آلية السرقة.. من سليم صفير إلى جوزيف طربيه

آلية السرقة.. من سليم صفير إلى جوزيف طربيه

  • ٠٧ كانون الأول ٢٠٢٥
  • كريم الحدّاد

أموال تُهرَّب وتُعاد «منظّفة»، ورؤساء مصارف يمتنعون عن التعاون، وهيئات تحقيق تُدار من المتهم نفسه.

 مع تعاظم البحث عن المسؤوليات وراء الإنهيار المالي، تتقاطع معطيات ترسم صورة أوضح لطريقة إشتغال جزء من القطاع المصرفي قبل الإنفجار المالي عام 2019. فتكشف نمطاً واحداً عن شبكة تخرج الأموال إلى الخارج، وشبكة أخرى تغلق الأبواب أمام أي مساءلة.

عملية 57 مليون دولار

في عام 2018، إشترى رجل الأعمال اللبناني–الأسترالي سركيس ناصيف نحو 5% من أسهم بنك بيروت مقابل 57.3 مليون دولار. يومها، خرج رئيس مجلس إدارة البنك سليم صفير ليصف العمل ب«توسّع إستثماري»، لكنه تزامن مع فتح قنوات تهريب منظّم للأموال عبر قبرص ولندن وسيدني، بالشراكة مع مجموعة من أبرز الأسماء المتورطة في شبكة الفساد المالي وهم رياض سلامة وسمير حنا ونديم القصار وسعد الأزهري وفواز نابلسي وأبناؤه.

كما أنّ المعطيات تشير إلى أنّ شركة غامضة أُسست في قبرص عام 2011 بإسم Sfeir Bancorp Ltd لعبت دوراً محورياً في تحريك أموال إلى الخارج ثم إعادتها الى لبنان عبر حسابات زوجة صفير وشقيقاته وأطراف أخرى لتبدو كأنّها أموال «نظيفة».

مسار موازٍ لحماية سياسية- مصرفية

بالتوازي مع مسارات خروج الأموال، كانت قضية رجا سلامة تفتح مساراً آخر، وهو مسار حماية المتورطين. ففي أواخر 2021، طلب النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات الإستماع إلى رؤساء مجالس إدارة مصارف عدة. من بينهم كان جوزيف طربيه، رئيس مجلس إدارة مصرف الإعتماد اللبناني.

لكن طربيه، بحسب ما ورد، رفض تزويد القضاء بكشوفات حسابات رجا سلامة، والإفصاح عن مصادر الأموال، والإجابة عن الأسئلة التقنية بحجة السرية المصرفية. رغم أنّ القانون يستثني قضايا الإثراء غير المشروع من نطاق السرية المصرفية.  والأخطر أنّ الحسابات حُوّلت إلى هيئة التحقيق الخاصة، الهيئة التي كان يرأسها رياض سلامة نفسه. وبذلك جرت حماية الحسابات التي كانت موضع شبهات قضائية، وتمّ تعطيل المسار القانوني.

يكشف الخيط المشترك بين الوقائع أنّ المنظومة المصرفية لم تكن تتحرك بعشوائية، بل عبر تقاطع وظيفي واضح، مسار مالي يفتح القنوات لتهريب الأموال وإعادة تدويرها، ومسار قضائي- مصرفي يوفّر الحماية عبر التذرّع بالسرية المصرفية وتحويل الملفات الحسّاسة إلى هيئة يرأسها الشخص نفسه موضع التحقيق. هذا الترابط، يعكس بنية عمل متكاملة داخل القطاع، ترتكز على تدوير الأموال، وحمايتها قانونياً، وتأمين مظلة سياسية متبادلة. والنتيجة أنّ ما ظهر كتصرفات منفصلة إتضح أنّه جزء من آلية بنيوية واحدة. أموال تُهرَّب وتُعاد «منظّفة»، ورؤساء مصارف يمتنعون عن التعاون، وهيئات تحقيق تُدار من المتهم نفسه. هكذا يبرز الخيط الذي جمع بين سليم صفير وجوزيف طربيه،

حماية سياسية مقابل المال والمال مقابل الحماية.