيرًا لمسافة 1500 كلم وصولًا إلى كاتدرائية سانتياغو دي كومبوستيلا التي تضم قبر الرسول القديس يعقوب، والتي بُنيت بين 1075 والقرن الثالث عشر، لتصبح رحلة الحج تجربة روحية وجسدية متكاملة.

وفي المكسيك، شهدت بازيليك سيّدة غوادالوبي ظهور العذراء للقديس خوان دييغو عام 1531، حاملة رسالة أمومية وعطاء روحي واسع، وبنيت لاحقًا لاستقبال ملايين الحجاج سنويًا، ما جعلها رمزًا عالميًا للإيمان والأمل.

من الفاتيكان إلى لورد وفاطيما، ومن الأراضي المقدسة إلى غوادالوبي، تمثل هذه المعالم رموزًا عالمية للإيمان والروحانية. ومع إمكانية إعلان محبسة مار شربل معلمًا دوليًا، سيصبح لبنان محطة روحية عالمية جديدة، تجمع بين القداسة، التاريخ، والإلهام الإنساني، لتقديم تجربة روحانية متكاملة لكل زائر، سواء كان في رحلة تأمل صامتة، أو مشاركة الشعائر الدينية، أو البحث عن المعنى الروحي العميق في حياته. والعبرة نشر رسالة أمل وسلام للعالم كله.