إنفجار المزة… هل بدأ الفصل السوري في الحرب المقبلة؟

إنفجار المزة… هل بدأ الفصل السوري في الحرب المقبلة؟

  • ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

«سوريا ستلعب دوراً في تفكيك حزب الله». يومها بدا الكلام غريباً. اليوم يبدو واقعياً بشكل مقلق.

الإنفجار الذي ضرب منطقة المزة في دمشق لم يكن تفصيلاً أمنياً عابراً. فبعد ساعات من الضياع الإعلامي، خرج التقييم الرسمي للجيش السوري ليقدّم رواية غير مسبوقة، الفاعل هو حزب الله، أو كما سمّوه حرفياً «الحزب اللبناني الإيراني». رواية سريعة، جاهزة، أقرب إلى الإتهام السياسي منها إلى التحقيق العسكري. لكنّ المفارقة أنّ الإنفجار بدا، في شكله وتوقيته، أقرب إلى «هجوم مصطنع» منه إلى عملية أمنية فعلية، وكأنّه محاولة لخلق ذريعة، أو «casus belli»، تمهيد لفتح باب جديد في المواجهة.

التوتر بين حزب الله وإسرائيل بلغ أعلى مستوى منذ وقف إطلاق النار. مصادر أميركية وأوروبية عديدة تتحدث عن عملية وشيكة، مختلفة عن كل ما سبق. فكما بدأت حرب ٢٠٢٤ بـ «البيجر»،

والضربة الإيرانية باغتيالات بالطائرات المسيّرة، يبدو أن إسرائيل تبحث عن «صدمة أولى» جديدة. المفاجأة هي عنصرها الأهم دائماً، والضربة الإفتتاحية تُكتب بعناية.

هنا يبدأ السؤال الخطير: هل تكون المفاجأة هذه المرة عبر سوريا؟

فالبقاع، من وجهة نظر عسكرية، هو الخاصرة الرخوة لحزب الله. هو امتداده الجغرافي نحو الأراضي السورية وخطوط الإمداد. لكنه أيضاً مساحة واسعة جداً، مترامية الأطراف، لا يمكن لإسرائيل تدميرها كلياً بالضربات الجوية وحدها. أي عملية حقيقية في البقاع تحتاج إلى قوات برّية تدخل وتحتل وتُمسك الأرض.

وهنا يُطرح السؤال الذي لا يجرؤ كثيرون على طرحه علناً:

من هو الطرف الأكثر ترجيحاً للقيام بهذا الدورإذا لم تكن إسرائيل نفسها؟

الجواب الطبيعي: الجيش السوري. 

فإسرائيل لا تستطيع إدخال قوات كبيرة إلى عمق البقاع من دون الإنغماس في حرب برّية مباشرة مع حزب الله. لكن سوريا، إذا حصلت على غطاء دولي أو تفاهم أمني مع الغرب، يمكن أن تصبح «الطرف الثالث» الذي يدخل بحجّة الأمن وضبط الحدود، بينما يؤدي عملياً وظيفة عسكرية تستهدف الحزب. 

المعلومات الدبلوماسية المتداولة عن إقتراب توقيع «إتفاق أمني» بين سوريا وإسرائيل تجعل هذا السيناريو أقل خيالية مما يبدو. سوريا قد تتحول إلى عنصر المفاجأة الإسرائيلية نفسها.

وهذه الفرضية لا تأتي من فراغ. فالتصريحات التي صدرت عن رجل الأعمال والمستشار الأميركي توم باراك، عقب زيارة أحمد الشرع إلى الرئيس ترامب، كانت واضحة: «سوريا ستلعب دوراً في تفكيك حزب الله». يومها بدا الكلام غريباً. اليوم يبدو واقعياً بشكل مقلق.

فالنظام السوري، الضعيف مالياً وعسكرياً، خرج من الحرب منهكاً يبحث عن أي نافذة بقاء، وأي تفاهم يعيد إليه جزءاً من الشرعية الدولية المفقودة. وفي هذا السياق، لا يبدو أنّ الرئيس أحمد الشرع سيتردّد في تقديم تنازلات إذا كان الثمن تحسين موقعه أو تثبيت سلطته. نحن أمام «شرع جديد»، أكثر براغماتية، أقل أيديولوجية، وأكثر استعداداً لدفع أثمان كبيرة مقابل البقاء.

في ضوء هذا المشهد، يصبح السؤال التالي مشروعاً تماماً:

هل الإنفجار في المزة هو تمهيد لدور سوري جديد؟

هل أرادت دمشق تقديم نفسها كـ«ضحية» لا«شريكة»، تمهيداً لأي خطوة لاحقة؟

وهل يكون البقاع، بمساحته الواسعة وحاجته لعمليات برّية، هو مسرح المفاجأة الكبرى، بقيادة الجيش السوري هذه المرّة؟

 

كل المؤشرات تقود إلى خلاصة واحدة: المنطقة أمام مفصل جديد، والساحة السورية قد تكون جزءاً من «الضربة الأولى» لا من ردود الفعل. أمّا الحقيقة الفعلية، فستظهر عند اللحظة الأولى للصوت الذي يكسر الصمت، لحظة المفاجأة التي دائماً ما تفتتح الحروب.